الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مصر تستعيد عبد الناصر

مصر تستعيد عبد الناصر
3 يوليو 2013 21:58
ما زال الزعيم جمال عبدالناصر يشغل الدارسين والمؤرخين، رغم مرور 43 عاما على وفاته، ويمكن القول ان الشارع المصري يشهد منذ عامين حنينا جارفا إلى عبدالناصر. وحين يتأمل المصريون تغول جماعة الإخوان المسلمين عليهم يتذكرون ناصر ويحلمون بعودته، وكذلك الأمر مع تدهور التعامل مع أثيوبيا وأزمة سد النهضة، فضلا عن تأزم العلاقات المصرية ـ العربية.. هذا الحنين يترجم في عدد من الكتب والاصدارات، ظهرت مؤخرا حول عبدالناصر وآخرها “جمال عبدالناصر وعصره” والذي أشرف عليه وقدم له د. عادل غنيم - رئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية - والكتاب كان في الأصل ندوة عن عبدالناصر الذي ولد في 15 يناير 1918. ويضم الكتاب أكثر من عشرين دراسة وبحثا تناولت معظم جوانب التجربة الناصرية، وكلها التزمت الجانب العلمي بقدر الامكان. نحن ـ إذن ـ بإزاء آراء ومقالات سياسية او ايديولوجية من محبين لعبد الناصر أو متحفظين على بعض جوانب التجربة، ولكنها دراسات علمية يمكن الاستناد إلى نتائجها والاعتماد عليها في التقييم. مع أفريقيا اللافت ان الكتاب يضم ثلاث دراسات تناولت علاقات عبدالناصر الافريقية، فقد شغلت افريقيا فكره واهتمامه، وكان منتبها إلى ان اسرائيل سوف تحاول اختراقه افريقيا لحصار العالم العربي كله من جانب لذا مد يد العون والمساعدة للدول الافريقية، سواء مساندة سياسية للتحرر من الاستعمار والهيمنة الغربية او مساعدات وعلاقات اقتصادية، مثلا عقد في عام 1959 اتفاق تجارة بين مصر وغانا يسمح باقامة المعارض في البلدين لتعريف كل بلد بمنتجات الآخر وتبادل الخبرات والعمالة الفنية، وتم بالفعل تبادل السلع. وفي العام التالي عقد اتفاق طيران سمح بايجاد خط طيران مباشر بين البلدين. ومع غينيا قدمت مصر قرضا قيمته 10 ملايين جنيه بموجب اتفاقية بين الدولتين بمقتضاها يتم تنفيذ بعض المشروعات الانشائية وتطهير ميناء كوناكري، وقامت بهذه المهمة هيئة قناة السويس بمعداتها وخبرائها في التطهير. وأهمية هذا الاتفاق بالنسبة لغينيا انه جاء في وقت كانت غينيا تتعرض لضغط اقتصادي شديد من فرنسا بعد استقلالها عنها. غير التعاون الاقتصادي كان هناك نشاط علمي وثقافي مصري في افريقيا، في عام 1970 كان هناك 1100 مصري في اعارة بافريقيا تحملت مصر التكلفة والنفقات الكاملة لحوالي 478 منهم وكانوا في مختلف المجالات، مدرسين ومهندسين واطباء كما قدمت مصر منحا تعليمية في المدارس والجامعات لابناء القارة وكانت كلها منحا مجانية. ومن الدراسات المهمة في هذا الكتاب تلك التي قدمها د. عبدالله عزباوي ـ عميد كلية الاداب بجامعة الفيوم سابقا ـ حول مشروع عبدالناصر الثقافي يتناول فيها انشاء المؤسسات الثقافية مثل اكاديمية الفنون والهيئة المصرية العامة للكتاب والثقافة الجماهيرية ويتوقف د. عزباوي عند حرية الفكر والابداع الفني حيث كانت هناك رقابة على المطابع سواء كانت عامة أو خاصة، لكن د. ثروت عكاشة شرح في مذكراته ان الدولة تركت الشعراء والادباء والفنانين احرارا يتحدثون بلغتهم الخاصة على هواهم في الغالب إلا فيما ندر. اما د. لويس عوض فقد أشار في شهادته حول تلك الفترة إلى ان الرقابة فرضت على الفكر السياسي والاجتماعي وليس الثقافي والفني، والدليل ان نصوص نعمان عاشور نشرت بأكملها وكانت تنتقد الاوضاع الاجتماعية في مصر، فضلا عن ان نجيب محفوظ نشر أعماله التي انتقدت التجربة الناصرية مثل “ميرامار” و”السمان والخريف” و”اللص والكلاب” وغيرها، ونشر توفيق الحكيم “بنك القلق” التي انتقد فيها جهاز المخابرات العامة ومصادرة الحريات. وتكتمل الرؤية الثقافية لعصر عبدالناصر بدراسة أخرى حول دور الأزهر ومشروع تطويره الذي صدر عام 1961، وكذلك تناول المناهج التعليمية خاصة في مادة التاريخ ومادة التربية الوطنية حيث كانت تركز هذه المناهج على البعد الوحدوي عبر العالم العربي كله والتكامل بين الدول العربية من المحيط الى الخليج. عبدالناصر في نظر د. عادل غنيم هو صاحب الانجازات الكبرى مثل جلاء الانجليز عن مصر ومساندة حركات التحرر الوطني في العالم العربي وفي القارة الافريقية، وهو كذلك صاحب مشروع تأميم قناة السويس والصمود في وجه العدوان الثلاثي عام 1956 ثم بناء السد العالي وانشاء عدد كبير من المصانع والصناعات الثقيلة، ثم اعادة بناء الجيش المصري بعد هزيمة يونيه 1967 مما مكن مصر من خوض حرب الاستنزاف ثم تحقيق الانتصار في 6 اكتوبر 1973. لكن عبدالناصر يتحمل ايضا بنظر عادل غنيم المسؤولية عن الاخفاق الكبير الذي قاد الى هزيمة 1967 مما ادى الى احتلال سيناء والجولان والضفة الغربية وغزة الامر الذي أضر بالقضية الفلسطينية ويتحمل كذلك عدم اقامة حياة ديمقراطية سليمة وهو المبدأ السادس من مباديء ثورة يوليو 1952. الأحزاب الداخلية ولا يمكن إنكار الجهد الضخم في إعداد هذه الاوراق والدراسات، منها ورقة أو دراسة حول علاقة عبدالناصر بالحركة الشيوعية أو اليسار المصري اعدها عبدالقادر ياسين وهو باحث متخصص في هذا الشأن، ولكن في المقابل لن نجد اي تناول لعلاقة عبدالناصر بالاخوان المسلمين والتي بدأت بمعرفة عبدالناصر لحسن البنا مؤسس الاخوان، وكان عبدالناصر تولى تدريب بعض الاخوان في صحراء المقطم على القتال استعدادا للدفاع عن فلسطين عام 1948، وبسبب ذلك اتهمه ابراهيم عبدالهادي رئيس الوزراء بعد اغتيال النقراشي بانه منتم للاخوان، ثم تطورت العلاقة بعد ثورة 1952 على النحو الدموي الذي ادى الى محاولة اغتياله في المنشية عام 1954 على يد التنظيم الخاص للجماعة. وسوف نلاحظ كذلك عدم وجود أي دراسة لعلاقات ورؤية عبدالناصر لحزب الوفد ودوره الوطني، خاصة ان عبدالناصر أمر بزيادة معاش مصطفى النحاس وعلاج زينب الوكيل زوجة النحاس بالخارج بعد اشتداد المرض عليها، بل شهد عام 1969 احتفالا عالميا بمرور نصف قرن على ثورة 1919 مما يعني رد الاعتبار لهذه الثورة وزعيمها سعد زغلول، وقد احتفلت مؤسسة “الاهرام” بهذه المناسبة وكان على رأسها محمد حسنين هيكل صديق عبدالناصر، كما احتفلت مؤسسة “دار الهلال” بالمناسبة حيث خصص الراحل احمد بهاء الدين عددا من “المصور” للمناسبة. بالتأكيد تجربة عبدالناصر غنية ومهمة ولا يمكن لعمل أو مؤتمر واحد ان يغطي كل جوانبها ولكن الكتاب الذي بين ايدينا “جمال عبدالناصر وعصره” يقدم زادا معرفيا للاجيال الجديدة التي تشعر بحنين الى عبدالناصر واحترام تجربته ولذا وجدنا صورة ترفع في المظاهرات والمليونيات بمختلف المدن المصرية بل ان بعض شعاراته وكلماته ترددت في هتافات ضخمة بالقاهرة والاسكندرية وطنطا والمحلة هذا العام. الكتاب: جمال عبدالناصر وعصره تأليف: لجنة من المؤرخين اشراف وتقديم: د. عادل غنيم الناشر: دار المعارف
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©