السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

السعادة كما يراها عظماء الفكر الإنساني

20 يوليو 2014 01:44
محمد نجيم (الرباط) صدر مؤخرا عن دار توبقال للنشر (الدار البيضاء)، وضمن سلسلة دفاتر فلسفية، كتاب قيّم يضم نصوصا مختارة تسلط الضوء على مفهوم السعادة برؤية كبار الكتاب والفلاسفة منهم: بول فولكيي، لالاند، جون ديوي، أرسطو، هونري بوانكاري، مسكويه، كانط، سينيكا، آلان، باسكال، ستيوارت ميل، نيتشيه، فولتير، روسو، شوبنهاور، ابن رشد، الفارابي، ابن طفيل، وغير هؤلاء من عظماء الفكر الإنساني. والكتاب من إعداد وترجمة محمد الهلالي وعزيز لزرق. لاحظ المترجمان أن هناك صعوبة لإعطاء تعريف واحد للسعادة، وذلك لاختلاف تمثّلات الناس عنها، لكن هل صعوبة تعريف السعادة، تعني أن لكل سعادته، أم تعني استحالة بلوغ السعادة؟ حيث دأب الإنسان على ربط غاية الحياة بالسعادة، باعتبارها ما يفضي معنى على وجوده، فهل قيمة السعادة تكمن في البحث عنها أم في الوصل إليها؟ يتساءل ُمعدا ومترجما نصوص الكتاب. وسواء اعتبرنا السعادة بحثا مستمرا أم شيء يمكن تحصيله، فإن هذا لا يلغي إمكانية الشعور بها، لكن يبقى سؤال الواجب بالمعنى الأخلاقي سؤالا مستفزا، فإذا كانت السعادة ممكنة التحقق، فهل تلبية رغباتنا وفعل ما يروقنا دال على حقا على سعادتنا؟ وهل تحقيق سعادتنا كأفراد، كاف لتحقيق سعادتنا داخل الجماعة؟ هل يمكن تصور سعادتنا بمعزل عن الواجب الأخلاقي وبمعزل عن سعادة الآخرين؟ هل هناك تطابق بين الشعور بالمتعة والسعادة؟ هل يكفي إشباع رغباتنا لكي نكون سعداء؟ ويرى مُعدا الكتاب ومترجما نصوصه أنه عادة ما يتم الخلط بين السعادة والفرح واللذة، لكن، «لكي يكون هناك تطابق بين السعادة والشعور باللذة أو الفرح، يجب أن تكون هناك لذّات وأفراح دائمة، لا تتعارض مع السعادة باعتبارها حالة مُستقرة ودائمة، لكن ما نستطيع عادة تحقيقه هوتحقيق لذّات ورغبات ما تفتأ تزول، أو تنتهي في الزمن». ويتسائل المؤلفان: ألا يؤدي اعتبار السعادة حالة دائمة إلى جعلها حالة مُستحيلة؟ أم أن كيفية تعاملنا مع رغباتنا ومتعنا هو السبيل لتحقيق السعادة؟ يقول معدا الكتاب: إن كل رغبة تولد من نقص، من حالة عدم الإرضاء، وبالتالي فهي في الأصل معاناة، وكل إرضاء هو انطلاق لرغبة جديدة ولمعاناة أخرى وهكذا دواليك، ذلك أن أي إرضاء تام، يعني نزع الحافز نحو الرغبة، والوقع في فراغ مرعب: الضجر. لعل السعادة مثل الحقيقة، ليس مهما بلوغها، بل الأهم هو البحث الدائم عنها، فما يجعلنا سعداء هو البحث عن السعادة. بهذا الصدد عرفت فلسفة أبيقور بإعطائها الأولوية للشعور بالمتعة، أي النزعة المتعِية، لكن بمعنى دقيق جدا، إذ يرى أن السعادة لا تكمن في تحقيق إرضاء تام لرغباتنا وملذاتنا، ولكن في أن لا يكون المرء في حالة احتياج، وأن لا يتعرض للمعاناة وللاضطراب. بهذا المعنى يتحدث أبيقور عن راحة وطمأنينة النفس. ولكي يتحقق ذلك علينا أن نتجنب كل ما من شأنه أن يعرضنا للمعاناة أو للإحساس بالاحتياج أو النقض، حتى لا نشعر بعدم الرضى، وبالتالي بالشقاء.. ومقابل هذه النزعة المُتَعية، نجد تصورا آخر، يرى أن السعادة يجب أن تكون هي الغاية الأسمى للإنسان، على اعتبار أن الخير هو الغاية التي يسعى إليها الناس، سواء أدركوها أو لم يدركوها لكن الخيرات أنواع، هناك خيرات نستعملها فقط كوسيلة للوصول إلى غايات أخرى، إنها غايات غير تامة مادامت تحتاج لغيرها، وهناك خيرات لا تحتاج لغيرها، إنها غايات تامة، لأنها ليست غايات نتوسل بها تحقيق أشياء، بل ما إن نبلغها حتى لا نبحث عن أي شيء آخر، بهذا المعنى نسمي السعادة خيرا أسمى، وهو ما يعرف فلسفيا بالنزعة المُتَعية. هكذا ربط بعض الفلاسفة (أرسطو) بين السعادة والفضيلة، وبالتالي بين السعادة والواجب. يرى بول فولكي أن مفهوم السعادة «يُستعمل للتعبير عن حالة الإشباع التام لكلّ الميولات الإنسانية. وهنا تتميز السعادة عن اللذة، والتي هي دائما غير تامة، وليست خاصية تميز الإنسان وحده: فالحيوان يحس باللذة، لكنه يبلغ السعادة. لذا نجد أن للسعادة مرادفات هي الغبطة، الهناء، الافتتان، الفرح، الرضا، الإشباع». فيما يرى هنري بوان كاري أن لا قيمة للحضارات إلا بالعلم والفن. ولقد أثارت عبارة العلم للعلم الدهشة، رغم أنها تعادل عبارة الحياة من اجل الحياة، إذا لم تكن الحياة مجرد بؤس، بل تعادل عبارة السعادة من أجل، إذا كنا نعتقد أن الملذات ليست جميعها من نفس النوع، وإذا كنا نرفض أن يكون هدف الحضارة هو مد الذين يحبون السكر بالخمر. أما المفكر الفرنسي الشهير جان جاك روسو فيكتب عن سعادته التي عاشها، قائلا: «هاهنا تبدأ السعادة القصيرة التي شهدتها حياتي؛ هنا تطفو تلك اللحظات الهادئة والسريعة التي أعطتني حق قولي إنني عشت. يا لها من لحظات ثمينة ومأسوف عليها! لتعد على مسامعي درسك المحبوب لدي؛ ولتنساب ببطء داخل ذاكرتي، إذا أمكن ذلك، واحرص على أن لا تتوارى داخل هذا الإرث الهارب. ما العمل، لكي أستمر في ترديد هذا الحكي المُؤثر جدا والبسيط جدا، فأعيد قول نفس الأشياء، دون أن يضجر قط قرائي، من تكراري على مسامعهم، أنني لن أمل أيضا من ترديد هذه الأشياء بدون توقف. لو كان من الممكن أن يتجلى كل ذلك في وقائع، أفعال، أقوال، لأمكنني وصفه وجعله يتخذ منحى ما: لكن ما السبيل إلى قول ما لا يمكن قوله، ولا فعله، ولا حتى التفكير فيه، آخر من سعادتي، ما عدا هذا الإحساس ذاته؟ أكون سعيدا عندما أستيقظ مع طلوع الشمس، أكون سعيدا عندما أتجول، أكون سعيدا عندما أرى أمي، أكون سعيدا عندما أغادرها، كنت أسير في الغابات والتلال، أتوه في الأودية الصغيرة، أقرأ، لقد كنت متفرغا، أعمل في الحديقة، أجني الثمار».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©