الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

أتيته متثاقلاً فكان مضيافاً

أتيته متثاقلاً فكان مضيافاً
20 يوليو 2014 01:42
رمضان بالنسبة لي شهر مهم في التزود بوقود التقوى والمعرفة وإعادة شحن الفكر والشعور بهذه الدفقات الإيمانية، فالشعائر الدينية الكثيرة في هذا الشهر تتميز بالممارسة الحقيقية طوال ساعات اليوم في البعد العملي من خلال سيطرة الفكر والشعور على الجوارح، فنرى سكنات وحركات الإنسان تتهذب فيغض البصر ولا يغتاب ويمتنع عن الأكل والشرب وملذات الدنيا من ناحية، وفي البعد الروحي من خلال الصلاة والدعاء وتطهير النفس من درن الذنوب ودنسها من ناحية أخرى.  ربما أجد نفسي بعيدا عن عالم الأدب في هذا الشهر كممارسة معتادة، ولكني أعد نفسي في أهم مراحل التهيئة للإنتاج الأدبي، فالأدب فعل من الأفعال الإنسانية يسمو به الإنسان كي يكتشف ذاته، وغموض ذات الإنسان دليل على ارتباطه المعرفي بذات الحق سبحانه وتعالى، كما جاء في الحديث «من عرف نفسه فقد عرف ربه». فالإنسان يتصف بدرجات معينة كالكرم والرحمة والحلم وغيرها، وبذلك يكتشف فطرته الحقيقية التي فطره الله عليها، ويرتقي في درجات الإنسانية ويتجلى ذلك في إبداعاته الأدبية كالشعر والنثر والنقد وقد خلقه الله خليفة له على الأرض وحاملا لأمانته.  إن معرفة الله سبحانه وتعالى غرض من أغراض الأدب لا يتأتى لأحد دون طي مسالك طويلة، وما شهر رمضان المبارك إلا خطوة أولى في هذا المجال، وعلى جميع الأدباء المضي قدما في كشف أنفسهم من خلال علاقتهم بالبارئ عز وجل، فهناك قصة حب لا يبلغ كنهها أحد سواه لأنه الخالق الرحمن الذي يحب مخلوقاته جميعا ويهيئ أمامهم طرق المغفرة والرحمة ليفتح أمامهم أبواب الحب الإلهية، لأنه يحب التوابين ويحب المتطهرين، فحق علينا ونحن في ضيافته الخاصة أن نستثمر هذا الشهر بالتزود بزاد يقربنا إليه لأن قرب المحب إلى حبيبه معنى يعطينا آفاقا وجدانية لا نهاية لها. يمثل لي شخصيا هذا الشهر عالما جديدا، لأن الزمان المختلف الذي أعيشه يغير في سلوكي ويجعلني أتأمل الآيات المرتلة لأشاهدها على الطبيعة وأشعر بها في لحظاتي حتى تصبح جزءا مني، لا أحب أن يفارقني هذا الجزء فأبذل الجهد لأستثمر كل أيام هذا الشهر الفضيل قبل هلال العيد ليخفف عني وطأة فراقه. ولكن ما يجبر خاطري دائما هو أني أخرج من هذا الشهر وأنا ناجيت محبا فتح أبوابه بوجهي بالرغم من عدم استحقاقي، وقربني إليه بالرغم من بعدي منه. لقد كان شهرا مضيافا نشر مائدة من الرحمة أمامي وأنا ضيف أتيته متثاقلا وملطخا بثياب المعاصي لم أحمل إليه ما يشفع لي ولكنه كان باحثا عن حجة ليعفو عن كل ذلك فشرع صيام هذا الشهر رأفة بي ونجاة لي من الهلاك بسبب غفلتي عن معرفته. ولعل ما يبقى لي بعد أن يمضي هذا الشهر هو هذه المساحة الجديدة في فكري من المعرفة التي أعدها أهم مصادري الأدبية في مخاطبة الآخرين وإقناعهم بالنصوص الأدبية التي تشبه ذواتنا الفطرية الحقيقية والمعاني السامية التي تعلمناها من وحي رب السموات والأرضين. * شاعر إماراتي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©