الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

الأمازيغية الفتنة النائمة في الجزائر

26 يونيو 2006 01:44
الجزائر- حسين محمد: يلتقي رئيس الحكومة الجزائرية عبدالعزيز بلخادم منذ 20 يونيو الجاري وفداً من ''عروش القبائل'' في جولة جديدة من الحوار بين الطرفين تستغرق أياماً عديدة كعادة جولات الحوار بين الطرفين، وهي الأصعب على الإطلاق منذ بداية الحوار بين الحكومة السابقة بقيادة أحمد أويحيى و''العروش'' قبل نحو عامين، بسبب الموقفين المتناقضين للطرفين من قضية اعتماد الأمازيغية لغة رسمية في الدستور الجزائري وغياب أية آفاق لحل وسط بين الموقفين· ويقطن القبائل بولايتي ''تيزي وزو'' و''بجاية'' وأجزاء مهمة من ولايات ''بومرداس'' و''البويرة'' وأجزاء صغيرة بولايات ''تيبازة'' و''برج بوعريريج'' و''سطيف''، وينتشرون بكثافة بالجزائر العاصمة دون أن تكون لهم مناطق أو أحياء خاصة بهم· ولايعرف عددهم على وجه التحديد لكن استنادا إلى مختلف السوابق الانتخابية، فإن الناخبين من القبائل لايتجاوزون المليون· وإذا فرضنا أن الأطفال والمراهقين الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة في حدود المليونين، يمكن الاستنتاج حينئذ أن عددهم لايتجاوز 3 ملايين، أي أقل من عُشُر سكان الجزائر الذين يبلغون 32 مليون نسمة· نضال طويل وتناضل القبائل منذ سنوات طويلة لإجبار السلطات على الاعتراف بالأمازيغية لغة وطنية ورسمية للجزائريين، لكنها ظلت ترفض هذه الفكرة وقدمتها على أساس أنها تهدد الوحدة الوطنية وتلاحم الجزائريين وتؤسس للطائفية والنعرات العرقية· ولجأت القبائل إلى التظاهر ضد السلطات للضغط عليها لتحقيق مطلبها في 20 إبريل 1980 إلا أن المظاهرات أُخمدت دون أن تحقق هدفها· وعاودت القبائل الكرة في 18 أبريل 2001 وكانت المظاهرات هذه المرة كبيرة وصاخبة ولم يتورعوا فيها عن اللجوء إلى تخريب كل المنشآت العمومية بمنطقة القبائل ودامت أعمال العنف والتخريب أكثر من عامين، وسقط 126 قتيلاً وجُرح قرابة 3 آلاف متظاهر، وكانت المظاهرات في البداية شبه عفوية ولم يتبنّها حزب أو تنظيم محدد· وبمرور الأسابيع ظهرت ''العروش'' وهي تنظيم قبلي يعتمد على الولاء للعشيرة أو ما يعرف ببطون وأفخاذ القبائل؛ وتجمع ''العروش'' شاباً من كل عشيرة ليمثلها في هذا التنظيم ويتولى هيكلة أفرادها وقيادتهم أثناء المظاهرات ويتحدث باسمهم· واستطاعت ''العروش'' الهيمنة تماماً على الشارع القبائلي وأظهرت قدرات هائلة على التنظيم وحشد الأنصار، مما أزعج، ليس السلطات فحسب، بل حتى الحزبين العريقين بالمنطقة ''التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية'' و''جبهة القوى الاشتراكية''، وحاول هذا الأخير كسر هذا التنظيم للحفاظ على مكانته السياسية فدخل الانتخابات المحلية لـ10 أكتوبر 2002 لكن ''العروش'' أفشلتها ومنعت الناخبين غير المقاطعين، من الوصول إلى صناديق الاقتراع وأوقفت العملية الانتخابية بالمنطقة برمتها بعد ساعتين فقط من انطلاقها· ودفعت قوة ''العروش'' السلطات إلى اعتماد المرونة معها بعد عامين من ملاحقة ناشطيها، وفتحت حواراً معها لتجسيد ''أرضية القصر'' التي كانت ''العروش'' قد أعدتها في 9 يونيو 2001 وأعلنت أن أزمة القبائل لن تحل دون الاستجابة لكل بنودها· 14 مطلباً و31 جولة حوار وتتضمن ''أرضية القصر'' هذه 14 مطلباً لعل أهمها المطلب الثامن المتعلق باعتماد الأمازيغية لغة وطنية ورسمية في الدستور الجزائري جنباً إلى جنب مع اللغة العربية· واستجابت السلطات لـ''نصف'' المطلب بتعديل المادة الثالثة من الدستور والاعتراف بالأمازيغية لغة وطنية، وصادق البرلمان على التعديل· لكن ''العروش'' لم تقنَع وطالبت بالترسيم· وخاض رئيس الحكومة السابق أحمد أويحيى 31 جولة من الحوار مع''العروش'' بقصر الحكومة، وحقق الحوار تقدماً كبيراً في معالجة مختلف المطالب الواردة بـ''أرضية القصر'' ومنها الموافقة على التعويض لعائلات القتلى والجرحى وإرسال ذوي العاهات الناجمة عن المواجهات إلى الخارج للعلاج ووقف المتابعات القضائية ضد ناشطي ''العروش'' وسحب قوات الدرك من المناطق الحضرية، كما حققت الحكومة مطالب إضافية لم ترد في ''أرضية القصر'' كمسح ضرائب التجار وديون شركات الكهرباء والغاز والماء التي امتنعت القبائل عن تسديدها طوال عامين وحل المجالس الشعبية المحلية وإعادة الانتخابات، بل إن زعيم العروش'' بلعيد عبريكا عقد في 16 مارس 2005 مؤتمراً صحافياً ليعلن للجزائريين أنه اتفق مع أويحيى على تحويل العطلة الأسبوعية من الخميس والجمعة إلى السبت والأحد! وعلى صعيد القضية الأمازيغية، وعد أحمد أويحيى، وهو قبائلي بدوره، محاوريه بـ''ترقيتها'' تدريجياً من خلال إنشاء أكاديمية لها وإدخالها إلى التلفزيون الجزائري ببث ساعتين بالأمازيغية يومياً في انتظار إنشاء قناة تلفزيونية ناطقة بهذه اللغة، فضلاً عن توسيع تدريسها إلى 16 ولاية جزائرية· وأبدت ''العروش'' رضاها عن النتائج الأولية للحوار، إلا أن مرونة الحكومة فتحت شهيتها للمطالبة باعتماد الأمازيغية لغةً رسمية في الدستور ومنحها نفس مكانة العربية· وصرح عبريكا بعدها أن أويحيى وعده بترسيمها ''مستقبلا''، وأثار ذلك ردود أفعال ساخطة من الجزائريين الذين خشوا أن تفرض عليهم رغماً عنهم وهم لا يتقنونها كتابة ونطقاً· بوتفليقة يصدم العروش وإزاء توالي ردود الأفعال الرافضة، خرج الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة عن صمته في سبتمبر 2005 وصرح في قسنطينة بمناسبة الحملة التحسيسية للاستفتاء على ميثاق السلم والمصالحة بأن ''الأمازيغية لن تكون لغة رسمية أبداً دون استفتاء شعبي''· وهو نفس الموقف الذي أعلن عنه في تيزي وزو في سبتمبر 1999 بمناسبة الحملة التحسيسية للاستفتاء على قانون ''الوئام المدني'' آنذاك· وخلف هذا التصريح صدمة هائلة لدى قياديي'' العروش'' الذين أسقط بأيديهم وشعروا بحرج شديد أمام أنصارهم فأعلنوا إيقاف الحوار مع الحكومة· وبعد نجاح الانتخابات الجزئية في 24نوفمبر ،2005 تحدث متتبعون عن ''وفاة'' تنظيم ''العروش'' وعودة حزبي المنطقة إلى الساحة مجدداً· ولكن التنظيم لم يستسلم وطلب من الحكومة مواصلة الحوار فاستأنف في أبريل الماضي حول نفس النقطة التي توقف عندها منذ أشهر وهي اعتماد الأمازيغية لغة رسمية للجزائريين· وخلفت استقالة أحمد أويحيى من رئاسة الحكومة في أواخر مايو الماضي صدمة أخرى لـ''العروش'' التي ارتاحت لطريقته في إدارة الحوار وتفهمه لمطالبها، لكنها تكيفت مع الأحداث وطلبت من بلخادم استئناف الحوار فقبل وعقد معها أول جولة في 4 يونيو ثم جولة أخرى في 20 يونيو الجاري، على أن تتبع بـ''سلسلة '' من الجولات المراطونية· وتسعى ''العروش'' في جولاتها الجديدة مع بلخادم إلى تحقيق تقدم في مسألة اعتماد الأمازيغية في الدستور من خلال محاولة اقناعه بإصدار التزام مكتوب بتحقيق مطلبها ''مستقبلا''· ويقول القيادي بـ''العروش'' فارس أوجدي بهذا الصدد لـ''الاتحاد'': ''لسنا مستعجلين على اعتماد الأمازيغية، ولكننا مصرون على انتزاع تعهد من الدولة تلتزم فيه بتحقيق ذلك ولو بعد سنوات من الآن''· التيفيناغ أم الحروف العربية ؟ ويرى متتبعون كثيرون أن منح الحكومة هذا الالتزام أمر صعب للغاية لأن ترسيم الأمازيغية معناه منحها نفس مكانة اللغة العربية وتعميم استعمالها وهو أمر لا يمكن أن يوافق عليه ملايين الجزائريين الذين يجهلون هذه اللغة تماماً ولا يعرفون سوى العربية· بل حتى الجزائريين الذين يتقنون لهجاتٍ أمازيغية أخرى كالشاوية والتوارق وبني ميزاب، لا يوافقون على ترسيم الأمازيغية وبرهنوا على ذلك في مناسبات عديدة؛ فهي ''لغة'' غير واضحة في أذهانهم، وحروفها الحالية المعروفة بإسم ''التيفيناغ'' التي تكتب من اليسار إلى اليمين كاللاتينية، تثير رفضهم واشمئزازهم ويطالبون بكتابتها بالحروف العربية· وإذا أصرت ''العروش'' على ترسيم الأمازيغية، فستشهر الحكومة ورقة الاستفتاء الشعبي وهي الفكرة التي رفضتها ''العروش'' جملة وتفصيلاً بذريعة أن ''الهوية ليست موضوعاً قابلاً للاستفتاء'' وهي تدرك تماماً أن باقي الجزائريين؛ عرباً وأمازيغ غير قبائل، سيقفون ضد الفكرة دون تردد· ولا تريد الحكومة المخاطرة بإرضاء أقلية من 3 ملايين مواطن وجلب سخط 29 مليوناً بالمقابل· وربما كان الحل هو في اتجاه الطرفين إلى مواصلة خطة أويحيى لـ''ترقية'' الأمازيغية وتطوير مصطلحاتها ونشرها تدريجياً حتى يتبلور فعلاً ''مشروع'' لغة واحدة وذات حروف متفق عليه تجمع كل أمازيغ الجزائر، وبعد سنوات من التطوير والعمل اللساني الأكاديمي البحت يصبح لكل حادث حديث· الحل يبدو واقعياً لكن غلاة ''العروش'' يهددون بالعودة إلى الشارع للتظاهر ومواصلة الضغط ، بينما يحاول مغنٍّ قبائلي مغمور يدعى فرحات مهني حشد القبائل حول مشروعه لـ''الاستقلال الذاتي'' للمنطقة عن الجزائر بذريعة أن سكانها سيتمكنون حينئذ من ممارسة ''خصوصيتهم الثقافية'' التي يأباها عليهم باقي الجزائريين· وإذا كانت دعوته لا تلقى الآن أي صدى لدى سكان المنطقة، فإن نسفها تماماً لا يمكن أن يتم في ظل غياب حل بين ''العروش'' والحكومة يكون بمثابة ''الوضع النهائي'' للأمازيغية· ولكن جولات الحوار لا تزال مستمرة، ولننتظر لنرى·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©