الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«كان الله في عون الطفل».. لعنة التمييز العنصري

«كان الله في عون الطفل».. لعنة التمييز العنصري
11 ديسمبر 2016 22:16
مريم جمعة فرج (دبي) «كان الله في عون الطفل» الرواية الحادية عشرة الصادرة لمؤلفتها الروائية والأكاديمية الأميركية «توني موريسون» وهي تأتي بعد رواية «وطن» 2012 الحائزة على جائزة «بوليتزر»، لتكمل موريسون توغلها في عوالم سبق لها أن سلطت الضوء عليها، لأنها ترى أن أجزاء من تفاصيلها ما تزال بحاجة إلى المزيد من البحث. هذه العوالم، يمكن تسميتها بأي شيء بعيداً عن التصنيف المادي المترائي لنا، والواقع أنها تبدع في صناعة الأعمال الروائية الواقعية المفعمة بلمسة من السحرية المبهرة، وربما تذكر القارئ بأعمال أخرى لهذه الروائية الحائزة على جائزة «نوبل في الأدب» سنة 1993 منها: «محبوبة» و«العين الأشد زرقة» و«رحمة». وبالنسبة لموريسون فإن تلك العوالم هي ما تتركه الصدمة في الحياة لنا، لكي يعيش في داخلنا كمشاعر تبقى قادرة على السيطرة على سلوكياتنا بشكل أو آخر. تكتب موريسون هذه المرة عن ذكريات الطفولة، وتفاصيل الألم الذي يكبر ليضاهي حجم أجسادنا كلما تقدم بنا العمر. وفي النهاية فإن قارئ رواية «كان الله في عون الطفل»، لا يسعه إلا أن يستمع إلى ما تقوله كل واحدة من شخصياتها بضمير المتكلم. كعادتها تستولي أعمال موريسون رغم إيجازها على مشاعر القارئ. وتروي فضوله بالمزيد من التفاصيل حول موضوعيها الرئيسين: التمييز العنصري في المجتمع الأميركي، والمشكلات التي يخلقها السود لأنفسهم وهي مشكلات أخلاقية أحدها العنف الأسري الذي يعاني منه الأطفال خصوصاً. تمسك الرواية بتلك اللحظات الحرجة التي تتشكل فيها ذوات بطلاتها الصغيرات فتنزف جروحهن منكفئة إلى الداخل مما يسهل فقأها بين فينة وأخرى. وها هما والدا بطلة الرواية «لولا آن» يعيشان حالة زهو بسبب لون بشرتيهما الفاتحة التي يعتبرانها نوعاً من التفوق في مجتمعهما الأسود. وللقارئ أن يتخيل تلك المعاناة التي أصبحت تئن تحت وطأتها الابنة، التي ما أن تخرج إلى الحياة حتى تفكر أمها في وأدها بسبب لون بشرتها الداكن الذي يشبه «ظلمة الليل» حسب تعبير الأم، التي تضيف: «كانت شديدة السواد حتى أنها أرعبتني فور خروجها من بين فخذي». فيما الأب لا يفكر إلا في النجاة من الفضيحة لأنه لن يتمكن من مواجهة الناس بفتاة يشك في أنها من صلبه متهما زوجته بالخيانة. إن لولا آن التي لم تجرؤ في طفولتها على مناداة أمها أمام الناس إلا باسمها «سويتنس» ما تلبث أن تخترع لها هي الأخرى اسما آخر «برايد». أما القارئ فيلتقيها في واحدة من تلك اللحظات التي تسترجع فيها عذابات تلك الطفولة. إن النجاح الذي تحققه هذه المرأة السمراء الجميلة وفق مقاييس الجمال العصرية، التي يراها مستحوذة على إعلانات أكبر شركات المستحضرات النسائية العالمية، والمالكة لإحدى الشركات، ما هو إلا واجهة تخفي وراءها ألما لم يبارحها منذ ولادتها ومنذ أن فكرت أمها في التخلص منها ثم تراجعت لكي تقوم برعايتها لوحدها كارهة، مستعينة بأشكال الاضطهاد الجسدي والنفسي. غير أن المفارقة في حياة هذه الابنة التي لم تجرب الحب ممن حولها حتى عندما تصبح فتاة مراهقة وتلتقي بفتى أحلامها الذي يتخلى عنها بلا سبب، هي أنها تصبح أكثر قدرة على الحب وعلى إبصار ما يحدث حولها من تجاوزات في حق أشخاص آخرين، وتكون شاهداً على بعض المواقف اللاإنسانية التي يتعرض أثناءها أطفال للأذى الجسدي والنفسي. ذلك أن شخصيات موريسون تنشد الحب والقبول والتسامح، على الرغم من تعقيداتها النفسية. وفي مقابلة لها في مجلة «باريس ريفيو» كان هناك سؤال حول هذه الشخصيات، التي أجابت موريسون بأنها خيالية لا علاقة لها بشخصيات حقيقية: «إنني أشعر بالحرية والقدرة على الإبداع والابتهاج عندما تكون شخصياتي من اختراعي، إلا أنني أكون حذرة في رسمي لها». وأي كانت طبيعة هؤلاء فهم في النهاية أقوياء بقدر ما تتمتع به من قوة الخيال. إنهم بخلاف ما نرى يصرحون بمشكلاتهم وهم لا يلجأون كما تقول «إلى استخدام سلاح الضعفاء، كالتذمر والغيبة والنميمة بل المواجهة». والواقع أن موريسون في معالجتها هذا الموضوع لا يصل بها الأمر إلى ابتزاز عواطف قرائها وبالاصطفاف إلى جانب هذه الشخصيات، فهي شديدة الواقعية وكل ما تحتاجه هو الغوص في أعماقها. كما أنها تقدم ذلك بلغة جادة على الرغم من شاعريتها. وهنالك ما لا يتسع المجال للحديث عنه فيما يتعلق باقترابها من تخوم الواقعية السحرية التي ربما حجبتها إلى حد ما هذه الواقعية الشديدة في موضوعاتها الإنسانية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©