الخلوة الإماراتية سنة كونية

الخلوة هي إحدى سنن الكون، أوجدها خالق الكون، منذ بداية الخليقة وابتدأها بأبينا آدم عليه السلام، وكل الأنبياء والرسل نزلت عليهم الرسالات في خلواتهم. نبي الله لقمان الحكيم اشتهر بكثرة خلواته، والأئمة من المسلمين وغيرهم، وحكماء العرب والصين، وفلاسفة الهند واليونان، اشتهروا بخلواتهم. في الخلوة يكون الإنسان أقرب إلى ربه، وأقرب إلى فطرته، ففي الخلوة تنشط الروح وترتقي، فتتحسن وظائف الحواس في الجسد، يتحسن الفكر وينشط العقل وترتقي الروح ويصفو الذهن وينتعش الفؤاد، فلا يخرج من هذه الخلوة إلا كل خير ومفيد. ولكم في رسول الله أسوة حسنة..رسولنا الكريم هو معلم القيادة الأول، فمن سننه ومنهجه تعلَّم الغرب واقتبس علوم الإدارة وفنون القيادة.وكان كثير الخلوة والتأمل والتدبر، فبنى أمة وصنع مجداً ونشر الخير.وقد ألف العالمان جيمس كوزس وباري بوسنر كتاب «المصداقية» والكتاب يعلّم الناس فنون ورقي القيادة، والتي تدور حول مفهوم واحد وعميق وهو «الصادق الأمين». وهو وصف وسمة اشتهر بها نبينا الكريم محمد، صلى الله عليه وآله وسلم. ومن خلال الخلوات يمكننا أن نتحصل على الصفات القيادية والإبداعية وأن يتعلم القادة صفة القائد الصادق الأمين والقوي والمبدع. والخلوة منهج نبوي مارسه جميع الأنبياء، وكبار القادة والناجحون، إذ يعتزلون الناس لفترة من الزمن. وما أحوجنا في هذا الزمن إلى أن نعتزل. وطقوس عزلتنا تكمن في البعد عن الهواتف الخلوية، وتجنب الإنترنت وتقنياته، لنريح أعصابنا وعقولنا وعيوننا من وسائل التواصل الاجتماعي التي استهلكتنا وأهلكتنا صحياً ووقتياً وذهنياً. في أحد اللقاءات التليفزيونية مع الإعلامي أحمد الشقيري، وقبل أن يطلق برنامجه الجديد «قمرة»، قال إنه اعتزل العالم ودخل في خلوة مع نفسه لمدة 40 يوماً في إحدى الجزر، وليس معه إلا هاتف قديم ودون إنترنت، وسمح بأن يتصل به فقط والداه وزوجته ومدير أعماله، ولكن بشرط ألا يتصلوا به إلا في حالة كارثية أو وفاة. وفي خلوته تلك وضع أسس ومعايير برنامجه التليفزيوني الجديد والذكي والفريد من نوعه، والذي ليس فيه أي تقليد، وقمة في الإبداع والابتكار والإحسان. وهكذا هي الإمارات بين فترة وأخرى تدخل في خلوة مركّزة وعميقة، ولمدة قصيرة، وتخرج لنا بإبداعات وقرارات، تؤدي إلى إنجازات وقفزات تطويرية كبيرة يتحدث عنها العالم أجمع. والخلوة هي عادة حميدة قديمة ولكن لكل خلوة طقوسها، وتختلف تلك الطقوس باختلاف المكان والزمان والهدف. واشتهرت الخلوة قديماً بأنها للأفراد ولصفوة المجتمع من رجال دين وحكماء ومفكرين. أما الإمارات، دولة الإبداع والتفرد والتميز المستمر، فقد أدخلت ثقافة الخلوة في استراتيجياتها الحكومية، وعملت على نشر ثقافة الخلوة محلياً وإقليمياً. والخلوة الوطنية الشبابية تهدف إلى تفجير الطاقات الشبابية والكامنة، وقد عملت الحكومة على تعزيزها لدى شباب اليوم وقادة المستقبل، حتى ارتفعت وارتقت الطموحات والآمال لتتجاوز حدود الكوكب وتخترق الفضاء. هذه هي الإمارات من أحلام وآمال في خلوات إلى إبداعات وإنجازات في الفضاء. إنها الحكمة الإماراتية.. إنها الخلوة.