الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

هجمة ثقافية

19 يوليو 2014 01:53
تتساءل: هل تكون هجمتنا الثقافية على الصين ودول أخرى في آسيا وأفريقيا موازية لهجمة هؤلاء التجارية علينا؟ فجأة قفزت هذه البلدان وفي مقدمتها الصين والهند إلى القمة، وبالطبع لا يقصد بهذا أنها لم تكن دولا كبرى ومعروفة بل هي كذلك، ولكنها أصبحت مرشحة لأن تلعب دوراً أكبر على المستوى العالمي، وبداية أصبحت تفرض نفسها علينا تجارياً. فجأة فتح التنين الصيني فمه وخرجت منه ثيابنا جاهزة وأجهزتنا الكهربائية وأجهزة الاتصالات وأجهزة التكنولوجيا وأدوات البناء التي نستعملها وحتى مصنوعاتنا التراثية وتحفنا الخليجية كسفن الغوص القديمة ومداخن البخور كأحلى ما يكون. وفجأة كذلك صار يفد إلينا هؤلاء وغيرهم من أصقاع الأرض ممن نراهم بيننا ولا نعرفهم، وكلما رأيتهم توجهت إلى نفسك تسألها: هل يكفي أن نفهم هذه الهجمة من خلال البضائع الاستهلاكية التي تتكدس في بيوتنا مثلًا؟ تبحث عن شيء يكسر جدار العزلة بينك وبين هؤلاء الذين تتعامل معهم وتجهلهم، وبالمقابل هم يجهلونك ولا يعرفونك إلا كمستهلك لمنتوجاتهم وسلعهم. تبحث في الواقع عن حكمة قديمة تقول من تعلم لغة قوم أمن شرهم، فتشعر بأهميتها، فلا شيء يمكنه أن يقرب بينك وبين هؤلاء غير اللغة والثقافة، لاشيء يمكنه أن يجعلهم ينظرون إليك بشكل مختلف على الأقل غيرها. ترجع إلى لغات وثقافات هؤلاء سواء كانت الصينية أو اللغات الهندية الوطنية وبعض اللغات الأخرى التي تسمعها يومياً من حولك، فتتمنى لو تتعرف عليها وعلى عمقها الثقافي لكنك لا تستطيع. فنحن منذ أن فتحنا أعيننا على العالم وإلى اليوم ظلت أنظارنا موجهة إلى الغرب. وبقينا نتعاطى مع الآخر على أنه الغربي. وظلت لغته التي تكرس المزيد من المركزية الثقافية هي المهيمنة على تفكيرنا، ونسينا أن مصطلح الآخر لا يحتمل هذه المركزية، لا يحتمل الثقافة الواحدة التي تقصي ما عداها. الآخر الذي كانت ولا تزال علاقتنا به على جانب كبير من الأهمية تجارياً وإقليمياً وسياسياً وغيره. لكن ظل ثقافياً في الظل، بينما نحن نتعاطى مع الغرب. مكتباتنا تمتلئ رفوفها بالكتب الأدبية وغيرها «الأجنبية» باللغات الأوروبية الغربية، وفي أنشطتنا الثقافية الموجهة للآخر، وإعلامنا نتعامل مع رموز الثقافة الغربية على نطاق واسع، وفي مجال الترجمة تغص مكتباتنا بالأعمال المترجمة من الإنجليزية والفرنسية إلى العربية، حتى دون أن يكون هناك ما يوازيها من الترجمة من العربية إلى هذه اللغات. الآن، وأنت ترى هذا الانفتاح التجاري الكبير على الشرق وعلى دول أخرى تتساءل: لماذا لايكون هناك انفتاح ثقافي مواز على هذه البلدان، لأننا أصبحنا الآن بحاجة إلى فهم هؤلاء الذين نتعامل معهم على غير العادة، وقبل ذلك هم بحاجة إلى فهمنا؟ والواقع أن أهم أشكال هذا الانفتاح هو أن نقرأ لهؤلاء ويقرأون لنا. نتعرف على حضاراتهم ويتعرفون على حضارتنا العربية الإسلامية. نقرأ أدبهم مترجماً إلى العربية، ويقرأون أدبنا مترجماً إلى الصينية وإلى اللغات الهندية الوطنية والفارسية والماليزية ونصدر ثقافتنا إلى ثقافات أفريقية لا يهتم الغرب بتسليط الضوء عليها. لماذا لا تكون هجمتنا على هؤلاء ثقافية وموازية لهجمتهم علينا؟
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©