الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«زوجاتي» نصوص رومانسية تحاكي المُثُل بعين العشق

19 يوليو 2014 01:52
محمد وردي (دبي) صدرت حديثاً للكاتب الروائي الإماراتي محمد خميس مجموعة قصصية بعنوان «زوجاتي» عن دار «كُتّاب» للنشر والتوزيع في دبي. تتألف من حوالي مائة وأربعين صفحة من القطع المتوسط. وتضم أربعة عشر نصاً، تتفاوت أحجامها ما بين قصة قصيرة جداً مثل قصة «قوة الصوت»، التي لا تتجاوز مائتي كلمة، وقصة «العبث» التي تمتد على مدى سبع وثلاثين صفحة في آخر الكتاب. تنتظم معظم نصوص المجموعة بثيمة فنية هي أقرب إلى ما يمكن أن نسميها «دفقات شبابية» تميل بعين العشق إلى المُثل أو القيم بكل هالاتها المتعالية على ما دون الجمال أو النبل والفروسية، وترى للحياة وجهين لا ثالث لهما، الوجه السوي، النقي، البهي، الذي ينجح السرد بتقديمه مطرزاً بنَزّعَة رومانسية حالمة، وحساسية جمالية وقَّادة، وشفافية مفرطة، تكشف ما في الداخل أكثر مما يتراءى على سطح المظاهر. لذلك هو وجه لا يعرف التدليس أو الزيف، ويرفض الخنوع ويأبى الانحناء أو الانكسار في كل المواطن أو المواقف تحت أي ظرف كان. وبهذا المعنى يبقى وجه الجمال الذي يمثله البطل أو الراوي بحال من الصدام أو المواجهة المفتوحة على الدوام مع القباحة أو الوجه الشقي، المجلل بالفساد والاستعباد وكل أشكال الموبقات والدناءات. مواجهة لا تقبل المساومة أو التنازل، ولا تكبح جماحها «التابوهات» الاجتماعية مثل العادات والتقاليد، ولا يشفع فيها «بر الوالدين»، ولا المُوجبات المعيشية أو الضروريات العليا الحاكمة بسلوك الأفراد في الغالب الأعم، مثل لقمة العيش أو مورد الرزق الوحيد المتمثل بالوظيفة، أو حتى الأسرة التي لا يكتمل شرطها الأول إلا بحضور الزوجة، كما هو حال البطل، الذي يبقى من دون اسم في قصة «زوجاتي» التي حملت المجموعة اسمها، وتتعدد فيها زوجاته بتعدد حالات الطلاق والطرد من الوظيفة التي يواجهها في حياته. وفي كل الأحوال يبقى السبب الأول والأخير في مواجهة البطل المفتوحة مع الفساد، هو التشبث بالطوباوية المطلقة حتى الرمق الأخير، وإن تمثلت القباحة بالوالد، الذي هيأ ما «لا أنكر أنني ولدت وفي فمي ملعقة من ذهب»، كما في قصة «المتجرد» أو العم والد الزوجة، الذي يشد من أزره اجتماعياً، ويرتقي به إلى منزلة أكثر رفاهية وبحبوحة، كما في قصة «زوجاتي»، ومع ذلك ليست هناك فسحة للمهادنة، بحيث تنتهي المواجهة في كل مرة إلى الطلاق والتشرد وخسارة كل شيء. مُسحة كوميدية لا تخلو نصوص المجموعة من الطرافة أو المُسحة الكوميدية، التي يقدمها الكاتب بأسلوبية رائقة أحياناً، في إطار من المحاكاة الموضوعية لموضوعة العصبوية القبلية أو العشائرية، كما في قصة «زواج عن حب كبير»، التي يتم فيها الطلاق بين البطل والبطلة في ليلة «الدُخّلة» ـ حسب المقول الشعبي ـ التي بدأت بتعبير البطل عن فرحة التلاقي مع محبوبته بعد طول عناء ومكابدة، بسبب التباينات القبلية، حيث يقول: «أخيراً أصبحت زوجتي وتحقق حلمنا»، وللمزيد من التقارب بينهما، وتبديد ما تلبَّدَ على قلب المحبوبة من عناء رفض قبيلته لها، يقول: «عائلتي لا تعرفك كما أعرفك، لذلك حكموا عليك من خلال قبيلتك». فبادلته البطلة التباسط للمزيد من الانسجام والتناغم في الليلة الموعودة، وباحت بمكنونات الواقع، قائلة: «وعائلتي كذلك... أبي قال لي إن أبناء أخوتي سيعايرون أولادي». فأستغرب الأمر بدهشة أكلت وجهه، مردداً مقولها، لعلها تفصح عن السر الذي يجعل أبناء أخوتها يعيبونه على أولادها منه في المستقبل، لكنها التزمت الصمت، ظناً منها أن مقولها مفهوم. في حين تسربل المحبوب بحيرته قليلاً، ثم أردف بيقين وعزم لا يفتر أو يلين: «لكنهم يدرون كما يدري الجميع في هذا البلد، أن قبيلتي هي أكثر أصالة من قبيلتك». فردت عليه بـ«ماذا؟» كبيرة، متسائلة ومستنكرة ومتشبثة بأفضلية قبيلتها بالأسنان والأظافر. وهكذا طار الحب من قلب العاشقين مع نفخة واحدة على الرماد، الذي يغطي جمر العصبوية القبلية الكامن بروح النسق الذهني، المهيمن على الوعي في المجتمعات القبلية، فاشتعلت فتيلة العصبوية ولم تخمد جذوتها حتى الصباح، حينما «رمى عليها يمين الطلاق، فزغردت بفرحة» راقصة على سيرة العشق وأشلاء الحب القتيل. لغة البدايات يتفاوت الأسلوب وتكنيك السرد، والبنية اللغوية في المجموعة من نص لآخر. كما تتفاوت النصوص بمستوياتها الفنية. وهذا يؤشر بوضوح إلى أن قصص المجموعة مكتوبة على فترات متباعدة، ربما يعود بعضها إلى بدايات الكاتب سواء لجهة ممارسة فعل الكتابة، أو لجهة اكتساب التجارب والخبرات في الممارسة العملية أو الحياتية على المستوى الشخصي، ما جعل الثيمة القصصية تتمحور حول البطل الرومانسي الذي يرى الواقع بمنظار أحادي، يجمع بين الأبيض والأسود فقط، ولا يترك مجالاً للألوان الأخرى، التي لا تكتمل لوحة الواقع من دونها، ما عدا قصة «العبث» التي تقتصر الرؤية بها على اللون الأسود فقط، بعد أن فقد البطل محبوبته بحادث سير بشع، خلال مطاردتهما من والدين جعلا زواجهما أمراً مستحيلاً بالعرف والدين. حينها يلوذ البطل بالخمر هرباً من واقع لا يعرف به معنى للسعادة، ويخلو في الوقت عينه من أية قيمة سواء للعلم أو السلطة أو للمال والبنين «زينة الحياة الدنيا». كذلك الأمر بالنسبة للأفكار أو الموضوعات التي تعالجها نصوص المجموعة، حيث يجري التركيز على قيمة الحب المألوفة، ولكن لغة السرد لم ترتق بها إلى مستوى تقديمها بأخيلة وحيثيات جديدة غير معروفة. أيضاً لم ترتق لغة السرد بموضوعة التناص الإبداعي، في محاكاة القصص الموروثة، كما في قصة «الموت في العسل»، التي تكرر مقولة إن الأقدار المرسومة لا يمكن تغييرها أو تعديلها مهما كان الحذر شديداً أو عالياً. وهذا ما جعل البون شاسعا بين التوليفة القصصية أو الحبكة الأدبية ولغة السرد في المجموعة، وبين آخر روايات الكاتب، التي صدرت طبعتها الأولى عن دار «كُتّاب»، أيام «معرض أبوظبي الدولي للكتاب» الماضي بعنوان «لايحظى الجميع بنهاية سعيدة»، ونفذت خلال شهرين، حيث تستعد الدار حالياً لنشر الطبعة الثانية. وسبق للكاتب أن أصدر رواية «مملكة سكابا» باللغة الانجليزية في الولايات المتحدة، ومسرحية «موعد مع الشمس» و«يوميات مشاغب».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©