الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإدارة الفاضلة بين الحقيقة والخيال (2)

24 يونيو 2006 01:17
كثيراً ما تطالعنا الصحف اليومية بإعلانات عن إقامة ندوات ومحاضرات في علوم الإدارة وتطوير الأفراد وعمل المؤسسات، من جانبها تحرص كثير من المؤسسات بالاهتمام بهذه الندوات والمحاضرات، وتدعو موظفيها إلى حضورها، بل وتقيم أداء موظفيها عليها، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه؛ ترى ما هو أثر هذه الندوات والمحاضرات على الأفراد؟ وهل كان لذلك نتيجة أدت إلى تطور المؤسسات وإداراتها؟ لنتأمل معاً هذه العبارة التي كثيراً ما نسمع أمثالها من مقدمي تلكم الندوات والمحاضرات: ''أول الفكرة آخر العمل، وأول العمل آخر الفكرة فإذا ما سئل المحاضر عن معنى هذا الكلام قال: ''هذا معناه أنك إذا أردت أن تبني منزلاً فيجب أن تفكر في سقف المنزل، وتفكر أن سقف المنزل لا يقوم إلا على حائط، وتفكر أن الحائط لا يقوم إلا على أساس، وتفكر أن الأساس لا يقوم إلا على قواعد، فإذا بدأت في بناء المنزل فابدأ في بناء القواعد، ثم بناء الأساس، ثم بناء الحائط، ثم بناء السقف، وهكذا تكون أول الفكرة آخر العمل، وأول العمل آخر الفكرة!'' يقول ابن قتيبة (276هــ) معلقاً على مثل هذا التنطع: ''فأية منفعة في هذه المسألة؟ وهل يجهل أحد هذا حتى يحتاج إلى اخراجه بمثل هذه الألفاظ الهائلة؟'' وعلى مثل هذه العبارات وهذه الطرق والوسائل من تضخيم للألفاظ والمصطلحات تسير كثير من تلكم المحاضرات والندوات، تصاحب ذلك بهلوانية من المحاضرات مع لفيف الموظفين باستخدام الحاسب الآلي في العرض وبعض ما يسميه بأدوات التواصل والمهارات باستخدام أدوات تشبه لعب الأطفال وتذكرك بحلبة السيرك بما تحويها من حيوانات أليفة ومتوحشة ودجالين ومهرجين ولاعبي خفه، ثم بعد نهاية العرض يكافأ الحاضرون على شهادات ورقية! إن إقامة الإدارة الفاضلة الحقيقية لا تقوم على قراءة تلكم الكتب المترجمة دونما وعي وتطبيق لما جاء فيها، أو بحضور تلكم الندوات والمحاضرات في علوم الإدارة وتطوير الأفراد والمؤسسات وجمع ما يمكن جمعه من شهادات حضورها دونما عمل للنصائح والارشادات المفيدة منها، ولا يعني إقامة إدارة فاضلة حقيقية وإهمال ما يمكن أن يفيد ويعين على قيامها، فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها، فهناك من الأفكار السامية والراقية ما يعين على قيام إدارة فاضلة، ولو تأملنا فيما نمتلكه من قيم ومبادئ أمرنا بها شرعنا الحنيف، وما تركه لنا الأجداد من تراث عريق وتاريخ مشرف خالد لادركنا أننا في نعمة غض الطرف عنها الكثيرون، أسس متينة وقواعد ذهبية لاقامة الإدارة الفاضلة الحقيقة، إدارة أساسها العدل، والصدق، والمحبة، والتعاون، والتسامح، والنزاهة، والأمانة؛ قواعد متماسكة وأصيلة من الأخلاق، تدعو إلى الانتماء، والعطاء، والانجاز، والبناء، فهذه نتيجة طبيعية إذا ما أوجدنا تلكم القيم بإعادة الروح إليها وأصبحت واقعاً نعيشه في إداراتنا ومؤسساتنا الحديثة المختلفة، لا أن نتشدق بشعارات خيالية وسجع الكهان، فهناك الكثير من الإدارات والمؤسسات القائمة عليها، وتسير بطريقة عشوائية ومتخبطة، وليس الأمل بقيام الإدارة الفاضلة الحقيقية ضرباً من المثالية والخيال، إنما الخيال هو تلكم الإدارة التي تدعي الفضيلة والمنسوجة بشعاراتها الوهمية والمزيفة من الخيال· منصور محمد المهيري
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©