الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نموذج «باب الحارة» يظلم المرأة والأعمال الجديدة تعاني التكرار

نموذج «باب الحارة» يظلم المرأة والأعمال الجديدة تعاني التكرار
30 سبتمبر 2010 22:00
هل تستمر مسلسلات البيئة الشامية بعد النجاحات التي حققتها على الشاشات العربية الصغيرة، أم تتوقف؟. هل هي في خط إنتاج يأخذ بالتصاعد؟ أم أن مصيرها سيكون كمصير مسلسلات الفانتازيا التي لم تكن أكثر من فقاعة بهرت المشاهدين، ثم تلاشت وتوقفت؟. مهما تكن الإجابة عن هذه الأسئلة، فإن هذا النوع من الدراما يقف في مفترق طرق. بالأرقام بلغ عدد مسلسلات البيئة الشامية خلال السنوات الماضية ثمانية عشر مسلسلاً، بما فيها «باب الحارة» بأجزائه الخمسة و»الحصرم الشامي» بأجزائه أيضاً و»الدبور» و»أهل الراية» و»أسعد الوراق» الذي قارب البيئة الشامية بشكل مختلف عن باقي المسلسلات، وقبلها «ليالي الصالحية» و»أيام شامية» و»بيت جدي»، وقبلها جميعاً بزمن «أبو كامل». دجاجة تبيض ذهباً ويعود هذا التصاعد في حجم إنتاج الأعمال الشامية إلى شعور المنتجين والمخرجين السوريين بأن هذه الأعمال هي «الدجاجة التي تبيض ذهباً ونجاحاً». ومما شجع على ذلك أيضاً أن المسلسلات الشامية لاقت متابعة جماهيرية كبيرة في دول الخليج العربي والدول المغاربية، كما تعلق بها أهل بلاد الشام، ففي لبنان عرض في الموسم الحالي ثلاثة مسلسلات شامية على ثلاث محطات لبنانية، وفي الضفة الغربية تابع الفلسطينيون «باب الحارة» بشغف، وفي غزة الأقرب إلى لهجة الفن المصري بحكم الجوار والصلات اليومية، فإن الغزيين والغزيات تابعوا «باب الحارة»، وأصبح الأولاد الصغار يقلدون شخصياته ولهجتهم الشامية العريضة. ولا شك أن هذا الانتشار والقبول الشعبي يشكل إغراء كبيراً للسوريين كي يستمروا في إنتاج المسلسل الشامي، وهو ما جعل بعض النقاد يسأل: هل ستتحول الدراما السورية كلها إلى مسلسلات بيئة شامية؟! أم أن هذه الموجة آيلة إلى الزوال؟. تراث وتاريخ ترتكز أعمال البيئة الشامية إلى تراث وتاريخ فني عريق، أسس له إذاعياً وقبل ظهور التلفزيون الرباعي الشهير حكمت محسن «أبو رشدي» قاصاً وممثلاً، وأنور البابا ممثلاً بشخصية «أم كامل» وفهد كعيكاتي «أبو فهمي» ممثلاً، والفنان المخضرم تيسير السعدي ممثلاً ومخرجاً. وقد أنتج هؤلاء مئات التمثيليات الإذاعية التي شغف بها الجمهور السوري، وذاع صيتها، حتى أن إذاعة الشرق الأدنى «البريطانية» أخذت تبث هذه التمثيليات إلى البلاد العربية. وبعد ظهور التلفزيون بسنوات، فاجأ دريد لحام ونهاد قلعي والمخرج خلدون المالح الجمهور السوري بسلسلة من أعمال البيئة الشامية المرحة، في مقدمتها، «حمام الهنا، وصح النوم، ومقالب غوار»، وقد حققت نجاحاً مذهلاً، وكانت تمثل التأسيس التلفزيوني لأعمال البيئة الشامية على خلفية كوميدية طريفة، عكست صورة واقعية عن الحياة في المجتمع الشامي المنفتح والمتمدن في فترة ما بعد الاستقلال، كما قدمت صورة الحارة الدمشقية المتفاعلة مع العالم ودون أبواب تغلق، والقابلة للتطور واستيعاب كل جديد. كما أن أعمال دريد ونهاد عكست شخصية المرأة السورية ودورها في الحياة العامة من خلال صاحبة الفندق «فطوم» التي لعبت شخصيتها الفنانة نجاح حفيظ، وكانت تجسد امرأة مستقلة اقتصادياً وصاحبة قرار في كل ما يتصل بشخصها وعملها. وقبل سنوات من بداية ظهور أعمال البيئة الشامية الرائجة حالياً، قدم التلفزيون السوري مسلسلاً من خمسة أجزاء هو «حمام القيشاني» للكاتب دياب عيد والممثل والمخرج الراحل هاني الروماني، حيث قدم صورة واقعية موثقة للمجتمع السوري في دمشق، والتطورات الثقافية والاجتماعية والسياسية في سوريا، وأبرز من خلالها دور النساء الشاميات ومشاركتهن الفاعلة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية. وهذا العمل الكبير يعتبر من أعمال البيئة الشامية الواقعية على جميع الصعد، لكن لسوء الحظ فإنه لم يعرض خارج سوريا لكونه من إنتاج التلفزيون ولضعف وسائل التسويق في هذا التلفزيون آنذاك. مآخذ وملاحظات رغم أن أعمال البيئة الشامية عموماً تعجب المشاهدين السوريين، وتحوز على رضاهم، كما أحبها المشاهد العربي، إلا أن جمهرة من المثقفين والنقاد والصحفيين السوريين يثيرون مآخذ جادة ومهمة عليها، من ذلك أن بعض هذه الأعمال يفتقد إلى «قوة الحكاية»، ويستند إلى تفاصيل مكررة و»قيل وقال»، ولا يتضمن الحبكة الدرامية المقنعة للحدث الجاري أو المفتقد أصلاً!. أما المأخذ الثاني، فهو نمطية الشخصيات في جميع الأعمال وتكرار الأفكار، بحيث ظهر جميع الممثلين وكأنهم صورة طبق الأصل عن بعضهم بعضاً، سواء من حيث لهجة التعبير «مط الكلام وتعريضه»، أو من حيث سطحية الشخصيات وأحادية تفكيرها. والمأخذ الثالث هو تكرار أماكن التصوير، سواء في موقع الحارة أو في البيوت الشامية نفسها، فباب الحارة صوّر في القرية الشامية، أما بقية الأعمال فقد صوّر في موقع «الرحبة»، وهو ديكور لحارة شامية أقامتها شركة المخرج هيثم حقي. والملاحظة الرابعة هي تكرار ظهور الممثل في أكثر من عمل شامي في موسم واحد، يجعل الأمور تختلط على المشاهد. وهناك ملاحظتان تحظيان بما يشبه الإجماع، الأولى أن معظم الأعمال الشامية تقدم واقعاً افتراضياً غير حقيقي وغير موثق، وإن كانت تعتمد بشكل عام على خلفية الفترة العثمانية أو فترة الانتداب الفرنسي لسوريا، ومن خلال هذا الواقع الافتراضي، تقدم حكاية، لكنها في الواقع تشوه تاريخ المجتمع الدمشقي وحياته. صحيح أن الكتّاب والمخرجين يحاولون الترويج لقيم الشهامة و»الزكرتية» والوفاء، لكن هذه المحاولة تخفق عملياً حين لا تنبع من واقع حي وصحيح. أما الملاحظة الثانية، فهي تشويه صورة المرأة التي نراها على هيئة «الحرمة» المطيعة القنوعة التي لا هم لها إلا إرضاء الرجل: «أمرك ابن عمي»، «مثل ما بتريد ابن عمي». وفي ذلك تزوير واضح لدور المرأة الدمشقية خصوصاً والسورية عموماً، والتي بدأ تحررها الاجتماعي منذ أوائل القرن العشرين، وكان لها مشاركات ثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية. ابتسامات ساخرة وأمام موجة الانتقادات لمسلسل «باب الحارة» اضطر المخرج بسام الملا إلى إبراز دور ابنة أبي حاتم كفتاة تتعلم التمريض وتساعد طبيب الحارة في عمله، لكن عملية الترقيع التي تمت في الجزء الرابع لم تنصف المرأة، بل أثارت ابتسامات ساخرة من المتابعين والنقاد. أما الملاحظة الدرامية القوية، فهي تتجلى في الطابع الميلودرامي لبعض الأعمال الشامية، وظهور شخصيات شريرة في مقابل شخصيات طيبة، فهناك الشر الأسود، والطيبة البيضاء. وبطبيعة الحال، فإنه لا يمكن أن نقسم الحارة بالمسطرة إلى هذين الصنفين، فأين هذا الطابع من مسلسلات دريد لحام الشامية التي قدمت قصصاً واقعية كوميدية، بعيداً عن السواد الحالك أو الأبيض الناصع؟. ومن ذلك يسأل النقاد: أين مصائب ومآسي باب الحارة والحصرم الشامي وأهل الراية من ابتسامات أعمال دريد لحام ونهاد قلعي الشامية؟!. رؤية جديدة بالتأكيد لا يمكن تعميم هذه الملاحظات والمآخذ على جميع أعمال البيئة الشامية، فقد استبشر النقاد خيراً بمسلسل «أسعد الورّاق» واعتبروه نموذجاً جيداً لهذه الأعمال، ولاسيما أنه قارب هذه البيئة بشكل مختلف عن باقي المسلسلات، مستنداً إلى رواية معروفة للكاتب الراحل صدقي إسماعيل هي «الله والفقر». فهو يروي حكاية الحارة من خلال شخوصها ورموزها، لكن هؤلاء الشخوص ليسوا نمطيين كشخوص باب الحارة وأهل الراية وسواهما، بل هم شخوص واقعيون من لحم ودم. وقد ساعد الأداء الرائع لتيم حسن وأمل عرفة على قراءة الحارة الشامية بشكل طبيعي، وبعيداً عن الفانتازيا البيئية. كما قوبل مسلسلا «أهل الراية» و»دبور» بترحاب فيه أقل عدد من الملاحظات من قبل النقاد، لأن العملين يتضمنان حكاية قوية، وتصاعداً درامياً منطقياً، وإن كان قد أُخذ على العملين هذا الميل المبالغ فيه إلى التراجيديا. ماذا عن الغد؟ عن استمرار أعمال البيئة الشامية من عدمه؟. سنرى في القريب العاجل، وإن كان لم يتقرر حتى الآن ظهور جزء سادس من باب الحارة أو عدمه، رغم ما يقال من أن المخرج بسام الملا بدأ التحضير لمسلسل شامي جديد يحمل عنوان «خان الشكر»، وقد كتبه الفنان وفيق الزعيم. كما أن الأجزاء التالية من «الدبور» و«الحصرم الشامي» وغيرهما ربما تكون في الطريق، وهذا ما يعني أن أعمال البيئة الشامية لن تتوقف، لأن قصير النظر وحده هو الذي يغلق طريق النجاح، لكن هذه الأعمال ربما تتجدد وتتخلى عن المآخذ، وتعود إلى الواقع والحكاية وصورة المجتمع لتخفف من الميلودراما والتراجيديا، ولترسم بسمة حلوة على مدخل سوق الحميدية.
المصدر: دمشق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©