السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

مأساة الحلاّج.. فن التجسيد ولغة الإسقاط المعاصر

مأساة الحلاّج.. فن التجسيد ولغة الإسقاط المعاصر
18 يوليو 2014 02:56
محمود عبدالله (أبوظبي) ضمن احتفالات إمارة الشارقة عاصمة للثقافة الإسلامية للعام 2014، عرضت فرقة طقوس الأردنية، على خشبة مسرح معهد الشارقة، مسرحية «مأساة الحلاّج» نص الشاعر الراحل صلاح عبد الصبور ـ كتبه عام 1964 ـ بتوقيع المخرج الدكتور فراس الريموني، وقام بدور الحلاّج الممثل يوسف كيوان. وكنا قد تابعنا عرض هذه المسرحية في نوفمبر من العام الماضي، ضمن منافسات مهرجان المسرح الأردني في نسخته العشرين، وقد صاغ الريموني أحداث عرضه معتمدا الطقس الغنائي الصوفي ضمن فضاء تمت هندسته على شكل الحلقة بما يتوازى مع طقسية العرض وذلك عبر تأثيثه بقطع وإكسسوارات لا تنفصل في توظيفها الدلالي عن طقسية العرض، وجاءت الحركات الدائرية التي يتحركها الممثلون لتشكل كوريغرافيا جسدية تؤسس للغة أدائية تمتلك كل المقومات الإبداع من خلال الطاقات التمثيلية النوعية في الرقص، والدوران، والصراخ، والغناء، والذِّكر، والآذان، والمواويل، والتملك، والانتشاء بالموسيقى. على خشبة مسرح معهد الشارقة، ووسط حضور جماهيري رمضاني، مميز، ارتفع صوت إنساني نبيل، هو صوت المتصوف (المنصور بن حسين الحلاّج) من خلال عرض حمل كل ممكنات نجاحه، ونعتقد أن مخرج العرض كان موفقا في اختياره لهذا النص، وفي هذا التوقيت بالذات من حراك الشارع العربي، مستثمرا بوعي شديد منابع واستلهامات هذه الشخصية التاريخية الشاعرية بكل إشكالياتها، والتي عاشت في منتصف القرن الثالث للهجرة، وقدمت إخراجيا بأسلوبية تجريبية لا تخلو من فعل الاسقاط المسرحي في أربعة مشاهد، شكّلها من محتوى الفصلين اللذين كتبهما عبد الصبور بلغة الشعر، ضمن جزأين رئيسيين، الأول بعنوان (الكلمة) والثاني بعنوان (الموت) وهو ما كرّس في لغة الشعر والأدب فيما بعد إصطلاحا أدبيا مشهورا هو (الخلاص بالموت). إن هذا العرض قدم احتجاجا على ظلم الولاة وعبر عن اختلال موازين الحياة من خلال اختزال ميزان العدل ضمن بنية طقسية اعتمدت الدفوف جانبا من الجوانب التعبيرية التي اشتغل عليها المخرج لتعميق أزمة البطل، وهذه المعاناة التي قدمها الريموني لشخصية الحلاج أراد منها اسقاطا على واقعنا بكل ضبابيته ومأساويته، وحول ذلك يؤكد الريموني قائلاً: «فككت المسرحية من زمانها، وأبقيته مفتوحا، لأن مأساتنا في العالم العربي مشابهة لزمن الحلاج؛ فالحرية تُكبَّل، وصرخات الاحتجاج تُواجَه بالسيوف والبنادق». قدّم الريموني عرضه بقالب «مسرح الحلقة» شكلا، وفن التجريب طابعا تقنيا، وبخاصة تركيزه الشديد على مسرحة المسرح، من خلال إدخال جمهور الصالة في اللعبة المسرحية، مقيما عرضه على مستويين من التشكيل الحركي، ليقدم في هذا الإطار إسقاطه السياسي من خلال نموذج تاريخي متمرد على فساد السلطة، مع تأكيداته طوال العرض على فكرة القمع ومصادرة الحريات، وهي في الواقع ثيمة فكرية وإنسانية تحمل دلالاتها، وإن ما يحسب للمخرج الريموني هو لغته الدافئة المتوازية والمعادلة موضوعيا لفكرة المؤلف، وايضا قدرته البارعة على تحريك المجاميع والشخصيات. لعل ذلك يقودنا بالضرورة إلى الحديث عن الممثل البارع يوسف كيوان بدور الحلاّج، وكيف نجح في صياغة العرض، فقد كان على قدر عال من اللياقة الصوتية والجسدية حتى في مشهد صلبه، حتى لحظة مقتله، كما ظل وفيا لدوره وشخصيته وبكل حساسية ورهافة رغم تشعب ابعادها وحالاتها، ليكشف لنا كم كان واعيا ومدركا لملامح هذه الشخصية، ومعه الممثلان عمر الضمور، ومحمد المناصير، حيث شكلوا ثلاثية التمثيل النوعي المتفرد لغة وحضورا، حتى آخر مشهد مسرحي، ضمن سياقات والتباسات الحالة الثقافية والسياسية وتداخل الشعارات وبروز انفصام تام للغة السياسة ولغة الناس.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©