الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

راشد الشوق.. دفتر الشارقة الناطق

راشد الشوق.. دفتر الشارقة الناطق
18 يوليو 2014 02:55
ينتمي راشد عبيد راشد الشوق إلى قبيلة آل علي، وقد ولد في إمارة الشارقة عام 1937م على وجه التقريب. كانت طفولته عادية عاشها بين أب وأم وثلاثة أخوات وأخوين. في طفولته المبكرة أرسل إلى (المطوع) أي الكتاتيب التي كانت تدرس القرآن الكريم وتعلم بعض مبادئ الحساب والقراءة والكتابة وفي هذه المرحلة ختم القرآن الكريم. ويروى أن الشوق درس في المدرسة المحمودية لفترة قصيرة من الزمن وهي من أوائل المدارس النظامية التي كانت تعنى بتدريس العلوم الدينية والمعارف الإسلامية والفقه واللغة العربية. وكان أمراً طبيعياً في ظل الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة أن يصحبه أبوه معه إلى مهنة الغوص التي استمر فيها فترة مارس خلالها العديد من الأعمال فعمل «وليد» ثم «يلاس» ثم «سيب» بعدها أصبح مسؤولاً عن إعداد الطعام في السفينة أي بمثابة مساعد مجدمي، والمجدمي هو مساعد الربان (النوخذا). في منتصف الخمسينات سافر الشوق إلى الكويت ليعمل هناك في شركة بترول، وكان عمره حينا ذاك الخامسة عشر، ثم انتقل للعمل مع أحد تجار التمور وبعدها عمل مراسلاً لنقل الرسائل سيراً على الأقدام. وفي أوائل الستينات رجع الشوق من الكويت ليعمل بالشارقة في القاعدة البريطانية التي كانت موجودة في ذاك الوقت واستمر في هذا العمل حتى انسحاب الإنجليز من المنطقة في عام 1972 م. انتقل الشوق بعد ذلك للعمل في تجارة قطع غيار السيارات وساعده على ذلك إتقانه للغة الإنجليزية التي اكتسبها من خلال تعاملاته وعمله مع الإنجليز. ولكن هذا العمل لم يرض طموحه حيث كان الشوق عاشقا للاطلاع والثقافة، يتحسس الأحداث التاريخية ويعبر عنها بمفهوم شعبي، ويملك الكثير من الأفكار التي تنتظر سبباً لتحريكها وإثارتها. هذا الإحساس والاتجاه كانا دافعاً لاشتغاله في المكتبة الثقافية. وهي أول مكتبة خاصة في الشارقة افتتحها محمد بن راشد الجروان وفيها أشبع الشوق عشقه للكتب والاطلاع وتعلم الكثير عن صناعة الكتب والأدوات المكتبية. وكان ذلك حافزاً لأن يحلم بتكوين مؤسسة ثقافية يحقق من خلالها طموحاته، وشاءت الأقدار أن يلتقي بمن يساعده على الانطلاق، فقد التقى بأحمد الكيتوب، وحسن الشيخ فكانت معرفته بهما انفتاحاً على عالم الثقافة والكتب فأنشأ في عام 1974م مكتبة خاصة باسم مكتبة الاتحاد، التي كانت ثالث مكتبة بعد المكتبة الثقافية ومكتبة الآداب في الشارقة. وأنهى الشوق حياته العملية بالعمل لدى دائرة الثقافة والإعلام بإدارة التراث كمرجع تراثي يملك حصيلة كبيرة من المأثورات الشعبية. إن مراحل التطور الحضاري لمجتمع الإمارات والتي عاصرها الشوق مكنته من التعرف على قيم وتقاليد الآباء والأجداد وشكلت لديه في مجموعها تراث مجتمعه منذ طفولته المبكرة، وقد ازداد تأثره ووعيه بها كلما تقدم به السن حتى وصل إلى مرحلة النضج التي أصبح فيها قادراً على إعادة ما تمثله منها. ولعل ما تركه الشوق من مأثورات شاهد على ذلك فقد أكد على أهمية الحكايات الشعبية ودورها في تربية الطفل وتوسيع خياله وتعليمه الحكم والعظات وفعل الخير والمعروف. وأكد الشوق على دور المجالس كنسق اجتماعي ضروري ساهم في تماسك المجتمع وغرس القيم الأصيلة والعادات الحميدة المرغوبة في أبنائنا. وتحدث عن الضيافة والكرم في الإمارات في الماضي. وتحدث الشوق عن دور الجدة وشبهها بالربان الذي يقود السفينة، فقال إن الجدة هي المربية والمعلمة وهي البيت الهادئ الذي يعبق برائحة الحب والسكينة والعلاقة الوجدانية والإنسانية الممتدة التي غابت واختصرت الآن إلى علاقة شراب وطعام وأوامر لا تنتهي بفعل البديلة الخادمة.. فالجدة مثالاً للعبر والعظات والعطاء والتضحية والمشاركة في تحمل مسؤوليات الحياة. وسجل الشوق أكثر من 30 حكاية أو خروفة رصد من خلالها أشهر الشخصيات الأسطورية والكائنات الخرافية التي كسرت حاجز الحكايات الشعبية وخرجت إلى الواقع الإنساني لتعيش مع الناس، وهي بذلك جزءاً لا يتجزأ من المعتقد والموروث الشعبي. وتحدث عن الأفلاج الموجودة في الإمارات والتي حفرها الأجداد بطريقة هندسية متقدمة لتلبية احتياجاتهم في توفير مياه الشرب وري المزروعات المتنوعة: فقال إن الفلج عبارة عن مجموعة آبار متصلة يسمون كل بئر منها ثقبة. كما ذكر الأوزان المستخدمة في الماضي وعلاقتها بالأوزان الهندية وما يسمى قديماً بجاس الصير. وللشوق باع في تعريف الألعاب الشعبية الإماراتية وطريقة ممارستها وأنظمتها وقوانينها. وله ذكريات وأحاديث وروايات عديدة ومتنوعة عن الغوص والأجهزة القديمة والأمثال والأغاني والأشعار التي كانت تروى في المناسبات المختلفة. وطالب الشوق بضرورة إدراج التراث كمادة ضمن المناهج التي تدرس في المدارس وناشد المختصين في مجال التراث بأن يستفيدوا ويستغلوا ما وصل إليه العلم من تقدم في توفير أدوات تساعد على اكتشاف مواطن التراث وحمايته من الضياع، وأن يضعوا على عاتقهم تعريف الجيل الجديد بماضيه الأصيل (الثقافة التراثية) ومضاعفة الجهود في جمع وتسجيل هذه المعلومات التي قد تفيد الباحثين والمهتمين وتربي روح المواطنة لدى الأجيال القادمة. وكنت وبالرغم من فارق السن، كلما التقيت به أحب مجالسته والحديث معه، وكنت إذا تحدث أجلس صامتاً مستمعاً بعناية كأنني في حضرة معلم بشوش يملك مفردة جميلة، يشدك بأسلوبه الممتع الشيق. كان يتصف بذاكرة غنية بالحكايات والقصص والنوادر، ومع كل حكاية يسرد قصيدة لشاعر معروف أو يخبرك عن مثل شعبي أو لغز، ليؤكد على مغزى الحكاية والحكمة من سردها. فاستحق أن يطلق عليه لقب «دفتر الشارقة»..
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©