الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اللعب على الزمن.. في أزمة اليمن!

1 يوليو 2015 00:19
هب أن مباراة في كرة القدم جرت بين فريق برشلونة الذي يضم ميسي ورفاقه وفريق «الفريج» الذي يضمني مع نفر من الأصدقاء - وعلى خلاف كل التوقعات انطلقت المباراة ومرت دقائقها متتابعة وانتهى شوطها الأول بالتعادل السلبي أو حتى بتقدم برشلونة بهدف يتيم - ما تظنون حكم الناس ورأيهم؟ بالتأكيد سيكون الحكم لمصلحة فريق «الفريج» الذي تصدى لبرشلونة وصمد أمامه شوطاً كاملاً - ستكون مباراة تاريخية لفريق «الفريج» ونصراً كبيراً وستكون هزيمة ثقيلة وصعبة على برشلونة حتى لو فاز بهدف وانتهت المباراة بهذه النتيجة. أقول قولي هذا لأن هذه القصة الخيالية تنطبق بحذافيرها وتفاصيلها على أزمة اليمن أو الحرب في اليمن أو قضية اليمن - سمها ما شئت - لقد كان سقف التوقعات عالياً جداً عندما انطلقت «عاصفة الحزم» قبل عدة شهور وظننا أن المسألة كلها سوف تستغرق يوماً أو بعض يوم - لكن المباراة استمرت بلا نتيجة تماماً مثل مباراة برشلونة و«الفريج»، وبدأ سقف التوقعات ينخفض ويتراجع - ولم يفكر أحد من فريق التحالف في تغيير طريقة اللعب أو إعادة النظر في الخطة أو البحث عن الخلل - ولعلّ هذه عادة عربية أصيلة تؤدي دائماً إلى خسائر كبيرة - وهي عادة المضي قدماً والاندفاع إلى الأمام دون إعادة نظر أو إعادة تقييم وكثيراً ما يكون الكر تهوراً ويكون الفر والتراجع فطنة وحكمة وحنكة. المهم في الأمر أن التعادل في أزمة اليمن هزيمة، وأن الفوز غير الصريح خسارة.. والمهم أيضاً والمؤسف أن أخبار اليمن تراجعت إعلامياً وصحفياً تماماً وصارت مملة ومتثائبة بحكم التكرار وطول الأمد - وكل يوم يمر بلا حسم ولا وضوح يعني انتصاراً لإيران وتابعيها «الحوثي» وصالح. والإرهاب الذي يضرب الدول العربية سحب البساط تماماً وسرق الأضواء من الأزمات الأكبر في هذه الدول العربية أمثال سوريا والعراق وليبيا واليمن. تلك الدول التي لم تعد دولاً بالمعنى المفهوم أو بالتعريف (الجيو سياسي) للدولة. اليمن تحولت إلى أزمة باردة في مقابل أوضاع ملتهبة فجرتها إيران وتركيا وأميركا بالمنطقة عن طريق «داعش» وأضرابه من الجماعات الإرهابية التي أصبح ولاؤها وعملها لحساب إيران وتركيا واضحاً وضوح الشمس لكن العرب ينكرون ضياء الشمس عناداً أو رمداً، وبالتالي ونتيجة لهذا الالتهاب الإرهابي المقصود أصبحت قضايانا الرئيسية الكبرى إما باردة ومتجمدة أو ميتة - قضية فلسطين ماتت تماماً وقضية الأراضي العربية المحتلة أصبحت مجرد بند محنط ومعلب ومنتهي الصلاحية في محاضر وبيانات اجتماعات جامعة الدول العربية التي أصبحت هي أيضاً في عداد الأموات لكننا لا نريد الاعتراف بموتها ودفنها واستخراج شهادة وفاتها. ومن المضحك المبكي في آن معاً أن تكون هناك جامعة للدول العربية بينما الدول نفسها لم يعد لها وجود. ومع الوقت واللعب على عامل الزمن سوف تختفي تماماً بنود الأراضي العربية المحتلة من محاضر الاجتماعات، لأن المسألة تجاوزت الأراضي المحتلة إلى الدول العربية المحتلة. ومن المضحك المبكي أيضاً أن نتحدث عن هضبة الجولان المحتلة بينما سوريا كلها الآن محتلة وتشهد حرباً عالمية بالوكالة في كل مدنها وقراها. وفي الماضي البعيد القريب قبل نصف قرن مثلاً كانت محاضر اجتماعات جامعة الدول العربية تشمل بنوداً تطالب بالجلاء عن أراض عربية محتلة. لكن هذه البنود اختفت تماماً، ولم يعد أحد يتذكر هذه الأراضي العربية التي ما زالت محتلة ومنها لواء الاسكندرونة السوري الذي احتلته وضمته تركيا ومنها سبتة ومليلة وجبل طارق وساقية الذهب تلك الأراضي المغربية التي تحتلها إسبانيا. الدول العربية تخوض الآن صراع وجود لا صراع حدود. والدول الوطنية في العالم العربي تترنح أمام عصابات إرهابية مدعومة بقوة من «محور الشر» الأميركي الإيراني التركي وأصبحت منكفئة تماماً على ذاتها، ولم يعد لديها وقت ولا جهد لتبني قضايا مصيرية مثل فلسطين والأقصى والأراضي العربية المحتلة - ولا يمكن توجيه اللوم إلى أميركا أو إيران أو تركيا أو إسرائيل لأن هذا المحور يضربنا بعصانا وأسلحتنا العربية - ولم يعد خافياً على أحد أن الإرهاب عربي وليس إسلامياً أبداً وأن كل الإرهابيين في العالم عرب أو من أصول عربية، أي أن العرب هم ضحايا الحرب ووقودها وهم أدواتها وأسلحتها. ليس لدى «الحوثيين» ما يخسرونه في اليمن، لكن لدى التحالف العربي ما يخسره كل يوم. والوضع الحالي بالنسبة للحوثي مثالي للغاية، بينما هو وضع سيء للشرعية اليمنية وللتحالف العربي - فالتحالف والشرعية يريدان دولة مستقرة ووطنية في اليمن والحوثي وصالح يريدان اليمن مقبرة جماعية - التحالف يتبنى قضية سياسية في اليمن، لكن الحوثي وصالح يسعيان وأخشى أنهما نجحا بالفعل في تحويل اليمن إلى قضية إنسانية، وألمح هذا النجاح في ارتفاع وتيرة الخطاب الإنساني الإغاثي على حساب الخطاب السياسي باليمن - والعالم كله أو ما يسمى المجتمع الدولي يتجه شيئاً فشيئاً إلى التعامل مع اليمن على أنه بلد منكوب إنسانياً، ولا بد من إغاثته، وهذا يتطلب بالطبع مناشدة كل الأطراف بما فيها التحالف العربي والمقاومة اليمنية وقف النار من أجل السماح بوصول المساعدات الإغاثية إلى ملايين اليمنيين المشردين والنازحين والذين يهددهم الجوع. هذا بالضبط ما سعى إليه «الحوثيون» وصالح وأزعم أنهم نجحوا في الوصول إليه بدرجة كبيرة وأعني خطف اليمنيين كرهائن وتحويلهم إلى نازحين للمساومة بهم في قضية إنسانية لا علاقة لها بالأزمة السياسية التي صنعوها في اليمن. وأزمة أو أزمات العالم العربي كلها تتحول مع الزمن واللعب بعامل الوقت من قضايا سياسية إلى قضية لاجئين ونازحين وقوافل إغاثة وقصص إنسانية موجعة - وهكذا تختلط الأوراق وتتوارى الشرعية والدولة الوطنية والمسائل السياسية لمصلحة الدراما الإنسانية والمواكب الإغاثية وندخل دوامة (كل الأطراف) التي اخترعتها الأمم المتحدة (كل الأطراف مسؤولة عن تفاقم الأزمة الإنسانية - كل الأطراف عليها وقف النار من أجل قوافل الإغاثة).. حدث هذا التحول من السياسي إلى الإغاثي والإنساني في سوريا وليبيا والعراق واليمن - وحدث في فلسطين التي تحولت إلى قضية لجوء ولاجئين ووكالة لغوثهم وتشغيلهم - وأسلوب تحويل القضايا من سياسية إلى إغاثية تجيده إيران وتركيا وأميركا وإسرائيل بامتياز - وبهذا الأسلوب تم الإجهاز على كل القضايا المصيرية العربية وآخرها قضية اليمن التي تحولت إلى إغاثية بدلاً من سياسية ويوشك الحوثيون وصالح أن يربحوا في مباراة اللعب على عامل الزمن في اليمن! محمد أبوكريشة* *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©