الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حلفاء غريبون لـ «سنودن»

1 يوليو 2013 23:34
لا شك أن مطاردة «إدوارد سنودن» في كل مكان في العالم كما يحدث حالياً، تضر بمصالح الولايات المتحدة بطرق تفوق بكثير الأضرار التي ترتبت على المعلومات الاستخبارية التي قام بتسريبها. فالمطاردة الشرسة للمُسرِّب الهارب من هونج كونج، إلى منطقة الترانزيت في مطار «شيري ميتيفو» بموسكو، وربما إلى الإكوادور بعد ذلك، تحولت إلى إهانة علنية للبيت الأبيض. فقد هدد المسؤولون الأميركيون -علناً- بـ«عواقب وخيمة» إذا لم تتم إعادة «سنودن»، وهو ما رفضه -علناً أيضاً- المسؤولون الصينيون، والرئيس الروسي بوتين. وقد أظهر هذا بشكل محرج للغاية مدى ضآلة تأثير أوباما لدى كل من موسكو وبكين، وكيف أن الإجراء الأكثر حكمة الذي كان ينبغي اتباعه هو مبادرة أميركا بمطالبة الدولتين -على نحو مستتر- بإعادة «سنودن». والشيء الأكثر إزعاجاً، أن موضوع «سنودن» قد مكن بعض كبار منتهكي حقوق الإنسان في العالم بتصوير أنفسهم كأبطال مدافعين عن الحرية، من خلال الدفاع عن «سنودن»، وشجب أميركا باعتبارها، في المقابل، من كبار المنتهكين لحقوق الإنسان في العالم. لقد وصفت وكالة أنباء «شينخوا» الرسمية الصينية الولايات المتحدة بأنها «أكبر شرير في الفضاء الإلكتروني في عصرنا»، وهو أيضاً ما فعله البرلمان الروسي. قد يتراءى لكم أن مثل تلك الادعاءات الزائفة يمكن التهوين من شأنها، باعتبارها نوعاً من المظهرية السياسية، ولكن في عالم اليوم الذي تعرضت فيه صورة الولايات المتحدة للتشوية بسبب انتهاكاتها في أبو غريب وجوانتانامو، وبسبب سياساتها العاجزة، فإن تلك الاتهامات، بصرف النظر عن صدقها من عدمه، قد تجد أذاناً صاغية لدى الجمهور، ليس في الخارج فحسب وإنما في الوطن أيضاً. ولذلك دعونا ننظر إلى سجل الدول التي توفر لـ«سنودن» أكبر دعم ممكن. بداية، هناك شيء غريب بشأن القائمة التي تضم هذه الدول. فعلى رغم أن «سنودن» يدعي الدفاع عن الحريات الشخصية، إلا أن سعيه للحصول على ملاذ في بعض الدول التي تمارس انتهاك حقوق الإنسان بشكل بشع بما في ذلك الصين، وروسيا، وكوبا، وفنزويلا، والإكوادور، مما يضفي صبغة واضحة من الزيف على ادعاءاته بالدفاع عن الحرية الشخصية. وفي البداية لجأ «سنودن» لهونج كونج، وهي جزء من الصين التي يراقب زعماؤها منافذ الإنترنت، ويعرقلون محتواه، ويراقبون دخول الأفراد على الشبكة، ووسائل الإعلام المطبوعة والإلكترونية، كما يحتفظون في معتقلاتهم بأكبر عدد من الصحفيين والمنشقين الإلكترونيين في العالم. ولا شك أن الصين قد ابتهجت بلجوء «سنودن» إليها، إذ مكنها ذلك من صد الاتهامات الأميركية التي توجه لها عادة من خلال الزعم بأنها -أميركا- تفعل نفس الشيء. ومثل هذه الادعاءات زائفة ما في ذلك شك، والصينيون يعرفون تماماً أنها زائفة. ومهما كانت آراؤكم بشأن برامج المراقبة التابعة لوكالة الأمن القومي، فإن الحقيقة هي أن الكونجرس قد وافق على تلك البرامج، وأسس محاكم خاصة لمراقبتها، وأتاح للرأي العام الأميركي الفرصة لمناقشة ما إذا كانت الحاجة تستدعي تشديد أدوات الرقابة على تلك البرامج أم لا، أو المطالبة بتغييرها من الأساس. وفي الصين، ليس هناك كونجرس ولا محاكم تتحكم في موضوع الرقابة، كما لا يستطيع المواطنون الصينيون معارضتها أو الإدلاء بأي رأي بشأنها. وهناك أيضاً حقيقة أن «الهاكر» الصينيين يقومون بانتهاك برامج الشركات الأميركية العملاقة مثل «أبل» لسرقة أسرارها الصناعية، على مستوى واسع للغاية. وكما قال أوباما في تصريح له في الآونة الأخيرة «فإن ذلك ليس عملية جمع معلومات -كما تدعي الصين- وإنما هي سرقة صريحة». وبعد ذلك نأتي لروسيا حيث تتحكم فيها الدولة في الصحف الرئيسية، وشبكات التلفزة الوطنية التي ما زالت تمثل مصدر الأخبار الأساسي للسكان الروس. وتقوم أجهزة الأمن الروسية على نحو متكرر بضرب الصحفيين واغتيالهم دون أن تتم معاقبة مرتكبي مثل تلك الجرائم، أما المنشقون السياسيون فيتم قمعهم، وتخويفهم، والقبض عليهم أو إرسالهم إلى المنفى. ولذلك عندما يتحدث بوتين ويصف «سنودن» بأنه «ناشط حقوق إنسان... يكافح من أجل حرية تداول المعلومات» فإنه من الصعب للغاية أن يمنع المرء نفسه من الضحك، لأن الجميع يعرفون أن أي روسي يرتكب نفس العمل الذي قام به «سنودن»، سينتهي به الأمر غالباً إلى جولاج (معسكر اعتقال) أو ما هو أسوأ من ذلك. بيد أن النقطة السابقة تنقلنا إلى جوهر المسألة محل المناقشة وهو أن منقذي «سنودن» قد انتهزوا هذه الفرصة التي سنحت لهم لصد الانتقادات التي توجهها الولايات المتحدة لهم بشأن الهجمات الإلكترونية التي يقومون بها وانتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبونها، وذلك من خلال وسم الولايات المتحدة بأنها دولة مارقة حقاً. وهؤلاء لم يكونوا ليجرأوا على ذلك لولا أن سجل الولايات المتحدة المشين في أبو غريب وجوانتانامو جعل منها هدفاً سهلاً لهجماتهم واتهاماتهم. ومما يزيد الطين بلة أن بعض الحلفاء قد سئموا من مطالبات الولايات المتحدة باحترام حقوق الإنسان (التي يتم التغاضي عنها بسهولة شديدة عندما تطغي عليها المصالح كما هو واضح في حالة سوريا مثلاً). ولذلك فإن ما يتعين قوله بشأن الدول التي تدعي الدفاع عن «سنودن»، هو أنها لا تفعل ذلك لأنها تكره التجسس، وإنما لأنها لا تريد أن تضع أي حدود على الرقابة التي تمارسها، وإن كانت تريد أن تضع حدوداً على رقابتنا نحن فقط. ترودي روبن كاتبة عمود وعضو مجلس تحرير صحيفة فيلادلفيا إنكوايرر ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي.تي إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©