السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

أميركا والصين.. صراع السيطرة على شبكات الجيل الخامس

أميركا والصين.. صراع السيطرة على شبكات الجيل الخامس
12 سبتمبر 2018 00:12

كانت الموجات الأولى من الاتصالات المتنقلة مدفوعة إلى حد كبير بالشركات الأميركية والأوروبية، حتى الجيل الرابع من شبكات الاتصال، ومع اقتراب التحول إلى شبكات الجيل الخامس «5G»، التي تعد بتحويل طريقة استخدام الناس للإنترنت مرة أخرى، تتمحور المعركة حول تحديد ما إذا كانت الولايات المتحدة أو الصين ستسيطران على هذا السوق الواسع.
ويهرع صناع المعدات ومشغلي الاتصالات في كلا البلدين إلى اختبار ونشر الجيل التالي من الشبكات اللاسلكية «5G»، التي ستكون أسرع 100 مرة بالمقارنة بالجيل الحالي من الشبكات المعروفة باسم «4G».
وسعياً للسيطرة على هذه الثورة الجديدة، تدعم الحكومات الشركات، خاصة الحكومة الصينية التي تذلل كل العقبات أمام شركات التكنولوجيا لتحقيق هذا الهدف.
ويتوقع أن تتمكن الشبكات الجديدة من توجيه السيارات من دون سائقين، وتمكين الأطباء من إجراء عمليات جراحية معقدة عن بعد، وإعطاء الأوامر للأجهزة الكهربائية المنزلية دون الحاجة للتدخل البشري. ولضمان السرعة والفاعلية ستقوم الأبراج بتوصيل الإنترنت بسرعة عالية إلى الأجهزة، ما يقلل الاعتماد على الكابلات.
وفي مقر شركة «هواوي» للتكنولوجيا بمقاطعة شنتشن الصينية، اجتمع المسؤولون التنفيذيون والباحثون في شهر يوليو الماضي للاحتفال بإحدى تكنولوجياتها التي تعد خطوة هامة في طريق الوصول إلى الجيل الخامس. واستقبل الرجل الذي اخترع هذه التكنولوجيا، العالم «إردال أريكان»، بتصفيق مدوٍ. وتعني هذه الخطوة الهامة زيادة العائدات المستقبلية للشركة، كما تعد علامة فارقة في سعي الصين للسيطرة على تكنولوجيا الجيل الخامس.
وفي مختبر «فيريزون» للاتصالات بولاية نيوجيرسي الأميركية، عرضت شاشات الكمبيوتر مؤخراً للمهندسين كيف يمكن لطلاء النوافذ المقاوم للوهج أن يتدخل في توصيل الإنترنت فائق السرعة «5G» إلى المنازل. وقد بدأت «فيريزون» بالفعل تجربة «5G» في 11 سوقاً العام الماضي.
وفي مكان قريب، بمدينة موراي هيل بولاية نيوجيرسي، يقوم مهندسو شركة «نوكيا» في فنلندا باختبار جهاز متوافق مع «5G» يمكن لعمال المصانع ارتداؤه على الذراع خلال نوبات العمل، لتوجيه العربات الكهربائية من دون سائق ومراقبة حركة الإنتاج في المصانع طوال الوقت. يذكر أن «نوكيا» بدأت أبحاثها المتصلة بتكنولوجيا «5G» في عام 2007.
وفي حين أن تقنيات «5G» لا تزال وليدة وقيد التنفيذ، يقول المتحمسون لنشر هذه التقنية إن الأرباح المحتملة من هذه التقنيات هائلة. فالشركات التي تمتلك براءات اختراع ستجني مليارات الدولارات.
وستكون للدول التي تملك أكبر الشبكات وأكثرها موثوقية بداية قوية في تطوير التقنيات التي تمكّنها بسرعة أكبر في الهيمنة على صناعة هذه التكنولوجيا. ويمكن عن طريق تقنية الـ «5G» أن يكون لدى وكالات الاستخبارات الوطنية والجيوش ميزة في التجسس على شبكات البلدان المنافسة أو تعطيلها.
وقال إيريك شو، رئيس مجلس إدارة «هواوي»: «في الوقت الذي نواجه فيه المستقبل، نعرف في أعماقنا أن ولادة معايير 5G تمثل بداية جديدة».
وتحدث هانز فيستبرج، الرئيس التنفيذي لشركة «فيريزون»، عن التكنولوجيا بمصطلحات دراماتيكية قائلاً: «نحن مؤمنون جداً أن 5G سيكون لها تأثير محوري للغاية على العديد من الأشياء في مجتمعنا من المستهلك إلى وسائل الإعلام والترفيه، فهذه التكنولوجيا ستهيمن على الصناعات بصورة كاملة».
ومن خلال بعض المقاييس العملية، فإن الصين تعد متقدمة. فمنذ عام 2013، عملت لجنة بقيادة الحكومة مع شركات المحمول الصينية وصانعي المعدات على الاختبار والتطوير. ويضمن النهج الذي تقوده الصين، مقترناً بسوق محلي ضخم، أن تقوم الشركات الصينية مثل «هواوي» ببيع كميات كبيرة من معدات «5G» واكتساب خبرة قيمة في هذه العملية.
أما في الولايات المتحدة، حيث تتجنب الحكومة عادة دعم جهود القطاع الخاص، فقد قادت شركات مثل «ايه تي آند تي» و«فيريزون» و«نوكيا» و«سامسونج» الكثير من التجارب، في حركة قوية لتطوير تقنيات «5G».
وفي الأسبوع الماضي، عارضت شركات التكنولوجيا، بما في ذلك «إنتل» و«سيسكو»، ما أثاره الممثل التجاري للولايات المتحدة من اقتراحات بشأن زيادة التعريفات الجمركية على التكنولوجيا، ما يزيد أسعارها في الأسواق الأميركية، ويؤدي إلى إبطاء تطور الأبحاث الخاصة بشبكات «5G».
وتخطط 3 من شركات الاتصالات لطرح خدمة «5G» في مدن مختارة في وقت لاحق من العام، رغم أن معظم الأجهزة المحمولة المتوافقة مع الشبكة الجديدة لن تكون جاهزة حتى أوائل عام 2019.
وجاء السباق إلى «5G» مع خطوات تنظيمية متبادلة تهدف إلى ضمان تفوق كل دولة في هذا المجال، ففي مارس الماضي، منعت إدارة الرئيس دونالد ترامب شركة «برودكوم» التي تتخذ من سنغافورة مقراً لها من الاستحواذ على شركة عملاقة في صناعة الرقائق الأميركية وهي شركة «كوالكوم» التي تجري أبحاثاً خاصة بتكنولوجيا «5G»، مشيرة إلى مخاوف من أن تخفض «برودكوم» أموال الأبحاث والتطوير، وبالتالي السماح للشركات الصينية بالانتقال إلى الأمام فيما يتعلق بأبحاث تكنولوجيا الجيل الخامس.
وتبحث الولايات المتحدة منذ أعوام ما إذا كانت أجهزة المحمول من الشركتين الصينيتين «هواوي» و«زد تي إي» التي تستخدم تكنولوجيا الـ «5G» يمكن أن تهدد الأمن القومي، وقالت لجنة من الكونجرس تقصت هذا الأمر إن معدات الشركتين يمكن استخدامها للتجسس على الأميركيين. وفي أغسطس، وبالتنسيق مع الولايات المتحدة، أعلنت أستراليا حظر أجهزة «هواوي» و«زد تي إي» من شبكتها العاملة بتكنولوجيا «5G»، ويدرس حلفاء أميركيون آخرون حظراً مشابها.
ونفت شركتا «هواوي» و«زد تي إي» باستمرار تزويد الوكالات الحكومية الصينية بمعلومات شخصية عن عملائها في الولايات المتحدة. وبالمثل، استبدلت بكين أو همشت شركات التكنولوجيا الفائقة الأميركية داخل الصين بسبب مخاوف من التجسس.
وقد جعلت الصين «5G» أولوية بعد فشلها في مواكبة الدول الغربية في تطوير الأجيال السابقة من شبكات المحمول. فقد سيطرت الولايات المتحدة على «4G»، التي أطلقت أواخر عام 2000، وبالطريقة نفسها التي تحكم بها الأوروبيون في معايير الجيل الثالث. وكانت الريادة الأميركية في تقنيات «4G» بمثابة نعمة لشركات مثل «آبل» و«كوالكوم». وساعدت في تقديم مجموعة من تطبيقات الهواتف الذكية للمستهلكين في الولايات المتحدة.
يعتمد جيل «5G» على تقنية متطورة تسمح باستخدام موجات الأثير اللاسلكية بشكل أكثر كفاءة. وتعتمد خطط تشغيلها على موجات ذبذبة عالية التردد، يمكنها التعامل مع مزيد من البيانات، ولا يمكنها الانتقال إلى الموجات منخفضة التردد التي تستخدمها الشبكات القديمة.
وهذا يعني أن «5G» ستعتمد على مجموعات من الهوائيات وكذلك مراكز بيانات لامركزية قريبة من المستهلكين والشركات، ولكن هذا يتطلب استثمارات كبيرة في البنية التحتية. ومن المتوقع أن تتمتع الشبكات بالسرعة والاستجابة اللازمة للتقدم مثل السيارات من دون سائق، والتي يجب أن تتواصل على الفور مع إشارات المرور والسيارات الأخرى والمناطق المحيطة بها.
وتعتمد محاولة الصين لتوجيه مستقبل الجيل الخامس اعتماداً كبيراً على وضع المعايير الفنية التي سيتعين على بقية العالم اتباعها وقد تشمل دفع رسوم الترخيص لاستخدامها. ويتوقع الخبراء داخل الصين وخارجها أن تنتهى شركات «كوالكوم» وشركات غربية أخرى بغالبية براءات الاختراع الأساسية بمجرد تحديد المعايير بشكل كامل، ولكن في الواقع فإن الصين تحقق تقدماً ملحوظاً.
وفي عام 2009، عندما بدأت «هواوي» الأبحاث الخاصة بتكنولوجيا «5G»، قامت بتوظيف تونغ ون، وهو باحث كبير سابق في شركة «نورتل نتوركس كورب» لصناعة المعدات التي لم تعد تعمل الآن، لإنشاء مختبر أبحاث في أوتاوا بكندا. ولم تحقق محاولات تونغ كثيراً من التقدم حتى نجح أريكان، في التوصل إلى طريقة فتحت السبيل أمام تطوير التكنولوجيا الهامة لصناعة المستقبل.
لم تتوقف الحكومة الأميركية عن تكليف جهود القطاع الخاص، مما فتح الباب أمام المزيد من النتائج. في يناير، طرح مسؤول كبير في مجلس الأمن القومي فكرة التنافس مع الجهود التي تقودها حكومة بكين ببناء شبكة لاسلكية مؤممة، لكن المنظمين والمسؤولين قالوا إنها مكلفة للغاية وغير واقعية.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت لجنة الاتصالات الفيدرالية خطة لتسريع بناء شبكات «5G» من خلال تجاوز بعض القواعد المحلية والرسوم التي تحكم نشر المرسلات الخلوية الصغيرة، وهو عنصر مهم في البنية التحتية لعمل شبكات بتقنية الـ «5G». ومن المتوقع أن تحصل الخطة على موافقة في أواخر سبتمبر.
كما قامت الحكومة بتمويل بعض الأبحاث الأكاديمية التي مهدت الطريق للتقنيات التجارية. وتقوم إحدى الوكالات الفيدرالية، وهي المؤسسة الوطنية للعلوم، بتنسيق الجهود من أجل التوصل إلى إطلاق تكنولوجيا الـ «5G» في اقرب وقت متاح.
لكن في الوقت ذاته أشار تقرير لمؤسسة «إن إس إف» الخاصة بالأبحاث في المجال التكنولوجي، إلى أن «الولايات المتحدة متأخرة جداً في هذا المجال، مقارنة بأوروبا وكوريا الجنوبية واليابان والصين».
وقال اديسون لي محلل الاتصالات في بنك «جيفريز» الاستثماري في هونج كونج: «يعد مشروع 5G مشروعاً استراتيجياً هاماً للصين.. إنه يلتهم كل الموارد»، «لأنهم إذا دخلوا أولاً من الباب في تقنيات 5G، فإنهم سيقتحمون أولاً تقنيات 8G 7G 6G».

بقلم /‏ جوش شين، سارة كروس ودان سترامف

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©