الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ظواهر شعرية

ظواهر شعرية
29 سبتمبر 2010 21:01
هناك بعض الظواهر الجديدة اللافتة في الخريطة الشعرية العربية تنبهنا إليها حركة الإنتاج الإبداعي كما تتجلى في المتقدمين لمسابقة أمير الشعراء، بعضها يتصل بالتوزيع الجغرافي المرن لهم، وبعضها يتعلق بغلبة بعض التيارات على إنتاجهم. ومع أخذنا شروط المسابقة في الاعتبار، حيث تقتصر على نوعين من الشعر الفصيح هما العمودي والتفعيلة، فإن الشكلين المشاركين في أمير الشعراء يتضمنان عديدا من النبرات المميزة للخطاب الشعري، طبقا لما يتجلى في كل نص ينتمي إليهما من إمكانيات ومستويات، تتعلق بنوعية الحصيلة التعبيرية وطرائق توظيف تقنيات المجاز والرمز والتكثيف والإيحاء، وطبقات الإيقاع الموسيقى وجماليات استخدامه. وقد لاحظت مبدئيا أن البيئات العربية التي أصبحت خصبة في إنتاج الشعر الفصيح قد امتد فضاؤها لدى الأجيال الشابة لتغمر مناطق كانت خارج المنافسة المحتدمة بين العواصم المركزية، ومن أهمها منطقة الشمال الأفريقي في الجزائر والمغرب وتونس، وموريتانيا بوضعها الخاص في إيثار التقليد واعتبار الشعر ميراثا ثقافيا مميزا، بهذا الترتيب المختلف عن نسقها الإبداعي من قبل، فحركة التعريب العارمة في الجزائر وتأصل روح الحماسة للثقافة العربية قد غمر طائفة من الشباب في تيار يمتاح من المنابع الشعرية الأصيلة، ويجرب طاقته البكر في تشعير لسانه وتأكيد هويته، في مقابل العجمة التي كانت سائدة لدى الأجيال السابقة. واللافت في هذا السياق قوة مشاركة المرأة في دعم هذا التيار العروبي نتيجة لسيادة دعوات النهوض والتمكين. ويأتي كل من المغرب وتونس في المرتبة الثانية مع نضج تجارب الشباب وأخذهم بجانب من المفاهيم الحداثية في ممارسة الكتابة الشعرية، ومع أن تجليات الحداثة لا يبرز بوضوح في هذين الشكلين، حيث يفرض الإطار العروضي على الشاعر نوعية تعبيره ونسق تصويره وغلبة إيقاعه، غير أنها تتسرب إلى نسيج التعبير والتمثل الجمالي للتجربة برهافة ملموسة. أما البيئات التي كانت منتجة للشعر خلال النصف الثاني من القرن العشرين فإن ترتيبها يضع العراق في المقدمة، على الرغم من قسوة الظروف التاريخية التي كادت تسحق شخصيته تحت مقصلة الديكتاتورية والحصار، وسنابك الغزو الوحشي والإبادة الجماعية، ما زال شباب العراق، خاصة من الداخل لا من المهاجرين الذين يمثلون أصفى وأقوى الأصوات الشعرية التي لم تخمد المحن المتتالية وهجها، يليهم الشوام في الأقطار الأربعة، سوريا ولبنان والأردن وفلسطين، ثم يأتي المصريون وأبناء الجزيرة العربية بعد ذلك، ولعل هذا الانطباع أن يكون خاضعا لأمرين: أولهما، الوجهة الكمية فعدد الشعراء المجيدين من العراق وسوريا أكثر من بقية الأقطار المشرقية. وثانيهما، من الناحية الفنية، فربما لو أدمجنا شعراء قصيدة النثر لاختلف الأمر في هذه الخريطة الكلية، إضافة إلى اعتبارات تتعلق برغبة التسابق وشهوة المنافسة التي يترفع عليها بعض المبدعين ممن يرون أنفسهم فوق التقييم النقدي والجماهيري، حتى من الشباب الذين لم يتألهوا مثل كبار الشعراء.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©