الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كيف نكبح تركيا داخل «الناتو»

24 أكتوبر 2017 23:09
منذ تأسيسها قبل قرن تقريباً، كانت سياسة تركيا الخارجية تتلخص في عبارة بسيطة: «لا مشكلات مع جيراننا». لكن الموقف اليوم بات مختلفاً، فكل جيران تركيا «باتت لديهم الآن مشكلات»، كما أن الأتراك ذاتهم لديهم العديد من المشكلات الخاصة. ومع ذلك، ليس ثمة إدراك كافٍ، لمدى أهمية قيام الولايات المتحدة وحلفاء تركيا في «الناتو»، بتسوية خلافاتهم معها، ومساعدتها على اجتياز أزمتها الإقليمية. ففي الوقت الراهن يعاني الأتراك من ضغط هائل جراء قتالهم ضد الإرهابيين في سوريا والعراق، في حالة نادرة لحرب مستدامة تدور رحاها على امتداد الجناح الجنوبي للناتو. وروسيا تقترب أكثر على الدوام من تركيا، وتنسق معها العمليات العسكرية في الشرق الأوسط، وتوافق على أن تبيعها منظومة الدفاع الجوي «إس-400»، وهي أحدث منظومة في الترسانة العسكرية الروسية. وعلى الصعيد الداخلي، يمثل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شخصية استقطابية لحد كبير، حيث مازال يصب جام غضبه على من شاركوا في الانقلاب الفاشل ضده الصيف الماضي، ويتخذ بحقهم إجراءات أدت إلى سجن ما يزيد على 50 ألف تركي وطرد ما يزيد على 150 ألفاً آخرين من وظائفهم، فضلاً عن قيامه بحملات دهم متكررة ضد «الصحفيين المتمردين» و«القضاة المشتبه فيهم». وفي الآن ذاته، تفاقمت العلاقات الأميركية التركية عقب سلسلة من المواجهات التي تراوحت ما بين الكبيرة والتافهة. فأردوغان مازال مأخوذاً حتى الآن بفكرة قيام الولايات المتحدة بإبعاد فتح الله جولين، رجل الدين التركي الذي يعيش في بنسلفانيا، والذي يعتقد أنه كان المدبر الرئيس للانقلاب الذي وقع ضده، كما خضع عدد من أفراد فريقه الأمني للإدانة في الولايات المتحدة، بعد قيامهم بضرب مجموعة من المتظاهرين الأتراك في واشنطن. وفي هذا الشهر قامت تركيا باعتقال وسجن موظف تركي يعمل في وزارة الخارجية الأميركية، مما أثار موجة من الإجراءات الانتقامية في مجال التأشيرات ذهابا وإيابا بين أنقرة وواشنطن، ووجه ضربة قاصمة لليرة التركية. من المفهوم أيضاً أن الولايات المتحدة تشعر بالقلق من التحركات التركية في سوريا، والتي تبدو أكثر انسجاماً مع مصالح روسيا وإيران، من مصالح الولايات المتحدة. كل ذلك قاد بعض المنتقدين في الولايات المتحدة للتساؤل عما إذا كان يمكن للناتو أن يكون أفضل من دون تركيا كعضو فيه. هذه فكرة سخيفة في الحقيقة. وفي مواجهة أدنى مستوى تصل إليه العلاقات التركية الأميركية خلال جيل، نحن بحاجة إلى التفكير من خلال استراتيجية ذات معنى لإعادة هذا الحليف المهم مرة أخرى إلى السرب. والسؤال هنا هو ما ذا يمكن للولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو أن يفعلوا من أجل تحقيق هذا الهدف؟ أولا؛ نحن بحاجة لفهم الأهمية الاستراتيجية لتركيا. عندما كنت القائد الأعلى لقوات حلف الناتو، اعتاد الناس أن يقولوا لي إن تركيا تمثل «جسراً مهماً بين الشرق والغرب». والواقع أن أهمية تركيا تفوق أهمية الجسر. ومثل هذه التعليقات تغض الطرف عن قوة، وأهمية، وتاريخ تركيا التي تعتبر بجميع المعاني مركز قوة في حد ذاتها. وبالإضافة إلى تاريخ الإمبراطورية العثمانية المعروف، فإن تركيا اليوم تمتلك الاقتصاد رقم 13 على مستوى العالم، كما يزيد عدد سكانها على 80 مليون نسمة، ولها جاليات ضخمة في الخارج، سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة، وقاعدة اقتصادية متنوعة. كما تمتلك تركيا ثاني أقوى جيش في حلف الناتو. خلاصة القول هي إن تركيا لاعب قوى ومهم عبر منطقة الشرق الأوسط الآن، وستكون لاعباً عالمياً مهماً بحلول منتصف القرن الحالي، ولا يمكننا تجاهل أياً مما سبق. ثانياً؛ يجب أن نعمل على صياغة وتنفيذ خطة استراتيجية للتقارب مع الحكومة التركية. وأي تقارب مع أنقرة، يجب أن يشمل القيام بزيارات سياسية أكثر تواتراً على كافة المستويات الرسمية والدبلوماسية. وعلى الحكومات الغربية كذلك تشجيع المزيد من الاستثمار المباشر في الأعمال التجارية في تركيا، وتحقيق مستوى أعلى من نقل التكنولوجيا في قطاعات تركية مختلفة؛ مثل الصناعات الخفيفة والإنترنت والروبوتات. وعلى الولايات المتحدة كذلك إشراك القادة الأتراك وأخذ الهموم التركية في الاعتبار عند محاولتها حل الأزمات التي أثارتها حركة الاستقلال في كردستان العراق. كما يجب على الأميركيين والأوروبيين تقديم يد المساعدة في تنفيذ العمليات الإنسانية في مخيمات اللاجئين الكبيرة الموجودة على امتداد الحدود التركية السورية، والتي تكلف حكومة أردوغان أكلافاً باهظة. ثالثاً؛ يمكن للولايات المتحدة بذل جهود لتشجيع العلاقات الجيوسياسية التي تحافظ على توجه تركيا نحو العالم عبر الأطلسي. وتشمل هذه الجهود المساعدة على التخفيف من حدة التوترات بين تركيا واليونان على بحر إيجة، وبخصوص موضوع تدفق اللاجئين، والعمل على حل النزاع الطويل الأمد مع قبرص، والمساعدة على إعادة بناء علاقة قوية مع إسرائيل، والمساعدة في تذويب التوترات مع العرب السنة. وقبل كل شيء، يجب على الولايات المتحدة، على أقل تقدير، تشجيع الأوروبيين على مواصلة المفاوضات مع تركيا حول إمكانية انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي. رابعاً؛ يجب أن نجد طريقة للتعامل مع الرئيس أردوغان، الذي يتحكم في مصير بلاده، ويبدو أنه سيبقى في السلطة في المدى المنظور على الأقل، ومع أن نزعاته الديكتاتورية المتزايدة سوف تخلق توتراً حقيقياً مع واشنطن، فإنه علينا أن نتبنى استراتيجية تقوم على انتقاده سراً والعمل معه في الوقت ذاته في العلن، مع تشجيعه في الآن ذاته على اتخاذ إجراءات تضمن سيادة القانون، وحرية الصحافة، في المدى الطويل. وأخيراً، يمكننا تعزيز التعاون بين الجيش التركي وجيوش الدول الأعضاء في حلف الناتو، وذلك في مجال التدريب والبعثات، وتحسين مستوى تبادل المعلومات الاستخباراتية، وإجراء تمارين مشتركة مع الدول الحليفة في الناتو، وتبادل زيارات وفود عسكرية رفيعة المستوى معها. وجميع هذه الخطوات المذكورة لن تكون ميسورة أو من دون تكلفة، لكن السماح بانجراف تركيا بعيداً عن الناتو والولايات المتحدة وأوروبا، سيكون خطأ استراتيجياً فادحاً، ذا أبعاد هائلة، يجب أن تكون لدينا خطة واضحة للحيلولة دون حدوثه. *القائد السابق لحلف «الناتو» ينشر بترتيب خاص لخدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©