الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قضايا الحوار وإشكاليات الجوار

قضايا الحوار وإشكاليات الجوار
29 سبتمبر 2010 20:20
ملاحظة توقف عندها د. سعيد اللاوندي، تقول إن فريقا من السياسيين والإعلاميين العرب، يميزون بين أوروبا والولايات المتحدة، تأسيسا على أن أوروبا أكثر انحيازا للقضايا العربية وللحق العربي، بينما الولايات المتحدة أكثر انحيازا لإسرائيل، وهو يرى أن لا فرق بين أوروبا وأميركا، فإذا كانت الولايات المتحدة تريد السيطرة على العالم والتحكم فيه، خاصة العالم العربي، فإن أوروبا تحاول استدعاء تاريخها الاستعماري في المنطقة، باختصار كل منهما قوة استعمارية، تريد السيطرة على المنطقة، الفرق بينهما في الأسلوب فقط أو الآليات وطرق والعمل. د. اللاوندي خصص كتابه “أوروبا والعرب.. قضايا الحوار وإشكاليات الجوار” لمناقشة هذه القضية، ويحاول أن يثبت فيه أن أوروبا ليست إلا صدى لأميركا، دليله في ذلك أن فرنسا وألمانيا حاولتا التصدي لأميركا عندما قررت غزو العراق في 2003، فقامت أميركا بمعاقبتهما وحرمتهما من التمتع بامتيازات إعمار العراق، وقيل وقتها من لم يدخل معنا النادي فليس من حقه أن يتناول العشاء معنا، وهو ما حاولت ألمانيا ميركل وفرنسا ساركوزي تجاوزه بإعلان الانحياز الكامل للولايات المتحدة. يذهب اللاوندي إلى أن الدور الأوروبي في حقيقته مزدوج، إذا تحدثت مع بعض الدبلوماسيين الأوروبيين في المجالس الخاصة تستمتع منهم إلى تعاطف بالغ مع العرب ومع الفلسطينيين وانتقاد حاد للسياسات الإسرائيلية، لكن حين يخرجون إلى العلن، في المؤتمرات الصحفية أو في السياسات العامة ينحازون لإسرائيل، وصحيح أن الاتحاد الأوروبي يدعم الفلسطينيين والسلطة الوطنية ماديا، لكنهم على المستوى السياسي لا يتخذون موقفا فعليا مساندا للفلسطينيين، وقد يقول قائل إن أوروبا لا يمكنها أن تتخذ موقفا مناوئا لأميركا. وربما كان ذلك صحيحا، لكن لدى أوروبا تاريخها الاستعماري أيضا، ومن ثم فهي لا تريد أن تتخذ موقفا فعليا مساندا للعرب، حين اجتاحت إسرائيل غزة، أطلق “سولانا” تصريحا مفاده أن من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها وعن أمنها، ولكن يجب مراعاة حقوق المدنيين الفلسطينيين، وهكذا فقد أرضى الطرفين معا. وقد يتهم البعض الأوروبيين بالانتهازية السياسة أو التأرجح بين العرب والإسرائيليين، وربما كان ذلك صحيحا بعض الشيء، فهم يتأرجحون بين العرب وإسرائيل، لكن ذلك شأن القوى الكبرى ذات المصالح المتشابكة والمعقدة، ونموذج ذلك أن مؤتمر إعمار غزة الذي عقد في شرم الشيخ وتحدث فيه الرئيس الفرنسي ساركوزي، نجد أن ساركوزي خصص خطابه في المؤتمر للحديث عن الجندي الإسرائيلي المختطف من قبل حماس “جلعاد شاليط” وجاء حديثه انطلاقا من أن شاليط من أصل فرنسي، والوقائع تثبت أن الأوروبيين ينظرون إلى إسرائيل كامتداد ثقافي وحضاري لهم في المنطقة ويعولون عليها في الحفاظ على مصالح الغرب في الشرق الأوسط، وينسى كثيرون منا الدور الأوروبي في تأسيس وقيام إسرائيل، فضلا عن التزام أوروبا بالحفاظ على وجود إسرائيل وأمنها. وقد لا تكون المشكلة في أوروبا والأوروبيين أنفسهم، المشكلة فينا نحن وليست فيهم، تاريخ أوروبا الاستعماري معروف وواضح للجميع، فقد احتلت البلاد الأوروبية المنطقة في القرن التاسع عشر، ونهبت ثرواتها وممتلكاتها، وهي تحن إلى التاريخ الاستعماري، وتحاول العودة إليه. ويذهب د.اللاوندي إلى أن مشروع الرئيس ساركوزي “الاتحاد من أجل المتوسط” هو نوع من ذلك الحنين، هو يريد أن يجمع دول جنوب المتوسط في اتحاد تقوده فرنسا، وتكون بذلك قوة عالمية إلى جوار أميركا وتجمع برشلونة أو ما عرف باسم 5+5 هو محاولة أوروبية في هذا الاتجاه. وينتقد اللاوندي ما يسميه سذاجة بعض السياسيين والإعلاميين العرب، حين ينبهرون باختيار ساركوزي -مثلا- لعدد من الشخصيات ذات الأصول العربية في حكومته أو في الدائرة المقربة منه، وينبهرون اكثر حين يحدث شيء مشابه في لندن أو بعض الدول الأوروبية الأخرى، واختيار هذه الشخصيات يتم -غالبا- لتمرير السياسات والمواقف الأوروبية تجاه العرب، وهذا ما يجري في فرنسا الآن، فبرغم وجود عدد من الشخصيات ذات الأصول العربية، بالقرب من دائرة صنع القرار في عدد من الدول الأوروبية فإن الموقف الأوروبي من الإسلام والمسلمين يزداد حدة، والعنف الذي يلاقيه المهاجرون العرب إلى أوروبا في ازدياد وتعاظم، بل إن النغمة الاستعمارية تعود من جديد لتدق أبواب الإعلام والثقافة الأوروبية. مظاهر عديدة يتم رصدها ومتابعة دقيقة للقرارات وتصريحات الأوروبيين بخصوص العرب والمسلمين، وكلها تؤكد أن القارة العجوز تحن إلى السيطرة على المنطقة وتسعى حثيثا لذلك. المشكلة هي في العقل السياسي العربي، ذلك العقل الذي لا يستطيع التفكير إلا بالاتكاء على قوة أخرى، في زمن الحرب الباردة، اعتمد العرب على الاتحاد السوفيتي لمناوأة الولايات المتحدة، واعتمد فريق آخر على أميركا لمناوأة السوفيات، وقد استفاد العرب من ذلك المناخ الدولي، لكن بانهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة، لم يعد هناك سوى أميركا، لكن العقل العربي سياسيا مازال يفكر بنفس المنطق، فيمارس اللعب على تصور أن هناك تناقضا أميركيا ـ أوروبيا. ما يتبناه الكاتب، هو أن يدرك العرب جميعا أن الغرب كتلة واحدة، ولا فرق بالنسبة لنا بين هذه أو تلك، لكن هناك قوى أخرى صاعدة يمكن للعرب الاعتماد عليها، مثل الصين والهند، فهي في النهاية قوى آسيوية شرقية، تدرك القضايا العربية ولديها استعداد لتفهم مشاكلنا. وصحيح انه ليس هناك تناقض أوروبي - أميركي، لكن كذلك ليس هناك تشابه أو تطابق بينهما، وفيما يخص القضية العربية وتحديدا قضية فلسطين، فإن أوروبا والولايات المتحدة تؤمنان بوجود إسرائيل وضمان أمنها، لكن بعيدا عن ذلك يمكن أن يكون هناك تباين، والأمر نفسه بالنسبة للصين والهند، فكل منهما معترف بوجود إسرائيل، لكن موقفهما يختلف عن الموقف الأميركي أو الأوروبي، وها نحن نرى الآن الموقف نحو إيران ومشروعها النووي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©