الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

2050.. الصين تحكم العالم

2050.. الصين تحكم العالم
29 سبتمبر 2010 20:19
في عام 2050 لن يبقى العالم غربياً، سيصبح آسيوياً وتحديداً صينياً، هذا ما ينتهي إليه مارتن جاك في كتابه الأخير “حينما تحكم الصين العالم” والواقع أن أوروبا منذ ثورة بريطانيا الصناعية كانت تشكل النظام العالمي أو الكوكبي، كانت أوروبا تعتمد على التصنيع ومعه التوسع الاستعماري عن طريق الغزو العسكري، ولكن أخذت أوروبا في التراجع بعد الحرب العالمية الأولى، حيث خرجت منهكة لكن بقيت محتفظة بعناصر القوة حتى أخذت في التراجع الكبير بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لتحل الولايات المتحدة محلها، ولم تكن القوة الجديدة بعيدة عن الحضارة الأوروبية “الصناعية” بل كانت نتاج الحضارة الأوروبية وهذا أدى الى التماهي بين العالم القديم والجديد، وهكذا ظل العالم غربياً، وهذه الصورة تهتز وتتراجع أمام زحف الصين. هذه النتيجة تعتمد على بعض الأرقام والمؤشرات، كانت الولايات المتحدة هي القوة الاقتصادية الأكبر على مستوى العالم، ففي عام 1870 كان إنتاجها يساوي 8.8 في المئة من الإنتاج العالمي، ثم ارتفع بنسبة كبيرة ليصبح 18.8 في المئة عام 1913 ثم يبلغ 33 في المئة عام 1944 ويتراجع الى 27.3 في المئة عام 1950 وفي 1973 يصبح 22.1 في المئة والآن إنتاجها حوالي 20 في المئة من الإنتاج العالمي مع مراعاة انها تضم 4.6 في المئة فقط من سكان العالم، بينما لم يتجاوز انتاج بريطانيا 9 في المئة فقط من انتاج العالم عام 1899 وتراجعت سريعاً ليصل انتاجها 3.3 في المئة عام 1998. وفاة وولادة كان انهيار الاتحاد السوفييتي في ديسمبر 1991 إعلاناً بوجود قوة عظمى وحيدة في العالم وتبنى مركز أبحاث المحافظين الجدد المسمى “مشروع لقرن أميركي جديد” والذي أنشأه في 1997 بول وولفويتز وديك تشيني ودونالد رامسفيلد اعلانا للمبادئ عبر عن الصورة الجديدة التي يرونها للولايات المتحدة إثر انتهاء الحرب الباردة، وهذه المبادئ مهدت لإدارة بوش الابن، فقد كتب تشارلس كراوتامر وهو من المحافظين الجدد النافذين “مات الاتحاد السوفيتي وولد شيء جديد، شيء جديد كلية، عالم أحادي القطب تهيمن عليه قوة عظمى وحيدة، لا يكبحها أي منافس، تستطيع الوصول بحسم الى جميع اركان الكوكب، ان هذا التطور التاريخي المذهل، لم يحدث منذ سقوط روما” وصاغ أحدهم بعض التساؤلات على النحو التالي “تبرز الولايات المتحدة بصفتها قوة العالم العظمى وبعد أن قادت الغرب الى الانتصار في الحرب الباردة فإنها تواجه فرصة وتحديا: هل تملك الولايات المتحدة الرؤية كي تؤسس على إنجازاتها في العقود الماضية؟ هل لدى الولايات المتحدة التصميم على تشكيل قرن جديد موات للمبادئ والمصالح الأميركية؟” على هذا النحو كانت أفكار المحافظين الجدد تدور وتتركز. اختار المحافظون الجدد فهم القوة العظمى الوحيدة بالمعنى العسكري فقط، ولم ينتبهوا الى تعدد الأقطاب بالمعنى الاقتصادي، وكان هناك اصرار على احتفاظ أميركا بالقوة العسكرية الهائلة وردع المنافسين المحتملين، فضلا عن السعي لتحقيق مصالحها الخاصة بعيدا عن حلفائها التقليديين أو الاتفاقات الدولية، وهكذا وصل الانفاق العسكري للولايات المتحدة الى ما يعادل انفاق كل دول العالم مجتمعة، ولم يحدث في تاريخ البشرية أن وصل الانفاق العسكري لدولة واحدة هذا الحد ثم توسعت إدارة بوش واندفعت وراء غواية القوة، الولايات المتحدة تمتلك 800 قاعدة عسكرية حول العالم، ثم أعلنت الحرب على الإرهاب باعتبارها التزاما أول وأولوية مطلقة، وأدى ذلك الى تراجع قيمة وأهمية علاقات أميركا بأوروبا الغربية، ثم اندفعت بقوة الى غزو العراق، ولم تجد المساندة التي توقعتها من حلفائها وتبين أن العراق كان ورطة كبيرة لها، أجهدت الجيش الأميركي وشتت قواه، فضلا عن انفاق بلغ حوالي 3 تريليونات دولار، وأدى هذا الى عجز الولايات المتحدة عن تأديب بقية دول محور الشر التي تخيلها بوش، ووصل العجز في الميزانية الأميركية عام 2006 حوالي 6.5 في المئة وفقدت الى جوار ذلك قوتها الناعمة التي بنتها منذ عام 1945 وتراجعت الولايات المتحدة عن ان تكون المصدر الرئيسي للسلع المصنعة ليحل محلها دول شرق آسيا والنمور الآسيوية (كوريا الجنوبية وتايوان وهونج كونج وسنغافورة) ثم تبعتها في السبعينيات ماليزيا وتايلاند واندونيسيا وغيرها من الدول ثم الصين التي تختلف عن غيرها من الدول الآسيوية فهي لم تكن يوماً تابعة للولايات المتحدة أو الغرب عموماً، وهي تتميز بكثافة سكانية عالية، وكان التصور السائد في الغرب عبر العقود الثلاثة الأخيرة أن الصين سوف تنتهي بها موجة التحديث والتصنيع الى أن تدور في الفلك الغربي والأميركي، وهذا التصور شكل جوهر السياسة الأميركية تجاه الصين ففتحت أسواقها أمام المنتجات الصينية ووافقت على انضمامها لمنظمة التجارة العالمية، وفي العالم كله استشعار للصعود الاقتصادي للصين، يتضح ذلك في انتشار المنتجات الصينية عالمياً ورخص أسعارها، بينما تعرضت الولايات المتحدة لأزمة ضخمة عام 2008 واضطرت للتدخل لحماية بعض المؤسسات المالية وذلك حتى لا تهرب الاستثمارات الصينية الضخمة في بعض هذه المؤسسات. دروس التاريخ ويرى فريق من الأميركيين أن صعود الصين سوف يبقى اقتصادياً فقط، وهذا ليس دقيقاً، فهناك توقعات أن الاقتصاد الصيني سوف يلحق بالاقتصاد الأميركي عام 2027 باعتباره أكبر اقتصاد في العالم، وقتها سوف يكون ذلك الاقتصاد في بداية تحوله لكن بحلول عام 2050 سوف يكون الاقتصاد الصيني قد فاق الاقتصاد الأميركي بمراحل. وينسى الكثير من المحللين أن القوى الصاعدة تستخدم نفوذها الاقتصادي في دعم الدور السياسي والاقتصادي والعسكري والثقافي، هذا هو درس التاريخ، ولابد أن الصين سوف تفعل ذلك، ولقد راهن البعض على أن الصين سوف تتفتت سياسياً خاصة بعد أحداث ميدان تيانن من لكن لم يحدث ذلك التفتت ويتنبأ آخرون أن التحول الاقتصادي والصناعي أو دخول الصين مجال الحداثة سوف يجعلها “متغربة” وهذا ليس دقيقا، فهناك حداثات عديدة، وينسى هؤلاء ان المجتمع الصيني متماسك ويبلغ من العمر أكثر من الفي عام، وله ثقافته الخاصة التي يتمسك بها ولا يتنازل عنها، ومن ثم لن يكون غربياً، وبالأرقام فإن الصين عام 2050 سوف تكون القوة الأكبر اقتصادياً في العالم يليها الولايات المتحدة ثم الهند، وهذا يعني تراجع الهيمنة الغربية على النظام العالمي لأن القوة الاقتصادية هي التي تلعب الدور الحاكم في تشكيل النظام العالمي، وعلى الغرب أن يستعد كي تكون قيادة العالم آسيوية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©