أحمد مراد (القاهرة)
شدد الإسلام على أهمية الاحترام، وربطه بالتربية، وبالخلق القويم الذي إذا تركناه أو نسيناه أو همشناه في حياتنا ذهبت هذه القيمة ومعها قيم كثيرة. يقول الدكتور علي جمعة - مفتي مصر السابق: أمرنا الإسلام أن نربي أبناءنا على القيم الأصيلة وأن نعلمهم قيمة الاحترام سواء للنفس أو للآخر، وأن نجعل التقوى هي المقياس، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما أخرجه أحمد في مسنده: «إن أنسابكم هذه ليست بسباب على أحد، وإنما انتم ولد آدم، طف الصاع لم تملأوه، ليس لأحد فضل إلا بالدين أو عمل صالح، حسب الرجل أن يكون فاحشاً بذيئاً بخيلاً جباناً»، ونرى في عصرنا أن كثيراً من الناس قد أساء الأدب مع الآخرين، وأساء الأدب مع الناس، وعن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا».
وعن عائذ بن عمرو - رضي الله عنه - أن أبا سفيان أتى سلمان وصهيبا وبلالا في نفر، فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها، فقال أبو بكر: «أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدها؟ فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبر، فقال: يا أبا بكر، لعلك أغضبتهم؟ لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك، فأتاهم أبو بكر، فقال: يا اخوتاه، أغضبتكم؟ قالوا: لا، يغفر الله لك يا أخي»، واليوم لا يبالي كثير من الناس بغضب أولياء الله وأهل القرآن.
ويضيف: لقد ربط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الاحترام بنفع الناس، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد - أي تنظفه - ففقدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأل عنها، فقالوا: ماتت، قال: «أفلا كنتم آذنتموني؟، قال: فكأنهم صغروا أمرها، فقال: دلوني على قبرها، فدلوه، فصلى عليها عند قبرها» أخرجه البخاري ومسلم، وهو تدريب عملي من الرسول - صلى الله عليه وسلم - لصحابته على احترام الآخرين مهما صغرت مكانتهم، خاصة أنها كانت تقوم بعمل صالح بتنظيف المسجد، وهو بيت الله، ومكان اجتماع المسلمين، ولم تذكر لنا الكتب: من تلك المرأة، كل ما نعرفه أنها كانت تنظف المسجد فقط، لكننا نعرف أيضاً أنها ماتت وأن الله راض عنها ورسوله والمؤمنون.
وقال الدكتور جمعة: يشدد الإسلام على تعليم الاحترام حتى أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه»، كما أخرج البخاري ومسلم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كان سهل بن حنيف، وقيس بن سعد قاعدين بالقادسية، فمروا عليهما بالجنازة، فقاما، فقيل لهما: إنها من أهل الأرض - أي من أهل الذمة في هذه البلد - فقالا: إن النبي صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام، فقيل له: إنها جنازة يهودي، فقال أليست نفساً؟
وعلمنا الإسلام الاحترام داخل الأسرة، فعن أنس رضي الله عنه قال: بلغ صفية بنت حيي أم المؤمنين أن حفصة أم المؤمنين أيضاً قالت عنها: بنت يهودي، فبكت صفية، فدخل عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي تبكي، فقال: «ما يبكيك؟» قالت: قالت لي حفصة إني بنت يهودي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنك لابنة نبي، وإن عمك لنبي، وإنك لتحت نبي، ففيم تفخر عليك؟! اتقِ الله يا حفصة»، أخرجه أحمد والترمذي. فانظر كيف وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - الكلام أولاً إلى السيدة صفية فرفع من مكانتها، وأشعرها بالثقة بالنفس، ولفت نظرها إلى معنى لم تلتفت هي إليه أصلاً، وهي أنها من نسل موسى أو هارون - عليهما السلام - فهي بنت نبي وعمها نبي، وهذا دافع لفخارها بنفسها، فأذهب عنها حزنها وبكاءها، وأذهب عنها المفهوم الذي دعاها للشعور بالنقص.