ساسي جبيل (أبوظبي)
للصيف في تونس لون آخر، ففي كل عام تستيقظ القرى والمدن التونسية على أنغام المهرجان الصيفية التي تمثل لقاءات فنية وفكرية، يلتقي خلالها المبدعون في شتى المجالات من مسرح وسينما وشعر وموسيقى وغيرها، ولم تزل هذه العادة الحميدة حاضرة حتى بعد التغيير الحاصل في تونس الذي أتى على كثير من خصوصيات البلد، إلا أن الأنشطة والمقرات الثقافية وبقرار رسمي من وزارة الثقافة التونسية بقيت خارج هذه التجاذبات السياسية التي تلقي بظلالها على المشهد في بلد لا يزال يبحث عن توازنه.
صيف تونس لم ينس هذا العام أن يعدل أوتاره على ما يحدث في غزة من خلال الأمسيات الشعرية والفنية التي أدمجت في الكثير من التظاهرات في مختلف مناطق البلاد، إضافة إلى الاحتفال بذكرى وفاة الشاعر الفلسطيني محمود درويش الذي يرتبط بعلاقة وطيدة بتونس، تونس التي ودعها درويش ذات عام في مسرحها البلدي بالعاصمة باكياً وهو يتلو على مسامع جمهورها قصيدته (كيف نشفى من حب تونس؟) التي يقول فيها: «كيف نشفى من حب تونس الذي يجري فينا مجرى النفس، لقد رأينا في تونس من الألفة والحنان والسند السمح ما لم نر في أي مكان آخر، ولذلك نخرج منها كما لم نخرج من أي مكان آخر... نقفز من حضنها إلى موطن القدم الأول، في ساحة الوطن الخلفية بعدما تجلت لنا فيها في البشر والشجر والحجر صور أرواحنا المحلقة كعاملات النحل على أزهار السياج البعيد».
تونس ترقص وتفكر وتغني ويصنع مثقفوها ونخبها في هذا الصيف ربيعاً آخر للحياة والحب والحرية غير عابئين بالحملات الظلامية وقوى الجذب إلى الوراء التي يتضاءل حضورها كل يوم بفضل إرادة الحياة، والإصرار على التجاوز وبناء دولة مدنية لا إقصاء فيها ولا تهميش، ولا انغلاق فيها ولا انكفاء على الذات.
عدد اليوم
