الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

محمد حميدة يكتب مشاهد شعرية مرسومة بريشة فنان

1 يوليو 2013 00:01
جهاد هديب (دبي)- هناك نوع من الشعر الذي يشير إلى صاحبه. تلك الهدأة في الصوت وجنوحه إلى الصمت، بما ينطوي عليه ذلك من مفردات قليلة يُصاغ بها القول الشعري؛ ثم الإحساس الذي يمنحه الشعر لقارئه والذي يمكن توصيفه بالقول بأن مَنْ كتب هذا الشعر لديه رؤية وموقف معا تجاه ما يكتب واللغة التي يستخدمها، أما تجاه “الشخصية الساردة” في القصيدة – وبالتالي تجاه الشاعر – فيشعر القارئ تجاهها بأنها شخصية فيها من النبل والفروسية إلى حدّ أن الشعر يُكتب في العزلة ثم لا يُقرأ بعيدا عنها. هذا “الكلام” عن الشعر وصاحبه هو أقرب إلى شخص الشاعر والفنان التشكيلي المصري محمد مهدي حميدة، وكذلك إلى ديوانه “صناعة الأنقاض” الصادر في سبعين صفحة من القطع المتوسط، عن دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، بلا أي خطأ مطبعي، الأمر الذي بات نادرا في مطبوعات الدائرة، خاصة السردية من بينها. أيضا، من غير الممكن للقارئ أن يقتنع أن “صناعة الأنقاض” هو ديوان أول لمحمد حميدة، فصاحبه يمتلك رؤية ما في كتابة الشعر، أي كتابة القول الشعري بحيث يتميز عن سواه من الفنون الأدبية، إذ أن ما يُقال في هذا الديوان من غير الممكن قوله عبر جنس أدبي آخر مثل القصة القصيرة جدا مثلا أو القصة القصيرة. فيلحظ القارئ أن الكتابة تقوم على بناء صورة شعرية ثم على جملة العلاقات الناشئة بين الصور في البنية النصية ذاتها، فيُضاف إلى ذلك أن تلك البنية النصية ككل من الممكن تخيلها من قبل القارئ كقصيدة تحمل شذرات من حكاية. ويلاحظ القارئ أن شعر محمد مهدي حميدة قد تأثر بثقافته التشكيلية، فالرسم – الكتابة هنا هي مشهد شعري مرسوم بريشة فنّان تجعل القارئ يتخيل مشهدا شعريا “ثابتا” عندما تنبني القصيدة على الجملة الاسمية، كما في قصيدة “السفينة”: “الجدّة التي لها شكل شجرة بلوط مائلة تخلع يديها المرتعشتين لتثبِّت مكانهما مجدافين قويين وتستبدل قدميها بذيل سمكة كبيرة معتقدةً أنها ستتحول في وقت ما إلى سفينة قادرة على الخوض في نهر عجوز امتلأ جسده بالتجاعيد وتصلّبت شرايينه بدهون لا تذوب فيه أبدا لا تذوب”. في حين أن المشهد الشعري عندما ينبني على الجملة الفعلية فإن المرء يتخيل مشهدا “متحركا” كما لو أنّ شريطا سينمائيا يدور في مخيلة القراءة، كما في الكثير من قصائد الكتاب: “ستنفد كل السنين فجأة وتهجر أقراص المسكِّن رغباتُكَ المؤجلة قبل أن تدرك – ولو لمرة واحدة – أن العمر مجرد ورشة صغيرة لصناعة الأنقاض”. وثمة في قصائد محمد مهدي حميدة ما يذكِّر ب”قصيدة النثر المصرية” – إذا جاز التوصيف - التي كتبها تسعينيو القاهرة من الشعراء الشباب، والشاعر حميدة واحد منهم، بأثر من منجز شعراء آخرين كالراحل حلمي سالم مثلا لا حصرا. إنما هي هنا – أي قصيدة النثر المصرية - تحمل توقيع حميدة وثقافته، فالحكاية “الشعرية” لديه ليست مكتملة كما لدى أغلب أقرانه بل هي اقتطاعات متآلفة من حكايا شخصية قادمة من تجربة ذاتية، مع جنوح بهذا القَدْر أو ذاك إلى “سوريالية” تكون احيانا مألوفة لكنها صادمة في أحيان أخرى: “سنجلس في دائرة ونبتر أيادينا ونحملها بين أسناننا وعلى إيقاع موسيقى تنبعث من الصور سنزحف إلى الداخل كقطيع يقصد نبعا في جوف صحراء ذاتَ قمرٍ ميتٍ ونُسقط الأيادي يدا تلو يد فتصنع وردةً من أصابع كثيرة لم يعد بمقدورها أن تتكلم أبدا لكنها تشير بثبات ناحية القتلة”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©