الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عائشة بالخير: الصيام بأميركا كان مشروع تحد للذات

عائشة بالخير: الصيام بأميركا كان مشروع تحد للذات
16 يوليو 2014 22:23
الحديث مع الدكتورة عائشة بالخير، الكاتبة والباحثة في التاريخ يخرج بالكثير، من الأفكار النيرة حول أصالة التعامل مع الذات واحترام مكنوناتها في خطوات باتجاه الانصهار المجتمعي. وهي التي حملت راية التعرف إلى حياة الماضي والتباهي بها، تلملم يومياً صفحات إنجازاتها في دنيا البحوث وزوايا الأقدمين، وتتوقف دائماً عند وعاء حفظ الذاكرة. وبعد أكثر من 30 عاماً أمضتها في الدراسات والمقاربات لخدمة الوطن، شارفت اليوم على تحقيق هدفها. والذي تبدل عما كان عليه في بداية المشوار، من نقل خبرات الآخرين والاستفادة منها في المجتمع المحلي، إلى شرف قلب المعادلة كما تقول، فمع حيازة إكسبو 2020، سيرجع كل من يزور المعرض بحلم تطبيق التجربة الإماراتية في الخارج. واليوم تسترجع بالخير ذكريات رمضان الثمانينيات عندما قضته في أميركا حيث كانت تستكمل دراستها، معتبرة أنه كان بمثابة تحد للذات، وتطوير للقدرات. نسرين درزي (أبوظبي) مشوارها في درب كسر الحواجز بدأ عام 1980 عندما قررت عائشة بالخير أن تتابع دراستها في ولاية كاليفورنيا في زمن لم يكن سفر البنات محبذاً. جلست مع نفسها التفتت حولها وعرفت أن ما تريده هو خدمة الوطن بالتميز، ومع أنه كان لها ما تريد بـ «تساهيل القدر» وصدفة ترويها بحنين وتحتفظ منها بذكريات وصور فخر وقلم من عبدالله تريم عمران، رحمه الله، وزير التربية والتعليم آنذاك، إلا أنها تتوقف عند سنوات الغربة بحرقة. مائدة العائلة تقول بالخير إنه لو كان لها أن تمحو لحظات من ذاكرتها لشدة قساوتها، لكانت فعلت مع أيام قضتها خلال أشهر رمضان وهي بعيدة عن أهلها، مرحلة عصيبة كانت تعيشها لحظة بلحظة وفي بالها مشاهد ليس من مكان إقامتها، وإنما من تحركات العائلة وأجواء الألفة في الوطن. ومع فرق التوقيت في سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا نحو 12 ساعة، حيث مقر دراستها، كانت تتبع مواقيت الإمارات وتحدث نفسها متخيلة أفراد أسرتها. الآن جلسوا ليتناولوا طعام الإفطار، والآن يشاهدون المسلسل، والآن قد يستعدون للصلاة وبعدها لزيارة بيت خالتها أو عمتها أو خالها أو خالتها. تراودها أفكار أنهم جميعاً فرحون وهي لم يكن يسعها إلا أن تتلمس ذبذبات من هذه السعادة التي تسترقها بوضع صوت الهاتف على المكبر. وسيلتها الوحيدة آنذاك للتواصل، بحيث توهم نفسها مع الترددات العالية بأنها محاطة بضجيج أصوات وأنفاس من تحب. وعندها كانت بالخير تستحضر ذاكرة الزمان والمكان التي تفوح من رائحة الطعام وعطر البخور، إذ إن الحنين للوطن بحسب مفهومها مرتبط بالطعام بشكل محوري. تمر عليها أيام شهر رمضان في الغربة تنتظر مواعيد العائلة في الوطن وتتألم لفراقهم وتشتهي ولو لقمة على سفرة المحبين. وما يزيدها حسرة كما تقول، إن كل محاولاتها في طهي ما تشتهيه كانت تبوء بالفشل. وعبثاً كانت تحاول النجاح في تحضير الثريد والهريس والمزين، ومع ذلك ينتهي بها الأمر في تناول ما أعدته وإن على مضضد. ومن ذكرياتها الرمضانية في ولاية كاليفورنيا، تستعيد بالخير محادثاتها مع موظفي البقالة العربية الوحيدة في المنطقة. فهم كانوا جزءاً من خيوط تصلها برائحة الأهل من خلال اللهجة العربية والبضائع التقليدية التي يبيعونها، ومنها الصابون البلدي وأنواع الصعتر والبهارات التي تشتمها، فتحضر إلى ذهنها لوحات من بيت ذويها في الفريج. ومن البقالة نفسها، كانت تحصل على شرائط كاسيتات الفنانين العرب، وروزنامة بمواقيت الشروق والغروب. وبالنسبة لها، فإن الصيام بأميركا كان بحد ذاته مشروع تحد للذات. فعدا عن العذابات المعنوية وسط أجواء الغربة في شهر رمضان، فالشمس تشرق هناك نحو الساعة 4:00 ولا تنام قبل الساعة 21:00. بصمة ومحتوى تذكر بالخير أنها سافرت في الدفعة نفسها مع زميلتها الدكتورة حصة لوتاه وأختها الفنانة التشكيلية فاطمة لوتاه، مشيرة إلى أن الجهات المعنية بالبعثات رأت آنذاك في أبناء البلاد حماساً غير عادي. وقد دفعها حماسها الشخصي للتخصص ونيل شهادة البكالوريوس في صناعة الأفلام وإنتاج الفيديو. وتستطرد أنها لم تتوقف عند هذا الطموح، وإنما أرادت أن تنمي مداركها أكثر بالتماشي مع زمن الكمبيوتر الذي بزغ فجره في تلك المرحلة. وخاضت لمدة سنتين غمار المواد العلمية، حيث نالت من سان فرانسيسكو شهادة الدبلوم العالي في علوم الكمبيوتر والرياضيات. وشجعها هذا الإنجاز كما تقول على الدخول في مجال العمل التطوعي وتقديم الدعم للمحتاجين من أطفال الحالات الاجتماعية الصعبة. وأكثر من ذلك، فقد كان لها الفخر بمساعدة السيدات اللاتي يعانين في المجتمع الأميركي العنف الأسري والمساهمة في الطهي لصالح جمعية «الأيادي المفتوحة». وهذا كله بحسب بالخير، أكسبها مهارات تتمنى لو يشعر بها كل شخص في البلاد من خلال أهمية العمل التطوعي. وتقول «إننا أسعد شعب ليس لأننا نمتلك الأفضل والأكبر والأعلى ولا لأننا نحيا في رفاهية، وإنما لأننا جربنا الأمرين من قبل، ونعرف تماماً معنى النعمة التي من الله بها علينا ولابد من أن نقدرها». وفي استحضار لمعاني الاغتراب بحسب قناعة بالخير، تقول إنه لعب دوراً بارزاً في حياتها وأكسبها مهارات كثيرة. والاغتراب بالنسبة لها أشبه بوعاء لحفظ الذاكرة، لأنه علمها حب الوطن أكثر من أي وقت مضى، وعلمها الرجوع إلى واقع الأمور والانطلاق من نقطة الوجود الأولى. والسفر لم يعلمها الإنسانية فحسب، وإنما علمها الآدمية، وأنه لابد أن يكون لها دور في الحياة، وألا تجلس على طاولة إلا وتترك بصمة عن محتواها الفكري في المكان وبين الموجودين. وأن يأتي ذلك بالتوازي مع احترام مختلف الآراء وبالتغاضي عن طرفي الحوار، لا سيما في السياسة والدين، والخوض في المنطقة الوسط التي تجمع الناس ولا تفرقهم. وتؤكد أننا كإماراتيين لا نكون الأوائل في المعلوماتية والنمو العمراني وحسب، وإنما هناك ضرورة بالتركيز على الشقين الإنساني والاجتماعي ورسم الصورة الحقيقية للآخر مع احتوائه بأفضل المعايير. وتعتبر أنه على المبعوثين إلى الخارج بهدف الدراسة أو العمل أو حتى السياحة، أن يتركوا أجمل انطباع عن الإمارات لأنهم جزء من كل، وهم المسؤولون عن صورة البلاد في عيون الآخرين. قلم الوزير تروي عائشة بالخير أن سفرها عام 1980 إلى أميركا كان بداية الأمر لدراسة اللغة الإنجليزية إلى حين موعد الدورة الثانية لمادة الجغرافيا التي رسبت فيها بامتحانات الثانوية. وبعدها لمعت في بالها فكرة السفر، لكن التحديات المادية كانت من أكبر المعوقات، عدا عن رفض الأهل. فاتجهت بعد محاولات عدة فاشلة إلى مكتب وزير التربية والتعليم عبدالله تريم عمران، حيث أخبرها الموظفون بعدم وجوده في المكتب. فلم تيأس وسألت عن مكتب وكيل الوزارة لتنتظر على بابه وتفاجأ بخروج 3 شخصيات لم تتمكن من تحديد الوكيل بينهم. وما كان منها إلا أن وجهت حديثها للجميع وأشارت إلى رسالة خطت عليها طلبها بالحصول على بعثة للدراسة في الخارج. وهكذا تقدم منها أحدهم بالسؤال عن سبب إلحاحها، فتوسلت إليه راجية منه أن يساعدها لأنها مجتهدة وجدية وتحلم بتحقيق ذاتها. وكانت تلك اللحظة ولادة حظها الجديد مع الحياة، لأن الشخص كان بالمصادفة الوزير عبدالله تريم عمران خارجاً من مكتب الوكيل. وقع لها بأمر تسهيل طلبها وربت على كتفها، متمنياً لها التوفيق وأهداها بالمناسبة قلمه الذي لا تزال تحتفظ به حتى اليوم. دهاليز التاريخ القرار الحاسم كان بتحضير رسالة الدكتوراه عن التاريخ الاجتماعي لمدينة دبي من 1820 - 2003 التي ضمنتها الدكتورة عائشة لوتاه بالمقابلات والوثائق والصور مع ندرة المصادر، ما اضطرها للسفر وقضاء 6 أشهر في الأرشيف الوطني البريطاني. ومهمتها كانت شائكة، وقد خاضت فيها غمار الوثائق والمراسلات اليومية التي كانت خلال فترة الوجود البريطاني في الإمارات. واستلهمت منها ملامح عامة عن المشهد المعيشي للأجداد، وقدمته في رسالة الدكتوراه التي أهدتها للدولة أرضاً وشعباً. وتختم الدكتورة عائشة بالخير مشوار ذكرياتها بالعودة إلى الحاضر، قائلة إنها فخورة بالإنجازات التي تقدمها للإمارات ما قبل نيلها الدكتوراه وما بعدها. ومن خلال عملها من عام 2000 - 2009 كمديرة للمركز المهني في كلية التقنية للطالبات، والشغف المتواصل في العمل بدهاليز التاريخ حتى اليوم. ومع حرصها على متابعة كتاباتها الإعلامية، تحضر الدكتورة بالخير قريباً لتقديم كتابها الذي يصدر حديثاً، وتتناول فيه الممارسات التقليدية في المجتمع المحلي. الجيل السابق في بداية التسعينيات ومع كل هذا النضوج الفكري الذي وصلت إليه المواطنة المجتهدة المغتربة آنذاك، كانت الدكتورة عائشة بالخير كلما رجعت في زيارة صيفية إلى البلاد، تلمس تغييرات فيها. أمور لم تألفها من قبل وعناوين عريضة تتداخل ما بين التركيبة السكانية والهوية الوطنية المهددة ومشاريع التحديث العمراني والمجتمعي، بما فيها خروج المرأة إلى صفوف العمل. استحقاقات مهمة دفعتها وهي في سان فرانسيسكو لقرار تحضير دراسة عن التركيبة السكانية لتتمكن من فهم العوامل الجاذبة والطاردة للتعايش السلمي بين الفئات المختلفة مجتمعياً. والدراسة التي أعدتها حول التمام الأميركيين حول الحلم الواحد على الرغم من اختلافهم العرقي، تدفعها اليوم إلى الحث على خوض الدراسات التي تعنى بالظواهر الاجتماعية التي تحضر وتغيب. إذ إن أكثر ما حز في نفسها عندما سافرت إلى بريطانيا للبحث في تاريخ الإمارات، أنها لم تجد إلا القليل من الوثائق التي من خلال قراءتها تمكنت من رسم صورة عامة عن مجتمعها. ولومها في تلك الفترة الجيل السابق الذي عايش مرحلة الأربعينيات والخمسينيات أو على الأقل كان وسط أهل عايشوها، ومع ذلك لم يفكر في جمع مقتطفات عن حياة الأولين ولو بكتاب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©