الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الغرور المهني والتكبر المعرفي

7 ديسمبر 2016 22:10
حين تقرع باب الحوار المعرفي لتشارك أحدهم ما لديك من معلومات علمية أو آراء مهنية، تجد من إعراضه وصَدِّه ما يُلجِم لسانك، شاهرا سيف الجدال مبارزاً بعتاد السجال، لأنك غزوت خندقه الفكري المزدحم بمفاهيم تقادمت وقناعات لا تقبل التطوير ولا تتقبل وجود النظير، مُتَمَتْرساً في مربعه الضيق ولسان حاله يقول: من تكون أنت لتناظر علومي الأصيلة ومعارفي الرصينة؟  وما يزيد في دهشتك هي مهاراته الحاذقة في تجاهلك وتعمد إهمال رأيك لجرأتك على اختراق هالته العظيمة وصفاته النادرة ومواهبه المتفردة التي تجعله لا يقبل سوى الانصياع لكل ما يلقنه لك دون اعتراض أو حوار، لأنه يرى في نفسه ما لا يراه في الآخرين تكبراً وغروراً، فأجهزة الاستقبال لديه تعمل بطريقة انتقائية نفعية شخصية لا على أسس موضوعية ومنهجية. ما ذكرته ليس حال قلة قليلة ولكن كثرة منتشرة تحتمي خلف جدار الذات المتضخمة، وتلتحف برداء الوهم والسراب والعناد والتعالي، لتخفي في صدورها ضيقاً وتجاهلاً لفكرك الذي لا يتفق ومصالحها الشخصية، لأنها غارقة في أتون الغرور المهني وضحية للتكبر المعرفي؛ فلا ترى العالم من حولها إلا بعين الأنا المتعالمة، المتعالية والمتخاصمة مع الذات ومع كل تطور إنساني أو مفهوم حداثي نافع أو إبداع مجتمعي، لأنها تسعى دوماً نحو القشور وأنصاف الحلول. يقول الغزالي -رحمه الله-: «إن الغرور جريمة علمية قبل أن يكون جريمة خُلقية»؛ لأنه يحيل نهر الحياة الجاري إلى بحيرة راكدة ألوانها باهتة؛ فتجد المتكبر على المعرفة في عزلة عن العالم بسبب الزهو والخيلاء، فهو يتحول من لبنة بناء في البنيان الحضاري إلى صخرة صوان يتحطم عليها كل جديد ومفيد، ويستشعر في نفسه وهْمَ الكمال فيستعظمها ويستحقر الناس ويستجهلهم. وما كوكب اليابان عنا ببعيد، فكلما ارتقى الياباني في منصبه ازداد تواضعه، يقول أينشتاين: «كلما زادت المعرفة نقص الغرور، وكلما قلت المعرفة زاد الغرور». ومن يدقق في تفاصيل تجربة كوريا الجنوبية وسنغافورة، التي تحولت من دول ذات اقتصاد منهار إلى مراتب متقدمة في سلم التنافسية العالمية في مجال المعرفة والاقتصاد، يدرك يقيناً أنهم اتفقوا على قِيَم الثقة بالنفس والتشارك في المعرفة والمسؤولية وصناعة واقع حضاري ومستقبل استشرافي بعيداً عن الغرور والتكبر.  فشتان بين السعي نحو التميز والرقي والإبداع والابتكار وبين الانحدار نحو التخلف والتأخر والاستعلاء حتى الاندثار؛ لهذا يحذر رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم من مغبة التكبر بقوله: «لا يدخلُ الجنةَ من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبْر»؛ فقد غرق 24 مليون نسمة في كوريا الشمالية في بؤرة منعزلة نتيجة التغطرس وافتقاد الحد الأدنى من وسائل الاتصال والمعرفة، بينما أصبحت اليابان خلال جيل واحد تحتل المرتبة الثامنة في تقرير التنافسية لعام 2016م بتواضعها الأخلاقي والمعرفي وقيمها المجتمعية الراقية.  لقد آن الأوان أن ندرك أن مجتمع المعرفة يفرز نخبًا ثقافية متواضعة ومؤسساتِ تَعلُّم متميزة، لأن عالم اليوم يراهن على الاقتصاد المعرفي، ليضمن استدامة الإبداع والابتكار، فما نعرفه اليوم قد يصبح متقادمًا غدا وبحاجة إلى روح التطوير والتغيير، وإلى تقبل الرأي الآخر، لنرتقي في سلم التواضع المهني المعرفي والجمال الروحي الأخلاقي والرقي الفكري الإنساني. الدكتور - عماد الدين حسين
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©