الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لغز المسلات الفرعونية!

لغز المسلات الفرعونية!
8 ديسمبر 2016 10:02
إميل أمين ما سر تلك المسلات المصرية الشاهقة التي ترتفع إلى أعلى عليين في كثير من بقاع وأصقاع العالم الأول، من لندن إلى روما، ومن باريس إلى واشنطن؟ هل هي شهادة على تاريخ مصر الفرعونية؟ أم أن هناك ما هو أكثر غموضاً بشأنها ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بروايات وأساطير حول علاقة القدماء المصريين بالكائنات الفضائية من جهة، وجماعات العالم الخفي، مثل «الماسونية» بنوع خاص، من جهة ثانية؟ هنا قد يقول قائل «وما الجديد الذي يستدعي طرح علامة الاستفهام هذه؟». الواقع أن الأمر مثير بالفعل، إذ يتصل بسلسلة الروايات التي يكتبها المؤلف الأميركي «دان براون»، والتي تترجمها هوليوود عبر شاشتها الفضية إلى أفلام تغزو العالم، فلا ينسى أحدنا فيلم «شيفرة دافنشي»، أو «ملائكة وشيطان» وقد كان فيلمه الأخير «أنفيرنو»، والمستمدة قصته التاريخية من ملحمة «الكوميديا الإلهية» للشاعر الإيطالي «دانتي الليجيري»، هي الدافع لكتابة هذه السطور... لماذا؟ يلحظ المشاهد المحقق والمدقق أن براون يستخدم في أفلامه ورواياته «المسلات المصرية» كشيفرة تاريخية لحل الكثير من الألغاز الآنية، والتي تتقاطع ولا شك مع عقائد الماسونية، تلك الجماعة السرية التي كثر الحديث عنها، وكُتبت من حولها مئات الكتب ولا يزال سرها غامضاً، ولم يسبر غورها أحد. من أين تبدأ قصة المسلات؟ وهل حقاً هي أكثر من شواهد تاريخية، وهناك اليوم مثل «براون» من يحاول أن يمسح عنها الغبار؟ أم أن الأمر برمته ليس إلا محاولة لتزوير التاريخ وإلصاق تهم بتاريخ مصر الفرعونية، لا تقوم عليه أدلة وبراهين حقيقية علمية، عبر التلاعب بالكلمات والصور على شاشات العالم برمته، لا هوليوود فحسب؟ الأصل التاريخي للمسلات يحتاج التأصيل التاريخي للمسلة إلى كتب بذاتها لا إلى بضعة أسطر، غير أن الأمر باختصار غير مخلٍّ، وكما يقول أحد كبار الأثريين المعاصرين، والذي رحل عن عالمنا مؤخراً، الدكتور «عبد الحليم نور الدين»، وكان قد شغل منصب وزير الآثار في مصر: المسلة علامة بارزة من علامات الحضارة المصرية، فإذا كان الهرم -على سبيل المثال- يعتبر إنجازاً هندسياً ومعمارياً، فإن المسلة تعتبر هي الأخرى إبداعاً متميزاً، عندما نتذكر أنها قطعة واحدة من حجر الجرانيت الوردي أو غيره، وعندما نفكر في كيفية قطعها ونقلها وإقامتها، حيث لا يزال بعضها قائما شامخاً يواجه كل الظروف الطبيعية والبشرية. عرفت المسلة في النصوص المصرية القديمة باسم «تخن» وفي النصوص اليونانية باسم (Obelisk)، وسماها الأوروبيون (Needle) وسماها العرب «مسلة»، و«المسلة» هي الإبرة الكبيرة التي تستخدم في حياكة القماش السميك (مثل قماش شراع المركب وغيره). وكلمة «مسلة» جاءت تعبيراً عن أن قمتها مدببة كالمسلة المصرية القديمة. والمسلة هي عنصر معماري ذو أربعة أضلاع، تنتهي بقمة هرمية تقوم على قاعدة مستقلة قد يسجَّل عليها نص، وتُزيَّن بتماثيل القردة التي تهلل لأشعة الشمس، وتُنقش جوانب المسلة الأربعة بمناظر ونصوص تتعلق بالملك صاحبها، وبالإله الذي كُرست له المسلة. ما الهدف من بنائها؟ طوال بضعة آلاف من السنين كانت اللغة الهيروغليفية لغزاً كبيراً وطلسماً أكبر، إلى أن استطاع العالم الفرنسي «جان فرانسوا شامبليون» فك رموز حجر رشيد عبر المقاربة بين الحروف اليونانية وتلك الديموطيقية، إلى أن توصل إلى الحروف الهيروغليفية مع كامل معانيها ومبانيها. والشاهد أنه ساد الاعتقاد طويلاً في أوروبا أن الكتابات المنقوشة على المسلات تحتوي على تأملات فلسفية، وألغاز دينية وأسرار من العلم الباطن، أو على أقل تقدير دروس في علم الفلك، إلى أن توصل راهب يسوعي دأب على فك رموز مسلات روما في النصف الأول من القرن السابع عشر، إلى وضع نظرية خفية عن الفكر المصري كانت تربط بين التحنيط والتناسخ. وحينما فك «جان فرانسوا شامبليون» غموض العلامات الهيروغليفية، توصل إلى أن نصوص المسلات ما هي إلا نصوص مكرَّسة للفرعون الذي أمر بتشييدها، أو إلى فرعون ثانٍ أو ثالث وضعوا علاماتهم. ويقول «شامبليون فيجاك» الأخ الأكبر، لجان فرانسوا، الذي فك الرموز والذي كان بدوره مغرماً بمصر: «إن المسلات هي في الأساس آثار تاريخية وُضعت أمام المعابد والقصور لتروي نقوشها أسباب تأسيس مثل تلك الأبنية والغرض منها، وتكريسها لواحد أو أكثر من آلهة هذا البلد، مصحوباً باسم الملك الذي أقامها».. هل من جوانب أخرى للمسلة؟ الأبعاد الدينية الشاهد أنه إضافة إلى أن المسلة عنصر معماري جمالي يقع على يمين ويسار مدخل المعبد، ويبدو سابحاً في الفضاء يربط بين السماء والأرض، فإن هناك بعداً دينياً لاهوتياً لا يخفى عن الأعين وراء هذا النصب المعروفة بالمسلات، فقد بدأ المصريون القدماء يقيمونها للإله «رع» في هليوبوليس على شكل عمود بسيط يربط بينهم وبين هذا الإله، ثم تطور هذا الشكل ليتخذ شكل الجسم ذي الأضلاع الأربعة، والذي ينتهي بقمة هرمية تعرف باسم «بن بن»، ويرى البعض أن المسلة ترمز لأشعة الشمس الهابطة من السماء ممثلة في قمتها الهرمية، في حين رأى البعض الآخر أن القمة الهرمية للمسلة تلعب نفس الدور الذي يلعبه الهرم كمقبرة، من حيث إنه التل الأزلي الذي بدأت عليه الخليقة؟ وافترض باحثون آخرون أن المسلة ما هي إلا الصخرة المخروطية، التي كانت تعلو التل الأزلي في هليوبوليس، والتي ظهر على قمتها للمرة الأولى «أتوم» عندما خرج من «نون» في هيئة طائر البنو (الفونكس-العنقاء). والشاهد أن آخرين ربطوا بين المسلة وبين الإله رع، على اعتبار أن قرص الشمس (أقدم رمز للإله رع) قد صور على هيئة مسلة، حيث ورد في نصوص الأهرام: «إنه ببي الذي ينتمي إلى مسلتَي رع اللتين على الأرض». وإلى جانب العلاقة القوية بين المسلة وعقيدة الشمس، هناك صلة من نوعٍ ما بين المسلة وبين القمر، فقد ورد في أسطورة «أوزير» (أوزوريس) أن اكتمال القمر بعد (14) يوماً، يرمز إلى الأجزاء الأربعة عشر التي قُطع إليها جسد أوزير (أوزوريس)، وقد رمز الهلال إلى ساق أوزير، ويظن أن هذه الساق تستقر في بيت الساق في مدينة «إدفو» جنوب مصر في تابوت، يأخذ شكل المسلة، وأن «خونسو» إله القمر هو الذي يقوم على حماية هذه المسلة. العبقرية خلف المسلات الأسئلة حول المسلات لا تنتهي، والروايات لا تتوقف، ويوماً تلو الآخر تظهر لنا حقائق لم تكن مدرَكة من قبل... فالماسونيون الذين يَدينون بمذهبهم إلى البنَّاء الأعظم أو المهندس الأكبر، لا ينفكّون يقولون بعلاقةٍ ما تربط أجدادهم بقدماء المصريين، بل وبطريق غير مباشر، وعبر رموزهم، التي هي أدوات هندسية، لا سيما «الفرجار»، يؤكدون أنهم هم الصناع الحقيقيون للحضارة المصرية القديمة، والتي هي نتاج لتزاوج بين سكان الأرض وسكان الفضاء، أو بين القوى البشرية وتلك القوى الخفية والروحية حول العالم.. كيف ذلك؟ لعل المطَّلع على النشرات العلمية، لا سيما المتعلقة بشؤون الفضاء، يدرك أن هناك أسراراً مغلفة بعد لم يقترب منها أحد بالبحث أو الدرس، فمنذ عدة سنوات أشار عدد من رواد الفضاء الروس والأمريكيين معاً إلى التقاطهم صوراً على سطح القمر لمسلات فرعونية وعددها ثماني مسلات، مما جعل البعض يرجح أحد احتمالين: الأول هو أن الفراعنة كانوا في الأعلى ثم هبطوا إلى أسفل، أو كانوا في الأسفل وارتفعوا إلى الأعلى، والثاني أن الذين أقاموا المسلات والأهرامات أناس كانوا على القمر، أو كانوا على الأرض واتجهوا إلى القمر قبل أن يهجروه إلى كواكب أخرى أصلح للحياة. هل تقوم المسلات بأدوار تتجاوز كتابة السيرة الذاتية لشخصٍ أو بناءٍ بعينه وفي حقبة زمنية بذاتها؟ الجواب يثير الكثير من العجب، فقد تم رصد استخدام المسلات كساعات شمسية وإدارة لقياس الكرة الأرضية وتحديد مواعيد الفصول الأربعة.. وبالشرح والتحليل المستفيض لما جاء في كتب المؤرخين والرحَّالة العرب واليونان والبرديات الفرعونية عن المسلات، اتضح كيف كان الفراعنة يضعون هذه المسلات في أماكن محددة من الأرض، كمسلتَي معبد «أون» «عين شمس» الشمالية والجنوبية، وكانت تشير إحداهما إلى النقطة أو الموقع الذي تكون الشمس فيه في السماء عند حلول أو لحظة من لحظات فصل الشتاء، فتسقط الشمس عمودياً على المسلة الجنوبية في تلك اللحظة، والأخرى الشمالية تشير إلى موقع الشمس عند بداية فصل الصيف، هذا بالإضافة إلى استخدام المسلات كأعمدة لمصابيح الإضاءة، حيث كانوا يكسون قمتها بمثلث صغير مصنوع من معدن سري مقدس يطلقون عليه «الالكتروم»، وكان هذا المعدن يجعل هذا الهُريم يعمل كمصباح ضوئي بالليل، كما استخدموا ظلال بعض المسلات التي وضعوها في أماكن محددة من أرض مصر في قياس محيط الكرة الأرضية، وهي الطريقة التي اتبعها عالم الإسكندرية «إيراتوسين» في قياس محيط الكرة الأرضية بعد قراءته لما جاء في إحدى البرديات الفرعونية، وحسب على أساسها بمعادلة رياضية محيط الكرة الأرضية بمقدار 39690 كم، وهو رقم يقل بمقدار 430كم عن الرقم المقدر حالياً لمحيط الكرة الأرضية بالوسائل التكنولوجية الحديثة والبالغ 40120كم. عين حورس يعنّ لنا أن نتساءل: أين تنتشر المسلات الفرعونية حول العالم؟ الجواب يطول، غير أن الذين قُدِّرت لهم زيارة غالبية عواصم العالم، قد دُهشوا من «حتمية» وجود مسلة فرعونية في أكبر ميدان من ميادين تلك العواصم الدولية، فهناك مسلتا لندن ونيويورك، وقد أقامهما الملك تحتمس الثالث قبل أكثر من 3500 سنة أمام معبد عين شمس، ثم نقلهما الإمبراطور أغسطس واستقرتا أمام معبد قيصر في السنة العاشرة قبل الميلاد، ثم نُقلت إحدى المسلتين إلى لندن، ونُقلت الأخرى إلى نيويورك.. وهناك أربع مسلات في فرنسا، ومسلة في القسطنطينية، ومسلات في إيطاليا، وغيرها حول العالم.. والسؤال هنا هل من إيادٍ خفية عملت على نشر تلك المسلات حول العالم؟ بعض الروايات، وإن لم تستند إلى جذور بحثية معمقة، تذهب إلى أن انتشار المسلات على هذا النحو لم يكن أمراً عشوائياً، وإنما قصداً مقصوداً من جماعات الماسونية العالمية، التي رسخت جذورها الخفية حول العالم طوال أكثر من ألفي عام، وعند أصحاب تلك القراءة إنه إذا كان هيكل سليمان هو الأساس الفكري للبنَّائين الأحرار، أي الماسونيين، فإن الأهرام تأتي في الأهمية الثانية، وهو الموقع الذي دُفن فيه مرشدهم الأول حورس، وعين حورس دائماً ما كانت قائمة أعلى المسلات، وهي العين التي تراقب كل شاردة وواردة، ومن أهم رموز الماسونية، وليس عبثاً أن تكون قائمة على العملة التي تحكم العالم، أي الدولار بجانب صورة للأهرام. المسلة الأميركية والسيطرة هل كان لا بد للولايات المتحدة الأميركية بنوع خاص من ربط مستقبلها بالحضارة الفرعونية كي تسود العالم؟ وأين يتقاطع موضوع المسلة الفرعونية، مع الهيمنة والسيطرة الأميركية، ودور الماسونية على نحو خاص في هذا الإطار؟ يحتاج الحديث عن الماسونية ودورها في تأسيس الولايات المتحدة الأميركية إلى مبحث وربما مجلد شافٍ وافٍ، غير أننا نشير بداية إلى اسمين اثنين بمثابة الأساس الأيديولوجي لـ«كنعان الجديدة»، أي الأراضي الأميركية. الأول هو «آدم وايزهاوبت»، ذلك الراهب الألماني الذي نكص على مسيحيته واستقطبته الماسونية العالمية عام 1770م، وقد وجد في الولايات المتحدة الأميركية ضالته المنشودة، حيث إنها كانت دولة حديثة الولادة متحررة من طغيان المؤسسات الدينية الأوروبية في العصور الوسطي، وفي الولايات المتحدة بدأ «وايزهاوبت» في تنفيذ خطته الحديثة للماسونية بهدف السيطرة على العالم، وفي العام 1776 كان قد بلور أول محفل للنورانيين، والكلمة مرجعها «لوسيفورس» أي حامل النور، أحد أسماء الشيطان. التقت جهود «وايزهاوبت» مع ميول واتجاهات الجنرال «ألبرت بايك»، الذي سُرِّح من الجيش الأميركي، ولذا صب جام غضبه على الأمريكيين، وعمد إلى تفعيل دور الماسونية العالمية في الولايات المتحدة الأميركية، وفي هذا السياق لم يكن من الغريب أن يكون أول رئيس للبلاد «جورج واشنطن» وعدد من كبار المفكرين والمنظرين الأمريكيين من أمثال «بنجامين فرانكلين» من كبار دعاة الماسونية ومؤسسيها في البلاد الأميركية الجديدة... لكن ماذا عن مسلة جورج واشنطن بالتحديد؟ هل كانت لدى الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأميركية قناعة ما تجاه «المسلات» الفرعونية، والاعتقاد بأنها و«عين حورس» وملامح الهرم الأكبر تقوم بحماية الإمبراطورية الجديدة؟ لا يمكننا أن نفصل بين معتقدات أولئك الآباء الماسونيين وبين الإجراءات التأسيسية لذلك البلد، خذ إليك على سبيل المثال نصب «جورج واشنطن» التذكاري في العاصمة الأميركية واشنطن، وهو عبارة عن مسلة ضخمة تم تشييدها تكريماً للرئيس الأول للبلاد، قرب نهر بوتوماك عند منتصف المسافة تقريباً بين مبنى الكونجرس الأميركي، ونصب الرئيس أبراهام لنكولن التذكاري. يحاجج الأمريكيون رسمياً بالقول إن الفكرة ليست مأخوذة من مسلات الفراعنة، لكن الصورة في واقع الحال تؤكد وبشكل لا يقبل الشك وجود اقتباس أصيل للفكرة الفرعونية، وقد قام المعماري الأميركي «روبرت ميلز» بتصميم هذا النصب في العام 1848 واكتمل البناء في 6 ديسمبرالعام 1884م. مسلة «جورج واشنطن» المقلدة، يبلغ ارتفاعها نحو 170 متراً، وقطرها أربعة أمتار ونصف تقريباً، ويطلق عليها الأمريكيون «واشنطن مومنت»، وكانت الجمعية القومية الأميركية قد بدأت في جمع التبرعات لتشييدها لعام 1833 تكريماً لبطل الاستقلال «جورج واشنطن». على أنه يلفت النظر ما هو مكتوب في أعلاها، حيث هناك كلمتان باللغة اللاتينية Laus deo»، واللتين تقابلان باللغة الإنجليزية «Praise be to god» أي «المجد للإله»، غير أن السؤال يبقى عن أي إله يتحدث الذين صنعوا «مسلة واشنطن» المقلدة؟ روايات عديدة سمعناها طوال سنوات العمل والبحث والدرس في واشنطن تؤكد أن الإله المقصود هو «رع» إله الشمس، الذي يشرق بوجهه على مسلة «واشنطن» كل صباح، كما كان يجري الأمر في مصر القديمة قبل عدة آلاف من السنين، ولهذا فإنه من غير المسموح معمارياً في واشنطن وجود مباني تصل ارتفاعاتها أعلى من ارتفاع النصب التذكاري لواشنطن، أي المسلة المقلدة، حتى لا يحجب ضوء أشعة الشمس عن المسلة، وعن «عين حورس» التي ترعى واشنطن وتحفظها. شيء ما كذلك يربط بين «جورج واشنطن» وبين التاريخ القديم والسري للفراعنة، فداخل البيت الأبيض، يرى الزائر صورة لجورج واشنطن داخل قوس قزح وحوله دائرة تحتوي على 72 نجمة، وهو رمز فرعوني واسم سري للإله «رع» إله الشمس عند قدماء المصريين. مراسم تنصيب الرئيس الأميركي ضرب من ضرورة الخلط المثير والغريب بين مصر الفرعونية والماسونية، والمسلة دائماً في المنتصف.. كيف ذلك؟ في العشرين من يناير عادةً تتم مراسم تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب حديثاً، إذ يتحرك الموكب من البيت الأبيض مروراً بالمسلة الفرعونية المقلدة، وصولاً إلى مبني الكابيتول (الكونجرس). من هنا يصعد الرئيس الجديد درجات السلالم، وعددها 33 درجة، وساعتها يتحول إلى إله حسب المعتقدات الفرعونية القديمة، التي أخذتها عنها الماسونية، ويأتي رقم (33) ليبقى لغزاً كبيراً، فالبعض يقول إنه عدد فقرات العمود الفقري للإنسان، والذي ينتهي بالرأس، مما يدلل على المعني نفسه، والبعض الآخر يشير إلى أنه عدد السنوات التي قضاها السيد المسيح على الأرض قبل صعوده أو بعثه، ثم يدلف الرئيس الأميركي عائداً من جديد إلى البيت الأبيض ليغلق أضلاع الهرم الثلاثة، ويرمز أيضاً الرقم ثلاثة إلى اعتقاد الحياة والموت ثم البعث، وكذلك الأب والأم وإنجابهما للطفل. هل لهذه الدرجة هناك موثوقية ما بين الماسونية الأميركية والفرعونية المصرية؟ إذا اعترفنا بأن العالم مسوق بقوة الدولار، فإن الهرم غير المكتمل كائن على خلفية ورقة الدولار، وأحجار الهرم 72 حجراً، وفوق الهرم عين حورس، كأنها ترصد العالم من خلال دائرة نورانية لتدلل على أن أميركا تُحكم العالم بقوة الإله «رع» إله الشمس، وعينه حورس التي تعلو مسلة واشنطن غير الحقيقية في العاصمة الأميركية... ويبقي السؤال: هل يجيء دان براون ورواياته ليميط اللثام رويداً رويداً عن أسرار الماسونية وعلاقتها بالفرعونية، أو ما يراد له أن يكون علاقة حتى وإن لم يكن الأمر له أي علاقة بالحقيقة؟ هل دان براون ماسوني؟ قدم المؤلف الأميركي، الكاتب والروائي، المدرس والصحفي «دان براون»، من مواليد العام 1964 عدة روايات مثيرة للخيال والجدل، في مقدمتها: «الحصن الرقمي، حقيقة الخديعة، ملائكة وشياطين، شيفرة دافنشي، الرمز المفقود، الجحيم». تخرَّج دان في جامعة «أمهيرست» وأكاديمية «فيلبس الكستير»، وعمل مدرساً للغة الإنجليزية قبل أن يوجه طاقته كلها إلى الكتابة، حيث تخصص في فك شفرات وأسرار المنظمات العالمية الخفية والعلنية، ولهذا كان السؤال: «هل دان بروان ماسوني ويروح للماسونية؟». السؤال استدعته مشاهدة عديدة في روايات، وكثير منها يتصل بالمسلات، وقد جعلها على سبيل المثال في رواية «ملائكة وشياطين»، المفتاح الذي عبره يفهم الرسائل المشفرة لجماعة النورانيين الذين اختطفوا الكرادلة المرشحين لمنصب البابوية، وهو الأمر عينه الذي تكرر في فيلمه الأخير «الجحيم». رداً على سؤال: هل أنت مسيحي؟ أجاب بروان: «نعم أنا كذلك».. والمعروف أن المسيحية، لا سيما الرومانية الكاثوليكية، تحرّم تحريماً باتاً على أتباعها من المؤمنين الانتماء إلى الماسونية لتعارضها مع أسس الإيمان السليم والقويم. في حوار له في نوفمبر/&rlm&rlm&rlm تشرين الثاني من العام 2014، صرح «دان براون» لصحيفة «الحياة اللندنية» بأنه غير ماسوني، فقال: «أحترم كثيراً الفلسفات الماسونية وتاريخها ومبادئها، إلا أنني لست ماسونياً، كي يصبح المرء ماسونياً يجب أن يتعهد كتم الأسرار، أما أن فأفضل أن أحظى بحرية الكتابة عن كل شيء، حتى عن تقاليد الماسونيين واستخدامهم الغني للرموز». غير أن التصريحات السابقة تتعرض للاهتزازات الفكرية، ففي مايو/&rlm&rlm&rlm أيار من العام 2013 اجتمع «دان براون» مع نحو 1500 من معجبيه في لندن، لمناقشة كتابه «أنفيرنو.. الحجيم»، واختار لمكان الحدث قاعة الماسونية الأشهر في إنجلترا «فري ماسون هول» في «جراند لودج». وفي تصريح لصحيفة «الإندبندنت» البريطانية قال براون: «سيكون لي الشرف أن أكون ماسونياً»، وأضاف «أنت لا تحصل على دعوة من قبل الماسونية، إلا أنها أرسلت رسالة واضحة بأن الباب مفتوح لي متي شئت بالانضمام». هل براون مسيحي أم ماسوني؟ يجيب: «لا أملك سوى الإعجاب بالمنظمة التي تجمع أساساً الناس من ديانات مختلفة معاً، الماسونية ليست ديانة وإنما هي مكان للأشخاص الروحانيين للعمل معاً، وتداخل دياناتهم ومعتقداتهم لتنصهر معاً»... هل من جواب أكثر مراوغة وغموضاً من هذا الجواب؟ لغز فرعوني عميق ما الذي يتوجب الإشارة إليه قبل الانصراف؟ يمكن القطع بأن «حديث المسلات» هو جزء من أحاديث الحضارة الفرعونية العميقة، التي لم تكتشف كل جوانبها بعد، فعلي سبيل المثال لا الحصر، لم يعرف العالم حتى الساعة نظرية جامعة مانعة عن الكيفية التي تم بها بناء الأهرامات، أو الغرض الحقيقي من وراء تشييدها، وربما مَن شيدوها، فالنظريات عديدة وما اكتُشف حديثاً مثير جداً. ورغم أهمية المسلة كعنصر معماري وكرمز ديني، فإن المصري لم يسجل لنا كيف قطعها، ولا كيف نقلها، ولا كيف أقامها، ولهذا تظل المسلة بكل ما تمثله لغزاً من ألغاز الحضارة المصرية، لغزاً يمثل عنصر إبهار وإعجاز للحضارة المصرية القديمة، والحديث هنا لوزير الآثار المصري الراحل الدكتور «عبد الحليم نورالدين». أما الكاتب الفرنسي الجنسية، المصري الأصل «روبرت سوليه»، مؤلف كتاب «الرحلة الكبرى للمسلة»، والذي يشرح لنا فيه قصة خروج مسلة «الكونكورد» الشهيرة من مصر إلى قلب باريس، فيحدثنا عن أنه في عام 1893، وفي دراسة مفصلة لمعبد الأقصر، تساءل عالم المصريات «جورج داريس» عما إذا لم تكن بكل بساطة وظيفة هذه المسلات أن توضح من بعيد أماكن المقاصير: وكانت المسلات تلعب نفس دور مآذن الجوامع وأجراس الكنائس خاصة أن قمتها (أو الهريم) كثيراً ما كان مغطى بمعدن لامع ذهبي أو فضي، غير أنه وبعد نصف قرن من ذلك يقر «ببيير لاكو»، المدير السابق لمصلحة الآثار والمعهد الفرنسي للآثار الشرقية، بجهله عن المسألة، فيقول إن المصريين لم يتركوا لنا أية نظرية عن المسلة «فلا نعرف شيئاً عن أصل أو معنى أسطورة هذه الحجرة المقدسة». إلا أن هذا الإقرار، عطفاً على روايات دان براون، وتفسيرات الماسونيين، يبدو مفرطاً للغاية... لماذا؟ لأن كثيرين من علماء المصريات لا يترددون في تقديم تعريفات وإيضاحات دقيقة إلى حد ما، حتى وإن ظلت تتطلب الإثبات. وبعد كل شيء فإن المسلة هي امتداد لعبادة الأشكال الحجرية (نصب) في أثناء عصر ما قبل التاريخ، والتي تمت ممارستها في مختلف أنحاء العالم. ففرنسا حتى لا نذكر غيرها قد عرفت «المنير والدولبين»، وفي مصر، بدأ الاستخدام الهندسي لهذه الأحجار في هليوبوليس مدينة الشمس قبل أن تمتد إلى بقية البلد، وانتهى الأمر بإعطائها شكلاً هندسياً. وفي أول الأمر كانت الشمس تسطع على قمتها المسماة بـ«بن» وفق المعتقدات القديمة، وعلى هذه القمة كانت الشمس تسطع وتستقر عليها لتضيء العالم كل يوم عند الفجر، فكانت المسلة تأخذ طاقة الكواكب الخالقة، وربما مثَّلت المسلة شعاعاً متحجراً. السؤال المفتوح لكل قارئ: هل المسلة مجرد آثار تاريخية؟ ذلك يسوقنا إلى الطرح النهائي: هل يمكن أن تكون لها وظيفة أخرى لم يستطع علم أو علماء المصريات أن يعرفوها حتى الساعة، ولهذا تثور روايات الماسونيين وغيرهم عنها حول العالم؟ السر المبهر «حديث المسلات» هو جزء من أحاديث الحضارة الفرعونية العميقة، التي لم تكتشف كل جوانبها بعد، فعلى سبيل المثال لا الحصر، لم يعرف العالم حتى الساعة نظرية جامعة مانعة عن الكيفية التي تم بها بناء الأهرامات، أو الغرض الحقيقي من وراء تشييدها، وربما من شيدوها، فالنظريات عديدة وما اكتشف حديثا مثير جداً. ورغم أهمية المسلة كعنصر معماري وكرمز ديني، إلا أن المصري لم يسجل لنا كيف قطعها، ولا كيف نقلها، ولا كيف أقامها، ولهذا تظل المسلة بكل ما تمثله لغزاً من ألغاز الحضارة المصرية، لغزاً هو عنصر إبهار وإعجاز للحضارة المصرية القديمة.. والحديث هنا لوزير الآثار المصري الراحل الدكتور «عبد الحليم نور الدين».  
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©