الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

رحيل نادين غورديمر.. فضيحة الأبارتهايد

رحيل نادين غورديمر.. فضيحة الأبارتهايد
16 يوليو 2014 01:33
جهاد هديب (أبوظبي) رحلت الروائية نادين غورديمر «نوبل للآداب 1991» مساء أمس الأول عن ثلاث وتسعين سنة (1923 - 2014)، هي التي ولدت لعائلة مسيحية بيضاء في جنوب أفريقيا، في قلب الأبارتهايد، في مجتمع كله أبيض لتكون عنصرية، هكذا على نحو طبيعي في مواجهة مطامع السود التي لم تكن قد تبلورت آنذاك في أحزاب سياسية، بل كان يعبر عن هذه الطموحات بالتحرر السياسي مجموعة من المثقفين والمبدعين السود الذين لم يكن لديهم ما يفعلونه سوى التعبير الموارب عن طموحات شعبهم، من فرط ما كان التنكيل شديداً بهم والتمييز ضدهم لم يكن يحتاج إلى أي سبب سوى لون البشرة. غير أنها عندما اختارت أن تكون مناهضة لهذا التمييز وممارساته على الأرض لم تكن وحدها من البيض جنوب الأفريقيين الذين اختاروا هذا الموقف، لكنها امتازت باثنتين: العناد الشديد في المثابرة على هذه المناهضة، وفضح الممارسات التي يقوم بها البيض ضد السود على مستوى عالمي، إلى حد أنها باتت موثوقة لدى المؤسسات الدولية والإقليمية المعنية بحقوق الإنسان سواء أكانت تتبع للأمم المتحدة أم لا. منذ أربعينيات القرن الماضي وحتى ستينياته، كرست غورديمر كل إبداعها الروائي والقصصي لهدفها هذا بدأب وإصرار شديدين جعل غلاة البيض يصفونها بأقذع الأوصاف وأحطها وأكثرها نيلاً من الكرامة الفردية الإنسانية. وتحملت في سبيل نضالاتها الكثير، إذ على الرغم من أنها باتت معروفة عالمياً بوصفها روائية من طراز رفيع ومناهضة بارزة للسياسات العنصرية في بلادها، إلا أنها كانت تُمنع من السفر أو تكون عرضة للإقامة الجبرية. والأرجح أنه كي تتجاوز هذا الضغط النفسي بكآباته، كانت تحوله، بحيث يصبح مصدراً يتغذى منه خيالها الروائي. عن ذلك، قالت في إحدى المقابلات الصحفية: «ما من شيء واقعي قلته أو كتبته سوف يكون أكثر صدقية مثل الروايات التي كتبتها». حقيقة، هل كانت نادين غورديمر روائية تكتب واقعها المحيط بها وتسجله كي تنقله إلى العالم؟ هل كانت السياسة ذريعتها للوصول إلى العالمية؟ هل هي روائية ناطقة باسم قضيتها في مواجهة التمييز العنصري؟ من غير الممكن الجزم بذلك عند الإجابة عن مثل هذا السؤال إذ هو يتصل بمقاصد الكتابة ونوايا الكاتب. إنما من جهة، يكفيها مجداً من الكتابة أنها عرّت المجتمع الأبيض في جنوب أفريقيا، بل لا مبالغة في القول إنها كانت فضيحته. ومن جهة أخرى، وانطلاقاً من أن الروائي غالباً ما يكون مشغولاً بعصره ومكانه وما يحدث في محيطه؛ لأن ذلك يمثل المادة الأولى الخام التي يعجن منها خياله الروائي، أي أن أي روائي يسعى دائماً لفهم زمنه، وكذلك الآليات التي تسيّر مجتمعه ومجموعة القيم التي يتم بناء عليها ذلك. بهذا المعنى، فإن ما كتبته غوردينر هو ما قد أكدته في واحد من لقاءاتها الصحفية: «أنت طيلة حياتك كلها تكتب حقيقة رواية واحدة هي محاولة لإدراك زمانك ومكانك، كتاب واحد انكتب في مراحل مختلفة من حياتك». ولأن «الحقيقة ليست دائماً جميلة، لكن ثمة جوع إليها»، بحسب ما تقول غورديمر ذاتها، فقد آلت على نفسها أت تدرك تلك الآليات والقيم السائدة في مجتمعها، وأن تختار أن تنحاز إلى جانب الكشف عن تلك الحقيقة «السوداء»، وأن تفضح عبر شخصياتها تلك البنية العنصرية الغائرة عميقاً في لا وعي الرجل الأبيض، وأن تشرح الواقع الذي أسس له البيض المستعمرون، بحيث يستمر قائماً على مجموعة من القيم المرتبطة بفكرة الأبيض عن الأسود في أفريقيا التي كانت مزرعة والسود فيها عبيداً، ثم تعيد بناء هذا الواقع بكل ما فيه من خراب وهشاشة في رواياتها، كما هو دون زيف أو افتعال أو ادعاء. عاشت نادين غورديمر قرابة القرن، وكان عاصفاً بأحداثه وإشكالياته، بل كانت واحدة من رموزه الثقافية التي تحمل نبلاً خاصاً، لقد أفرغت ذلك كله في الكتابة إلى استحق أدبها نوبل للآداب عن جدارة، لقد حمّلت شخصياتها الكثير من أحزانها وما تفكّر فيه هي وتتخيله: «أنا لا أبكي، للأسف، عِوَضاً عن ذلك قد أبدي دمعات قصيرة؛ لذلك فإن حزني ينبغي له أن يبقى في داخلي».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©