السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قلعة طغلق أباد في دلهي.. تحفة فنون العمارة العسكرية

قلعة طغلق أباد في دلهي.. تحفة فنون العمارة العسكرية
16 يوليو 2014 00:42
د. أحمد الصاوي (القاهرة) على مقربة من نيودلهي، وبعيداً عن ضفاف نهر جمنى المقدس، تقع أطلال ضخمة لأحد أهم الآثار الإسلامية في تاريخ الهند، إنها بقايا قلعة طغلق أباد التي قام بتشييدها السلطان المملوكي غياث الدين طغلق، خلال ست سنوات تمتد من عام 1321 م إلى عام 1327 م. والحقيقة أن زائر تلك الأطلال التي تحتل مساحة طولها 12,5 كم، وعرضها 4,8 كم، سيصاب بالدهشة من هذا الوقت القصير الذي استغرقه بناء طغلق أباد، والتي أراد بها السلطان، غياث الدين طغلق، أن تكون مدينة ملكية لنخبة الحكم، وقلعة دفاعية في الوقت ذاته، يتحصن بها هو وجنوده إذا ما طرق البلاد عدو من المغول أو الأفغان، ولعله تأثر بالأفكار الدفاعية التي كانت سائدة في بلاد الشام خلال حقبة الحروب الصليبية، عندما كان الأتابكة يعنون بتحصين المدن بأسوار دفاعية، تتقدم القلعة الحصينة التي تمثل خط الدفاع الأخير. تخطيط المدينة ونرى انعكاس هذا الفكر العسكري واضحاً في تخطيط المدينة الملكية إذ تنقسم إلى قسمين رئيسيين، هما المدينة والقلعة، ولكل قسم منهما أسواره الدفاعية الخاصة به. وشيدت أسوار حول المدينة يتراوح ارتفاعها بين 10 أمتار و15 متراً، بينما القلعة التي شيدت فوق تل صخري يرتفع بمقدار 15م عن مستوى المدينة محاطة بسور أوثق دفاعياً يصل ارتفاعه إلى 30 م، ويصل سمك الأسوار الدفاعية إلى 10م، وكانت هناك ثلاثة خطوط دفاعية متتالية عن طغلق أباد. وتشير الروايات التاريخية إلى أن غياث الدين أمر بوقف العمل في جميع الأعمال المعمارية في مملكته، ووجه عمال البناء جميعاً للعمل فقط في تشيد مدينته الحصينة، وربما استخدم بعض السخرة لتسريع وتيرة العمل، وعلى الرغم من ذلك فقد هجرت المدينة بعد سنوات قليلة من وفاة محمد بن طغلق سنة 1351 م. وطبقاً للأساطير الشعبية المعروفة في دلهي، فإن هجرة آل طغلق المدينة الحصينة كان نبوءة للصوفي الشهير نظام الدين الذي قال تعليقاً على تعطيل طغلق لأعمال البناء بالمملكة وحشر العمال للعمل قسراً فيها: «إنه ربما بقيت هذه القلعة من دون سكان ليتجول فيها الرعاة، وهو ما حدث بالفعل طيلة سبعة قرون لاحقة». وإن كان الراجح أن المدينة، فقدت أهميتها بسبب تغيير فيروز شاه لاحقاً لموقع دهلي العاصمة، وتشييد أحيائها الملكية، لتطل لأول مرة على نهر جمنى المقدس. مثمن حصين وصممت طغلق أباد على هيئة مثمن حصين بأسواره 25 بوابة لم يبق منها سوى ثلاث بوابات اليوم، ويعتبر الجزء السكني فيها أول محاولة كاملة الشروط لتخطيط المدن في الهند، إذ يتميز بشبكة طرق منظمة، على أساس أن تصل الطرق الرئيسة بين كل بوابتين متقابلتين، وأن تمتد فيما بين الشوارع الرئيسة شوارع أقل اتساعاً على أساس من تخطيط شبكي محكم. وزودت المدينة ببئر ضخمة، حفرت في الجهة الجنوبية، فيما بين دعامات حجرية تنتشر بين التلال وتغذيه 7 خزانات ضخمة لمياه الأمطار. أما القسم الخاص بسكن الملك وحواشي البلاط، فكان يقع في الجانب الغربي من القلعة والغرف والممرات المعقودة في هذا القسم محاطة بأسوار دفاعية أيضاً، وفي قلبه يقع القصر الملكي الذي أجريت به حفائر فيما بين عامي 2001 و2004م، وأثبت علماء الآثار أن هذا القصر شيد على مرحلتين خلال عهد غياث الدين طغلق، وكان يتصل بجزء آخر له أسوار عالية، مع وجود قناة ماء فوقها، مما يعني وجود نظام دقيق لتوزيع المياه داخل القصر. خندق مائيوالقلعة كانت محاطة بخندق مائي دفاعي، يشكل بحيرة داخلية، وشيد ضريح غياث الدين طغلق على جزيرة صغيرة في قلب تلك البحيرة، وكان هناك ممر تحت الأرض مغطى بقبو معقود، يصل ما بين القلعة والمقبرة، ولكن هذا الممر مسدود الآن. وشيد بداخل القلعة برج مراقبة دفاعياً، لا تزال بقاياه قائمة إلى اليوم، لتُحدث عن ضخامته وارتفاعه الشاهق، قبل أن تتداعى جدرانه، ويتحول إلى ركام هائل من الأحجار. وروعي في تشييد طغلق أباد أنها صممت لمواجهة أخطار التعرض لحصار طويل، ففضلاً عن الأسوار الدفاعية المتعاقبة ضمنت المدينة مصدراً كافياً من المياه عبر البئر الضخمة، وخزانات مياه الأمطار، بحكم بعدها عن النهر، كما زودت كل كتلة مدخل بمجموعة من الغرف الدائرية، يتراوح عددها بين 4 أو 6 أو 8 غرف، كانت تستخدم لتخزين الحبوب، وذلك لتأمين إمدادات الغذاء لوقت طويل من الحصار. ويعتبر ضريح غاث الدين طغلق أهم أجزاء المدينة التي احتفظت تقريباً بمعالمها الأصلية كاملة، ويعد الضريح علامة مهمة في تطور بناء الروضات في الهند الإسلامية، وقد تم تشييده في عام 1325 م. شبه القارة الهندية عالم حافل بأجناس وعقائد ولغات شتى، ومنذ القدم هذا العالم له شخصيته المستقلة وفلكه العقائدي والفلسفي الخاص، اقتحم الإسكندر الأكبر بلاد الهند غازياً وخلف وراءه تأثراً كبيراً بفنون الإغريق، ولكن دون تبديل كبير في شخصية الهند. وبدءاً من عام 92 هـ دخل الإسلام إلى الهند من جهة السند والبنجاب، ولكن نجاحه الأكبر كان في جنوب البلاد عبر التجارة الموسمية لينتشر الإسلام سلمياً بين الطبقات المقهورة والفقيرة هناك، وبدورهم نقل الهنود المسلمون دعوة الإسلام وحضارته إلى ما جاورهم من جزر المحيط الهندي وسواحله الجنوبية. أدرك المسلمون مبكراً أنهم يدخلون عالماً خاصاً فتعاملوا معه برفق يناسب البلد الذي كتب عنه البيروني كتابه الشهير «تحقيق للهند من مقولة في العقل أو مرذولة»، فكان الإنتاج الفني للهند في العمارة والفنون الإسلامية عروة وثقى بين روح الفن الإسلامي وشخصية الهند التليدة، هنا وعلى مدار الشهر الكريم نعرض لأهم ملامح إسهامات الهند في الفن الإسلامي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©