طه حسيب ( الاتحاد)
انطلقت يوم الخميس الماضي فعاليات منتدى الاتحاد الثاني عشر الذي جاء تحت عنوان «دول مجلس التعاون الخليجي ومكافحة الإرهاب»، وعلى مدار أربع جلسات، وبحضور كوكبة من الباحثين والمتخصصين في العلوم السياسية والكُتّاب والمفكرين، قدم المشاركون 11 ورقة عمل، إضافة إلى تعقيبات ومداخلات الضيوف.
وتحت عنوان «الدور القطري في نشر الفوضى ومحاولة تمزيق وحدة الصف الخليجي»، جاءت الجلسة الثانية من المنتدى، التي أدارتها الكاتبة أماني محمد العمران، وقدم خلالها الكاتب الجزائري خالد عمر بن ققه، والباحث المصري في العلوم السياسية د.عمار علي حسن، والكاتبة والباحثة الإماراتية عائشة المري ثلاث أوراق عمل، عقّب عليها د.عبدالله المدني أستاذ العلاقات الدولية والكاتب المتخصص في الشؤون الآسيوية. ورقة خالد عمر بن ققه، جاءت تحت عنوان «دعم الدوحة لتنظيم الإخوان وتأجيج نار الربيع العربي»، وسرد خلالها جانباً من تجربته الشخصية تمثل في متابعته لتغطية قناة «الجزيرة» للفترة التي عانت فيها الجزائر من عنف الجماعات الإرهابية، وأشار إلى أنه من 1997 إلى 1999 كان التركيز الإعلامي في الجزائر- بالنسبة للنظام القطري- يصب في خدمة الجماعات الإرهابية. وأكد ابن ققه أن قطر تدعم الإسلام السياسي من خلال التركيز على «الآخر العدو»، والبحث عن عدة أعداء جدد في المنطقة.. وهذا العدو يتجسد- من وجهة نظر النظام القطري- في الدولة القائمة في هذا البلد العربي أو ذاك، أي إيجاد دول أخرى بديلة عن النظام القائم. ولفت ابن ققه الانتباه إلى أن استضافة شخصيات إسرائيلية في الجزيرة كانوا يبررونه بأنه يأتي ضمن حرية الإعلام، كما سعى النظام القطري إلى توفير حضور إعلامي لإسرائيل في المنطقة من خلال استضافة عناصر إسرائيلية في «الجزيرة»، ناهيك عن استضافة المكتب التجاري الإسرائيلي.
بديل للدولة
وبدا واضحاً- والكلام لا يزال لابن ققه - أن النظام القطري يدعم نشر الفوضى في الوطن العربي من خلال تكسير كل التابوهات الموجودة في المجتمع، بما في ذلك تاريخ الزعماء. كما سعى نظام الدوحة لتقديم الإسلام السياسي بحيث يكون بديلاً للدولة. والمشكلة أن هذا الأمر يجد صدى عند بعض الناس. الإشكالية- حسب ابن ققه- تكمن في أن الدور القطري يبحث دائماً عن قوى بديلة للنظم السياسية القائمة أو بدائل للدولة من خلال تنظيمات متطرفة مثل «داعش» و«الإخوان» أو «القاعدة». الإعلام حوّل دولة صغيرة إلى لاعب مهم. ومبارك استغرب من دور «الجزيرة»، وهذا ما يثير التساؤلات حول دور الإعلام. الانتقال من السلفية إلى «الإخوانية» أمر لم يعد الآن مجدياً. هناك دول غربية تعترف بـ«الإخوان»، وهذا خلل رسمي، قطر تحدث خللاً في المنطقة العربية لكن العالم العربي منقسم تجاه التيارات العربية المتطرفة. وأكد ابن ققه أن النظام القطري استضاف إرهابيين ينتمون لدول إسلامية عدة منذ 2000 إلى الآن.
ازدواجية فجة
ابن ققه ركزّ على قضايا رئيسة أولها- التطبيع الإعلامي مع إسرائيل، وثانيها- إحلال الفوضى في الدول العربية، وثالثها- التَّمكين لتيار الإسلام السياسي بما يخدم التحالفات الدولية الكبرى، ويقضي على الدولة الوطنية العربية. ويرى ابن ققه أن المسار الإعلامي القطري تجاه إسرائيل، يتميز باتجاهين: الأول يخصُّ الإعلام الموجه إلى الداخل القطري، وهو يُبدي جفاءً تجاه إسرائيل، وأحياناً تجاهلاً، والاتجاه الثاني، الإعلام الموجه إلى الخارج، وهنا يظهر دور قناة «الجزيرة»، والتي تطرح خطاباً إعلامياً يبدو للوهلة الأولى مُعادياً لإسرائيل ومُدافعاً عن الحقوق العربية، ولكنه في النهاية يخدم إسرائيل بالدرجة الأولى، حيث يتيح لها فرصة للتعبير عن مواقفها من الأحداث سواءً أكانت داخل فلسطين أو خارجها.
الحرية توطئة للفوضى
ويرى ابن ققه أن المدير العام السابق لقناة «الجزيرة» محمد جاسم العلي وجد أن انتشار قناة «الجزيرة في التسعينيات كان سببه الحرية ووسائل التقنية الحديثة، وتوافر كوادر عربية مؤهلة، والإنفاق عليها بلا حساب، لكن الحرية التي تحدث عنها هي المدخل الذي عَبَر منه النظام القطري لتعميم الفوضى، وإشعال الفتن، وتحويل كثير من دول المنطقة إلى بحور من الدم، وقد كشفت تغطية القناة لأحداث الانتفاضات الشعبية في تونس ومصر وليبيا، والبحرين واليمن وسوريا، عن تحول قطر إلى طرف في الصراع الدائر بين الحكومات والشعوب، وقبل هذا عملت على تدريب كثير من الشباب العربي على كيفية مواجهة قوات الأمن في دولهم، وكان لها ما أرادت.
تمكين الإسلام السياسي
عمليا، يقول ابن ققه، لا يمكن لنا فهم الدور القطري في تمكين تيار الإسلام السياسي، وحتى الجماعات الإرهابية مثل«القاعدة» و«النصرة» و«داعش».. إلخ، إلا إذا أعَدْنا قراءة تأسيس الدولة القطرية من منظور ديني، وتحولها من السلفية إلى «الأخونة». كل المعطيات والحقائق تشير إلى أن قطر اليوم تجمع بين كل المتناقضات، بما فيها دعم الجماعات والتنظيمات الإرهابية ومحاربتها، لكن هذا لم يعد حائلاً دون إدراك مجريات الأحداث على الساحتين المحلية والإقليمية، الخليجية تحديداً؛إذ التبنَّي الواضح لمشروع»الإخوان»، أي أنه تحول إلى نهج دولة، وليس فقط جغرافية مناطق آمنة لقيادة «إخوانية»مُطاردة أو مطلوبة من دولها.
ويرى ابن ققه أن سياسة النظام القطري أصبحت مكشوفةً وجرّت الخراب على المنطقة بما فيها قطر نفسها، وانتقلت الكلمة لمديرة الجلسة أماني العمران ، لتطرح تساؤلاً مؤداه: هل بالإمكان تدشين مؤسسات إعلامية تخدم مصالح الأمة العربية؟
«التاءات الست»
وقدم د.عمار علي حسن ورقة بعنوان «دعم قطر لتنظيمات إرهابية في البحرين ومصر واليمن وسوريا وليبيا»، وأكد خلالها أن من يتتبع السياسة القطرية في العقدين الأخيرين، يستطيع رصد أدلة على علاقة قطر بتنظيمات إرهابية، بدءاً من «القاعدة» وانتهاء بـ«داعش»، وهي مسألة اعترف بها رئيس وزراء قطر السابق حمد بن جبر بن جاسم آل ثاني في حوار شهير مع شبكة «سي إن إن» في الأيام الأولى للأزمة القطرية الراهنة، حين قال إن بلاده اتصلت بالقاعدة بناء على ترتيب مع الولايات المتحدة الأميركية. وحسب عمار، استمر هذا الاتصال وأخذ ستة أشكال: (التمويل والتأمين والترويج والتخطيط والتوسط والتوظيف). وبالنسبة للتمويل، قدمت الدوحة مالاً سخياً للتنظيمات الإرهابية على مدار عقدين من الزمن على الأقل، سواء من خلال الحكومة الرسمية أو الموسرين والجمعيات الدينية التي تعمل تحت غطاء خيري. وقد توجه قسم كبير من التمويل القطري، الرسمي والشعبي، في السنوات إلى الأخيرة إلى جبهة النصرة (فتح الشام) وتنظيم «داعش»، كما تم تقديم الفدى المالية بما يصل لعشرات الملايين من الدولارات، لهذه الجماعات، التي كانت تعتمد على الخطف والارتهان وسيلة لتمويلها، من أجل الإفراج عن المختطفين. ويقوم النظام القطري بتأمين هذه التنظيمات، تستضيف قطر 12 شخصاً يجمعون مئات الملايين من أجل الإرهابيين، ومن جانب آخر تحتضن قطر على أراضيها أكثر من مائة شخصية متطرفة منهم مقاتلون أفغان. وفي هذا الإطار، وعلى سبيل المثال لا الحصر، قدمت الدوحة بيتا آمنا لأبي مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم «القاعدة» في العراق أثناء سفره بين كابول والدوحة، وأمدته، ومن معه بجوازات سفر قطرية، علاوة على مليون دولار دعما أوليا لجماعته.
كما يروّج نظام «الحمدين» للتنظيمات المتطرفة والإرهابية عبر منصات إعلامية احترافية متمثلة في «شبكة الجزيرة» التي أطلت عليها وجوه قيادات الجماعات الإرهابية عبر حوارات مطولة متلفزة، وتم بث أخبار هذه الجماعات بطريقة تظهرها في موضع حركات النضال أو المقاومة أو التحرر.. كما يقوم هذا لنظام بالتخطيط للتنظميات الإرهابية: قامت المخابرات القطرية بتقديم تصورات وخطط لهذه الجماعات الإرهابية المقاتلة لاسيما في سوريا والعراق وليبيا. وشارك عسكريون قطريون محاربي هذه الجماعات في ميادين القتال، لاسيما في الحالة الليبية، بغية تحقيق أهداف النظام القطري وهي تتعلق في ليبيا بممارسة ضغوط على الجيش المصري من الجبهة الغربية، وكذلك في سيناء، أو في الحالة السورية لتحقيق المشروع القطري ـ التركي المرتبط بمد خط غاز قطري عبر الأراضي السورية إلى أوروبا، بعد تفكيك الدولة وسيطرة «داعش»على قسم كبير منها، لعبت قطر- حسب د.عمار- دور القنطرة أو همزة الوصل بين هذه الجماعات وبعض المخابرات الغربية، على رأسها «سي. آي. إيه»، وذلك لتسهيل توظيف هذه الأجهزة للجماعات الإرهابية في تحقيق أهداف تلك الدول.
الوطن البديل لـ«الإخوان»
ويواصل د.عمار عمار سرده لعلاقة النظام القطري بالتنظيمات الإرهابية، مشيراً إلى أن الإمارات اكتشفت خطر«الإخوان» وكذلك السعودية، لكن قطر تركت التنظيم الذي تغلغل في الاقتصاد القطري والمؤسسات القطرية. وحسب د.عمار، فإن «الإخوان» ينظرون إلى قطر باعتبارها أرض الأمان والوطن البديل والداعم المالي، ونظام «الحمدين» يستخدم التنظيم كي يلعب من خلاله دوراً إقليمياً. وأشار إلى أن قطر تمادت في صراعها مع البحرين، وهناك اتهامات من مصر للنظام القطري بالضلوع في تفجير الكنائس وتهريب السلاح على الحدود الليبية، وفي العراق هناك اتهامات بدعم النظام القطري لتنظيم «داعش» الإرهابي. الشواهد تقول- حسب د.عمار- إن بأس التنظيمات الإرهابية قد ضعف منذ أن تم اتخاذ إجراءات ضد النظام القطري، ما يثبت علاقته بالإرهاب.
3سيناريوهات
ويتطرق د.عمار إلى ثلاثة احتمالات بشأن الأزمة القطرية الراهنة، أولاً: سيناريو «الرجوع إلى الخلف» بمعنى أن يتمادى النظام القطري في موقفه الداعم للتنظيمات الإرهابية، وسيناريو «التحرك إلى الأمام» أي الاستجابة إلى مطالب الدول الأربع. والسيناريو الثالث، هو الوقوف في المكان، أي أن قطر تُعطي للعالم العربي من طرف اللسان حلاوة وتروغ منه كما يروغ الثعلب.
متى ينتهي هذا الخطر؟
ويتساءل د.عمار: متى ينتهي هذا الخطر؟ ويجيب بأننا أمام أربعة احتمالات: الأول أن يحرق الإرهاب أصابع قطر، فما أعان أحد إرهاباً إلا انقلب عليه. على سبيل المثال تعاونت أميركا مع تنظيمات متطرفة وكانت النتائج عكسية. والثاني: أن تطالب القوى التي توظف النظام القطري، بأن يتوف هذا النظام عن سياسته، وإذا وجد الغرب أن مصالحه ستدار بطريقة أخرى غير الاعتماد على تنظيمات إرهابية سيتم الابتعاد عن الدور القطري. والاحتمال الثالث.. تغيير النظام القطري بآخر بديل لا ينتهج نفس السياسات الراهنة. والقناعة بأن ورقة الدور القطري قد انتهت وأن الدول أدركت خطر هذا الدور.
دور خبيث لصالح «الحوثيين»
وتحت عنوان «الدور القطري في دعم الحوثيين وحركة الإصلاح اليمنية»، قدمت الباحثة الإماراتية عائشة أحمد المري، ورقة أشارت خلالها إلى أن بداية التدخل القطري باليمن تمثل في قيامها بالوساطة في حروب «صعدة» الستة بين الدولة اليمنية و«الحوثيين» المتمردين خلال الفترة ما بين 2004 و2010، وتمكنت من نسج علاقات قوية بين أطراف الصراع في اليمن.
وتواصل المري سردها لدور النظام القطري في دعم «الحوثيين»، موضحة أنه في يونيو 2006 أعلنت قطر نيتها تبني مبادرة وساطة بين الدولة اليمنية والجماعة «الحوثية»، بعد ما يقارب الأربعة أشهر على تجدّد المواجهات بين الجانبين. ووافقت الدولة اليمنية على أمل أن تقلل من خسائر الحرب وتنهي التمرد بأقل التكاليف، وقام الشيخ حمد بزيارة مفاجئة لليمن في مايو 2007 وأردف زيارته تلك بخطوات عديدة تؤكد عزمه على إنقاذ «الحوثيين» بقوة. فأرسل فريقا من وزارة الخارجية القطرية برئاسة ضابط استخبارات هو سيف مقدم أبوالعينين للإشراف على تنفيذ اتفاق السلام. وترافقت هذه الخطوة مع دعوة قيادات بارزة من المتمردين لزيارة الدوحة. على رأس هؤلاء يحيى بدر الدين الحوثي، الذي قدم من مقر لجوئه في ألمانيا. كما تم استدعاء عدد من قادة المسلحين «الحوثيين» على متن طائرة خاصة قطرية ونزلوا في مطار الدوحة بأسلحتهم الشخصية في رسالة توحي بالقوة والتصميم على مقارعة الدولة اليمنية.
وحسب المري، أعلن وقف إطلاق النار بين الجيش اليمني و«الحوثيين» في 16 يونيو 2007 بناء على بنود المبادرة القطرية التي نصت على انسحاب المتمردين من مواقعهم التي كانوا على وشك خسارتها أصلا ًوتسليم أسلحتهم الثقيلة التي كانت يفتقدون إليها، مقابل التزام الحكومة بإعلان عفو عام وإطلاق مشاريع إعادة إعمار صعدة بتمويل من قطر بحوالي نصف مليار دولار، وهو كما يبدو ذات المبلغ الذي دعمت به قطر الجماعة «الحوثية» وانتشلتها من حافة الهاوية.
تسليح «الحوثيين»
وأكدت المري أن تدخل النظام القطري جعل «الحوثيين» قادرين على خوض الحرب الخامسة في ظروف أفضل بكثير. وظهرت نتيجة الدعم القطري سريعاً على الأرض حيث تمكّن «الحوثيون» من السيطرة على نحو 90 بالمئة من مناطق «صعدة» في أقل من شهرين بعد أن كانوا يسيطرون على 2 % فقط. وتضيف المري: قطر زرعت «صعدة» بالأسلحة والمتفجرات والأموال الطائلة، كما اشترطت أن يكون «الحوثيون» شركاء في «صندوق إعمار صعدة»، وتم إعمار مناطق «الحوثيين» فقط، وتم استلام الأموال القطرية في مران وفي حيدان وبني معاذ، وبعد استلام هذه المبالغ والتي تقدر بـ3 مليارات ريال يمني، عاد «الحوثيون» إلى إعلان الحرب من جديد، وشكلت دعماً كبيراً لعودة «الحوثيين» إلى الواجهة من جديد، بقوة المال القطري. وقال إن «دعم القطريين للحوثيين لم يقتصر على المال والسلاح، وإنما كان هناك الدعم الإعلامي أيضاً، إذ كانت قناة الجزيرة لسان حال الحوثيين قبل إنشاء قناة المسيرة»، مبيناً أن الجزيرة كانت تخصص ساعات لخطب وكلمات عبد الملك الحوثي، وخلال الحرب السادسة التي اعتدى فيها «الحوثيون» على الحدود السعودية، كان عبد الملك الحوثي لا يرد إلا على قناة الجزيرة فقط.
ولفتت المري الانتباه إلى أن المادة السابعة من الدستور القطري تشير إلى حل النزاعات بالطرق السلمية، وقد استغل النظام القطري هذا البند لتبرير دور التفاوض والوساطة المغرضة سواء في لبنان وإريتريا واليمن.
دعم «إخوان اليمن»
وبعد الثورة اليمنية في فبراير 2011 قام النظام القطري بدعم «إخوان اليمن». ولعبت قناة «الجزيرة» دوراً في دعم الثورة. وحتى عندما وفرت المبادرة الخليجية مخرجاً لعبد الله صالح بدعم من مجلس الأمن، وقفت السياسة القطرية ضد هذا المسار، حيث انسحبت قطر من المبادرة الخليجية ودخلت جماعة «الحوثي» كجزء من المشهد السياسي القطري، «الحوثيون» استغلوا الفوضى الناجمة عن الثورة اليمنية ودخلوا الحرب السابعة في 2014 واستولوا على صنعاء. وتشير المري إلى أن «عاصفة الحزم»، جاءت كدعم مباشر من دول الخليج للشرعية اليمنية، قطر ساهمت بـ10 مقاتلات، وبعد المقاطعة التي طبقتها الدول الـ4 ضد الدوحة، انتهت المشاركة القطرية في قوات التحالف. الشعب القطري ضحية
وفي تعقيبه على أوراق الجلسة الثانية، أكد د. عبدالله المدني أن الأمر لا يتعلق بالشعب القطري الذي هو مكون أساسي من مكونات خليجنا العربي وتربطنا به روابط النسب والمصاهرة. فالشعب القطري في نهاية الأمر ضحية من ضحايا نظامه السياسي الذي آثر أن يبعده عن أشقائه لأنه يطمح إلى لعب دور أكبر من حجمه، ثم لأنه خاضع لأجندة حركة «الإخوان» الشيطانية. ويأمل المدني في أن تكون الأزمة سحابة صيف ستنجلي وتعود قطر إلى حضنها الخليجي الطبيعي تاركة الحضنين الموبوءين الإيراني والتركي، إما بتغيير النظام، أو بضغط دولي للتراجع عن السياسات والأحلام الطوباوية، أو بالرضوخ لشروط الدول الأربع.
أدوار خمسة
ويرى المدني أن هناك أربعة محاور تشكل في مجموعها كل ما اعتقدت الدوحة أنه سبيلها للتغلب على هامشية دورها على الساحتين الإقليمية والدولية. هذه المحاور هي: الدور الديني عبر التماهي مع أجندة جماعة «الإخوان» الإرهابية واستضافة قادتها وإبراز صورتهم كأناس معتدلين في توجهاتهم السياسية، والدور الإعلامي عبر إنشاء قناة «الجزيرة» وتكليفها بتلميع شخصيات وتوجهات معينة مع التحريض ضد جماعات ودول وأنظمة محددة. والدور السياسي عبر الظهور بمظهر الدولة الداعمة للمضطهدين والمطالبين بالحقوق والحريات، والدور الثقافي عبر استقدام بعض المرتزقة والعملاء العرب من أمثال عزمي بشارة ووضاح خنفر ومحمد مختار الشنقيطي وهشام مرسي وتكليفهم بتأسيس الكليات والجامعات والمؤسسات الفكرية وإدارة ورش العمل الخبيثة (مثل أكاديمية التغيير والمركز العربي للأبحاث ودراسات السياسة) من أجل استقطاب الشباب العرب لتلقينهم السياسات الثورية وأساليب التمرد وخلق الفوضى في مجتمعاتهم. والدور المالي عبر وضع خزائن الدولة القطرية في خدمة «الإخوان» وبقية الحركات المتشددة في العالم.
وفي معرض تعقيبه علي أوراق الجلسة الثانية يرى المدني أن الأوراق الثلاث تحدثت عن الدور الديني والإعلامي والسياسي والمالي، لكنهما لم تتطرق إلى الدور الثقافي الخبيث المنوه عنه، رغم أهميته، إلا عرضاً. ولفت انتباه المدني اهتمام خالد عمر بمحاولات النظام القطري ضرب أسس الدولة الوطنية مستخدماً أذرعه المالية. وبطبيعة الحال لم يكن هذا غريباً على دولة توجه سياساتها حركة «الإخوان» التي لا تؤمن بالدولة الوطنية أصلاً وتسعى إلى تقويضها.
وساطة بالرشوة
وأشار المدني إلى أن السعودية والكويت نجحتا في القيام خلال الستينيات والسبعينيات والثمانينيات بمصالحات بين دول عربية متخاصمة أو متنازعة، ولم تكن ثمة دوافع مصلحية خاصة، لكن الدور القطري (في السودان ولبنان وفلسطين مثلا) كان قاصراً وفاشلاً لأنه كان يعتمد على الرشوة وأهداف وأجندات خاصة، وهذا ما تجسد بأوضح الصور في الدور القطري في اليمن والذي فصلته ورقة الأستاذة عائشة المري، علما بأن هذا الدور القطري الذي تحدثت عنه بدأ منذ أن أخذت قناة «الجزيرة» تلمع المدعوة «توكل كرمان» بالتزامن مع أحداث «الربيع العربي» على غرار ما فعلته مع البحريني نبيل رجب والمصري وائل غنيم،
ماذا عن إيران وتركيا؟
وقدم الكاتب الكويتي خليل على حيدر مداخلة تساءل فيها عن الدور التركي، مشيراً إلى أنقرة لديها مصالح في كل دول الخليج وفي العالم العربي، كيف نتفاهم معها؟ فهي دولة نصف أوروبية وعضو في «الناتو»، و العالم العربي- كما يرى حيدر- ليس لديه وضوح في الرؤية تجاه تركيا، هل هي بديل سُني للتوازن مع إيران الشيعية؟ هل هي جسر لنقل الحداثة إلى العالم الإسلامي، ويرى حيدر أننا نجهل تركيا، علماً بأن لديها علاقات واسعة مع إسرائيل وبعض الدول الآسيوية. ويستطرد حيدر في مداخلته، ليتحدث عن إيران، مشيراً إلى أن لديها مشروع وأجندة، وهذا غير موجود في العالم العربي، ولا يوجد اتفاق عربي على سياسات عامة، وفي مجلس التعاون لا تزال سياسات الدول الست متباينة تجاه طهران. ويطالب حيدر بإجراء دراسات معمقة حول أزمات المنطقة تقوم بها مراكز البحوث وأقسام العلوم السياسية والصحافة الخليجية من خلال دراسات علمية.
نظام «إخواني»
وقدم الكاتب والباحث العراقي رشيد الخيون مداخلة، أوضح فيها كيف أن التحالف بين النظام القطري وجماعة «الإخوان» يتجاوز مجرد استخدام الدوحة للتنظيم في تعزيز دورها الإقليمي، بل إن محمد عبدالمطلب الكوني أشار في أحد كتبه إلى أن أمير قطر السابق قال له إنه «إخواني»، وتدخل النظام القطري لدى معمر القذافي من أجل الإفراج عن «الإخوان» وإعادتهم لوظائفهم وطالب بتمكينهم من ملف التربية والتعليم، وهذا يؤكد أن النظام القطري «إخواني».
وانتقلت الكلمة إلى خالد عمر بن ققه.. قائلاً إن الصحافة التركية بعد الأزمة اعتبرت أن قطر حليفاً استراتيجياً لأنقرة. وبالنسبة للحديث عن دور ثقافي، يرى د.عمار أن النظام القطري لتحقيقه، فإن الدور الثقافي القطري دور مستعار ليس حقيقياً، قطر تريد أن تقول إنها تنحاز إلى الناس، والمثقفون القطريون ليسوا فاعلين، فالبيئة القطرية غير مهيأة لتسيير ثقافة الحرية والانفتاح.
ودعا خالد عمر بن ققه العالم العربي إلى الاشتباك مع التيار العلماني التركي. إيران لديها استراتيجية لكن العرب بلا استراتيجية في هذه اللحظة، فإيران فتحت علاقات مع تيارات لتحقيق أغراضها، فهي دخلت أفغانستان وتحالفت مع بعض التنظيمات هناك خدمة لمشروعها. وأكدت عائشة المري أن قطر تستخدم المال السياسي والإعلام لتحقيق أهدافها، والحكومة القطرية تستخدم «الإخوان» خدمة لمشاريعها.
(تفاصيل الجلسة الثالثة تُنشر غداً)