الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفساد في أفغانستان... مأزق للقوات الأميركية

1 فبراير 2010 21:39
جوشوا بارتلو مدير مكتب «واشنطن بوست» في كابول كان الاجتماع الذي عقد داخل خيمة ساخنة ورطبة في مطار "قندهار" متواصلا عندما دخل ضابط أميركي برتبة مقدم يعمل في سلاح المهندسين ليطرح فجأة سؤالا غير مريح: "كيف أعبر عن هذا؟" كانت هذه الصياغة الاستفهامية هي السؤال الذي ألقاه المقدم الأميركي أمام 40 جندياً ومدنياً أميركياً، ظلوا يجتمعون لمدة أسبوعين في هذا المكان الذي يقع في قلب مناطق "طالبان" السابقة. وللتوضيح فسؤاله ذلك كان يتعلق بواقعة عرض فيها مدير لشرطة الحدود في مدينة أفغانية تقديم قطعة أرض ممتازة، ومعبر إلى باكستان المجاورة، لتشييد منطقة انتظار للشاحنات والمركبات المطلوبة، لتسهيل تنفيذ استراتيجية زيادة عدد القوات التي اعتمدها أوباما. غير أن المشكلة هي أن هذا الرجل نفسه يكسب -كما يعتقد المسؤولون الأميركيون- عشرات الملايين من الدولارات سنوياً من عمليات تهريب الأفيون، وابتزاز عربات النقل. وقد أراد المقدم الأميركي أن يعرف تعليق المجتمعين على هذه الواقعة فسأل سؤالا آخر: "هل هناك أحد آخر ينظر إلى هذا باعتباره مشكلة؟" ولاشك أن ذلك الصمت المطبق الذي ساد عقب إلقاء هذا السؤال قد كشف عن المعضلة الأساسية التي تواجهها الولايات المتحدة في الحرب التي تخوضها في أفغانستان. فبعد مرور ثماني سنوات من القصف بالقنابل، ومطاردة المتمردين، يعرب الآن العسكريون الأميركيون في أفغانستان بشكل صريح عن الحاجة الماسة لمواجهة الفساد، وتعزيز شرعية الحكومة. والراهن أن الفساد هناك يمثل عدواً معقداً. فقد يريد العسكريون الأميركيون إقالة، أو تهميش، المسؤولين الأفغان الفاسدين مثل العقيد "عبدالرازق"(33) قائد شرطة الحدود بمدينة "سبين بولداك" الذي يشير إليه الضابط الأميركي، إلا أن الفساد عندما تتم المفاضلة بين مواجهته، وبين التصدي للأولويات الأخرى مثل المحافظة على الأمن في المدى القصير، وجمع المعلومات الاستخبارية عن "طالبان"، وتحريك شاحنات نقل الإمدادات والمؤن عبر الحدود، فإنه لا يكون عادة على رأس الأولويات. لكن "ما هو الشيء الذي يجب أن ينصب عليه تركيزنا: هل هو الأمن والاستقرار؟ أم أنه فعالية الحكومة ومقاومة الفساد؟ لا أدري في الحقيقة لأن مناقشة هذه الأمور تتم في مستويات أعلى مني"، هذا ما قاله الملازم الأميركي "ويليام كلارك"، وهو قائد سرية أميركية تعمل في المنطقة الحدودية بشكل يجعله يلتقي بـ"عبد الرازق" ثلاث مرات أسبوعياً. وأكد "كلارك" أيضاً أن علاقة العمل التي تربطه بـ"عبد الرزاق" ممتازة، وأن ذلك لم يحل بينه وبين مطالبته إياه بضرورة اتخاذ اللازم للحد من تهريب المخدرات، وابتزاز سائقي شاحنات النقل في الحدود. وأضاف: "غير أني لا أستطيع أن أفعل أكثر من ذلك معه، لأنه يفعل ما في وسعه لراحتنا وخدمة مصالحنا، فالمسألة مسألة أولويات في نهاية المطاف". وحالة "عبد الرازق" (المتهم أيضا بملء صناديق الانتخابات ببطاقات مزيفة) ليست هي الحالة الوحيدة للفساد. وعلى امتداد هذا الصراع تلقى العديد من لوردات الحرب والأشخاص النافذين في الأقاليم دعماً قوياً من قبل الأميركيين الذين يسعون، قبل كل شيء، إلى المحافظة على النظام والاستقرار. وفي هذا المقام قد يكون من المفيد الاستماع لـ"جرين تري" ضابط الخدمة الخارجية السابق الذي خدم في خمس مناطق حرب في العالم، وكتب كتاباً عن الدروس المستفادة من التدخل الأميركي في أميركا الوسطى في عقد الثمانينيات من القرن الماضي، الذي يقول إن مثل هذه الحسابات والمواءمات، تجبر العسكريين عادة على التحول عن موقفهم المعلن ضد الفساد. ويشير إلى نقطة مهمة أخرى في هذا الصدد، وهي أن إلقاء القبض على المسؤولين الأفغان الفاسدين يمكن أن يؤدي إلى التأثير على الاستقرار. وفي الشهور الأخيرة كان واضحاً أن القادة العسكريين والمسؤولين المدنيين الأميركيين في أفغانستان قد خصصوا المزيد من الوقت -بالأقوال والأفعال- للتعامل مع مشكلة الفساد. وعلاوة على ذلك بدأ مسؤولون عسكريون من "الناتو" التعاون مع ممثلين من السفارات الأميركية والبريطانية لوضع قائمة بأسماء المخالفين، كما قام العديد من الوكالات الأميركية بالاتصال بهؤلاء الذين يعملون في أفغانستان، وتوفير التقنيات والخبرات اللازمة لهم بما يمكنهم من جمع الأدلة التي يمكن الاستناد اليها في تحقيقات ذات صلة بالفساد. يشار في هذا السياق إلى أن مؤسسات فرض القانون الدولية، والمسؤولين العسكريين التابعين للدول المختلفة المشاركة في التحالف، قدموا يد العون للسلطات الأفغانية من أجل وضع الخطط اللازمة للقبض على مسؤول حدود كبير في قندهار يدعى "سيف الله". فوفقاً للمعلومات التي تم جمعها والمتمثلة في أشرطة مصورة وسجلات مصرفية تبين أن "سيف الله" قد استولى على مرتبات المئات من أسماء رجال الشرطة "الوهميين" أي المسجلة أسماؤهم في الدفاتر دون أن يمارسوا عملا فعلياً، كما استحوذ على النقود من صندوق حكومي كان مخصصاً لمساعدة الأيتام والأرامل. ويقول المسؤولون الأميركيون إن القبض على مسؤول كبير بهذا المستوى يعد أمراً غير مسبوق. وفي وقت لاحق تم القبض على مسؤول شرطة حدود سابق يدعى "علي شاه" من ولاية "باكتيا" بتهمة الفساد أيضاً. ومكمن المشكلة الآخر أن الأمور لا تتحرك بسرعة داخل أجهزة الحكومة الأفغانية. ففي الأسابيع الأخيرة، برزت بشكل حاد الخلافات بين الشرطة ووكالة الاستخبارات الأفغانية حول أي منهما له حق قيادة قوة مكافحة الجرائم الكبرى، وهي خلافات أدت إلى إبطاء وتيرة العمل. وفي الوقت نفسه تم تعطيل تعيين المسؤول الذي اختير ليحل محل "سيف الله" في اللحظة الأخيرة. أما الرجل الذي يعتقد المسؤولون الأميركيون أنه قد ساعد على إعاقة ذلك التعيين فهو معروف لهم جيداً، إنه قائد شرطة عمره في حدود 33 عاماً، ولديه قطعة أرض ممتازة يحتاج إليها الأميركيون في "سبين بولداك"! ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©