الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هل تحدّد الدرجة مستوى الطالب ومدى نجاحه في الحياة؟

هل تحدّد الدرجة مستوى الطالب ومدى نجاحه في الحياة؟
17 فبراير 2009 00:48
أبوظبي- الخبر يبدو عادياً حيث يتعرض دكتور جامعي يدعى دنيس رانكور (51 عاماً) لمساءلة بعد أن تم توقيفه عن تدريس مادة الفيزياء لصف السنة الرابعة في جامعة أوتاوا الكندية، وذلك بسبب منحه طلابه علامات مرتفعة في بداية الفصل الدراسي، وقد تصل المساءلة إلى الطرد· وبحسب وكالة ''ي ب أ''، أوردت صحيفتا ''غلوب'' و''مايل'' الكنديتان أن رانكور قال لطلابه إنه لا يؤمن بنظام الدرجات ولا ببرنامج العلامات المعتمد، لأنه يريد منهم أن يكونوا ''علماء لا رجالاً آليين''''· يثير هذا الخبر عدة تساؤلات مشروعة وهي مثار جدل وتطوير، بناء على الدراسات والاحصائيات، وأولها مدى مطابقة العلامات والدرجات مع المستوى الحقيقي للطالب ، وإن كانت العلامات المرتفعة تعني نجاحاً والمتدنية إخفاقاً ورسوباً؟ الامتحانات مجرد إفراغ محتوى نتساءل دائماً إلى أي مدى تدلّ درجات الطالب أو علاماته على تحصيله الدراسي الحقيقي، أو لنقل على معرفته الكافية بما قرّر في المناهج الدراسية، وهل الدرجات تشكّل دليلاً وحيداً- وبعيداً عن المبالغة- أو تشكّل دليلاً كافياً لتقييم الطالب؟ باختصار، أرى أن الآلية التقليدية والتي تطورت في الوقت الحالي وتغيّرت ولا تزال في إطار التطور، تقترب بشكل من الأشكال من تحديد هذا المدى في التحصيل العلمي، لأنها لم تعد ترتكز على مجرد افراغ محتوى ما حفظه الطالب على الأوراق، وقد اعتمد لذلك تقسيم في التقييم يتعدى الامتحان الخطي وحتى الشفهي· وقد تم الانطلاق من كون الامتحانات وما تظهره من معرفة الطالب بمحتوى الكتاب، لم تعد أسلوباً صحيحاً لتقييم الطالب، ذلك أن الحفظ هو أدنى المهارات المطلوبة من الطالب، فنحن لا نريد ببغاء إنما طالباً يعرف المعلومة ويفهمها ويطبقها في المواقف الحياتية، ويحلّلها بحيث أنه يكون محلّلاً للموقف وفاعلاً ومتفاعلاً معه·· وبطبيعة الحال تختلف المستويات في هذه المجالات من طالب إلى آخر· ما يهمّ هو القدرة على إعمال الفكر، وفي هذا الحال من الواجب علينا أن يرتكز تقييم الطالب على مهاراته وأدائه· ونعود إلى السؤال إذا ما كانت الدرجات أو العلامات التي تعطى للطالب تدلّ على مقدار تحصيله الفعلي! إذا كان تقييم الطالب أو آلية التقييم مبنية على أسس ومعايير واضحة للمعلم وبالتالي بوسع الأخير قياس مدى تطور الطالب، ففي هذا الحال تعطي الدرجة أو العلامة مدلولاً معيّناً· هذا من جهة، أما من جهة ثانية فثمة الكثير لأخذه بعين الإعتبار، ومثالاً التنبه إلى الظروف الخاصة والعامة المحيطة، بمعنى النظر إلى ظروف الطالب المحيطة وظرفه الصحي مثلاً خلال الامتحان كي لا تكون الدرجة بمثابة الحكم القاطع إنما بمثابة عملية مستمرة، وهنا يحضر السؤال حول مدى المسافة أو الأساس الذي يرتكن إليه الأستاذ في عملية التقييم، لأنه لا يجوز أن ينتج التقييم عن عملية اعتباطية أو حتى عفوية ومن الضروري معرفة الأسس والمعايير المتبعة· الأساس عبارة عمّا نسمّيه التقييم المستمر، بمعني عدم الاعتماد على امتحان واحد أو على امتحان نهاية الفصل لاتخاذ القرار بالدرجة التي تسجّل للطالب، فهناك الامتحانات الصغيرة وملاحظات الأستاذ والتركيز على البحوث والمشاريع التي تطلب من التلاميذ ومدى الاعتماد على المراجع لدى إنجاز البحوث أو المشاريع لتمدّه بالمعرفة وكيفية استخدامها لخدمة الهدف· وبالتالي، بوسعي القول إن الامتحان وحده ليس ركيزة لتقييم الطالب، والدلالة أن من حق المعلّمين ومن واجبهم أن يكونوا مطّلعين وملمّين بأسس التقييم الحديث والمعاصر، وأن يعملوا في ضوء معرفتهم هذه على تدريب الطالب على الأسس الجديدة فنرتقي بمفهوم المعلّم هنا إلى مستوى يتعدى تعليم الطالب وتلقينه إلى تدريبه على فنّ التعلّم· فالتعلّم لا يقتصر على حجرة الصف، إنما هو عملية مستمرة في الحياة ككلّ لأن الانسان يتعلّم حتى وهو يسير في الشارع، يتعلّم وهو يسير في حياته· قد يجنح البعض في نظرته إلى أسس التقييم خارجاً عن كل نظام أو معيار، لكن أي شيء نقوم به في حياتنا يجب أن يرتكز على أساس وأن يكون مخططاً له، إذ أن الأشياء ليست بهذه البساطة ولا يجوز التعامل معها عشوائياً، فحتى ملاحظات المعلّم حول أداء الطالب يجب أن تكون ممنهجة، وقد عملت حكومة الإمارات على وضع أسس لتسجيل الملاحظات وقد عملنا على رصد درجة تقييم للملاحظة وللتقرير وللأسئلة الصفية وللفروض وللامتحانات الخطية والشفوية والعملية؛ ومن غير الممكن أخذ الأمور بشكل اعتباطي وعشوائي من دون أسس وعلامات واضحة· ومن حق الطالب أن يأخذ مهارات في كل شيء، أن يتاح أمامه كل شيء لا أن يتم التركيز على جانب من دون الآخر في عملية تعليمه· وأكثر من ذلك، بات البحث حالياً يدور حول الدرجة والمستوى في محاولة لتفضيل بينهما، فثمة من يتحفظ على الدرجات ويفضل التقييم على أساس المستوى مستنداً إلى عدة أسباب، منها مثالاً اعتبار التلميذ أو الطالب الذي حاز على علامة 91 على مئة أقل درجة من الحائز على درجة ،92 في حين أن المستوى في هذا الحال هو عينه ولا فرق بين الـ 91 والـ92 في عملية التقييم· وهكذا حين نتحدث عن الامتحانات المعتمدة على اختيار الإجابة الصحيحة من ضمن ثلاثة خيارات، وحين نضع على هذا الأساس علامة 60 أو ،70 وما الفرق بينهما حين تعتمد عشر علامات للسؤال، فلو يتحوّل هذا التقييم قليلاً ليستعاض عن الدرجات بالمستويات؛ ولهذا النمط الأخير إيجابياته بحيث أن الطالب يخضع لضغط وهو يقوم بامتحانه نتيجة سعيه لتحقيق علامات ودرجات معيّنة، وما يهمّنا هو تقييم هذا الطالب وليس وضعه في خانة معيّنة وليس التطلّع إليه بقدر ما قد خزن وحفظ من كلمات في رأسه· فثمة ثقة الطالب بنفسه ومدى تفاعله مع المعلومات وصحته وظروفه وسلوكياته، فنحن نبني العقل ولا نخزّن فيه، وبالتالي علينا أن نزيل من الضغط الذي يوضع تحته الطالب في عملية التقييم القائمة على أحادية في التعاطي معه· ومن هنا، لا بد من البحث بالعمل على المستوى وليس على الدرجة والعلامة! آكلو الكتب ·· فاشلون مهنياً ليست العلامات إلا مقياساً للشخص ذاته، أي الطالب، إذ تشكّل بالنسبة له مدى اهتمامه بما يقوم به وبما تمكّن فيه من تحصيل معلومات إضافية· فالعلامات المرتفعة تبرز جديته ومتابعته وجهده الذي يبذله، والعلامات الضعيفة المتدنية تبيّن إهماله وعدم إهتمامه بما يدرسه· لكن، ليست العلامات أيضاً ذلك الحكم الصارم لقدرة الطالب، لأن ما يتعلّمه ويتلقّاه من معلومات قد لا يتفاعل معها على المستوى النظري، إنما على المستوى العملي، وهذا يعود إلى طبيعة كل شخص· ففي الحياة العملية، قد يبرز ويتميز الطالب على الرغم من عدم تمكنه عن التعبير خطياً ونظرياً بالكلمات عن محتوى فهمه· كما أن العلامات المرتفعة عند الشخص المجتهد قد تبرز أيضاً في إيجابياتها عند تحصيله العلمي حين ينطلق إلى الجانب العملي· فالمتابعة المجدّة في الدراسة قد تستمر توقداً واستيعاباً لافتاً في ميدان العمل· فالعمل بحد ذاته علم ومعلومات إضافية هائلة نسبة لما يدرسه نظرياً، وبالتالي فإن الجدّ في الدراسة يستمر في العادة مع الطالب في العمل· وقد اكتشفت كوني طالبة أتلقى تدريباً أن لميدان العمل عالمه الشاسع في كمّ المعلومات الهائل الذي أتلقاه من خلال التطبيق المباشر، ومن دون شك فقد ساعدتني علاماتي المرتفعة التي تدلّ على تنبّهي لما تلقيته نظرياً في الولوج مباشرة ومن دون صعوبات في المادة التدريبية، وبالتالي فإن خلفية الدراسة مساعدة بشكل كبير لأي طالب في العمل· في المقابل، شاهدت زملاء لا يحصّلون علامات مرتفعة في الجانب النظري لكنهم برعوا في الجانب التطبيقي وأبدوا مهارات عالية، وزملاء متفوقين إنما لا يعرفون كيفية التحرك في الوسط الميداني العملي ويفتقدون إلى الأسلوب الناجع للتواصل مع محيط العمل والتفاعل معه في سبيل الانتاج في مجالهم·والأخيرون، أي المتفوقون إنما الفاشلون في ميدان العمل، نطلق عليهم تسمية ''آكلو الكتب''، فهم يستطيعون أن يحفظوا كل الكلمات في الكتب ولكن لا قدرة تحليلية لديهم ولا قدرات على التواصل· وبالإضافة إلى فئة ''آكلو الكتب''، ثمة الطلاب الذين ينجحون بالصدفة في الامتحانات القائمة على اختيار إجابة صحيحة من ضمن عدة إجابات خاطئة، وهنا تكون الخيارات متاحة أمامهم وتلعب الصدفة دورها فيحصّلون علامات مرتفعة من غير جهد يبذلونه· والدليل على ذلك، أولئك الذين يتخصصون في مجال لا يحبونه فيدرسون المواد من أجل تحصيل علامات من دون أي تفاعل مع المادة أو حتى من دون إرهاق النفس لفهمها، فتكون مجرد علبة جامدة من المعلومات يصبّونها في كل امتحان يتقدمون إليه وينالون علامات مرتفعة؛ وقد لاحظت عبر سنواتي الدراسية أن الدولة في الإمارات ووزارة التربية والتعليم تعمل على استدراك هذا الأمر بحيث أن العلاقة بين الطالب والمدرّس أصبحت أكثر قرباً لجهة اعتماد عملية تقييم للطالب لا تتوقف عند ورقة الامتحان الفصلي والنهائي، إنما هي علاقة يومية تعتني بمستوى الطالب أكثر من عنايتها بعلاماته أو درجته من خلال إتاحة الفرصة أمامه للتعبير عمّا تلقاه وتفاعل معه من معلومات بأساليب متعددة ومختلفة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©