الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الرومانسية صنع ألماني

15 يوليو 2014 00:58
موعود هذا الماراكانا مع بحر الدموع، وقبل 64 سنة سالت وديان من العبرات والمنتخب البرازيلي يعجز عن تحقيق حلم الملايين من البرازيليين، في القبض على أول لقب عالمي فوق الأرض اللاتينية، وبالأمس بكى بحرقة عندما هوى صرح السيليساو من درج نصف النهائي أمام الماكينات الألمانية، فأصبح مستحيلاً أن يلعب على أرضه نهائياً تعلق به البرازيليون، منذ أن أسند لبلدهم شرف تنظيم المونديال لعله يبيد إلى الأبد الوشم الذي تركته على الصدور وعلى صفحات التاريخ الهزيمة القاتلة أمام الأوروجواي سنة 1950، ويوم الأحد عند إسدال الستار على النسخة العشرين لكأس العالم تقطعت أحشاء الماركانا وهو يسمع أنين ونحيب الآلاف من الأرجنتينيين ومنتخب التانجو يعجز عن صد ما كان مستحيلاً، لأزيد من سبعة عقود، أن يظفر منتخب أوروبي بكأس العالم فوق أرض لاتينية، وفي جحور ملعب الميتولوجيا وفي كل زواياه سيبقى للأبد صدى من أساطير إما تحكي عن إلياذات كروية وإما تروي عن مآس قلبت مجرى التاريخ. الذين تفضلوا بالإبحار معي في كل السفريات على طول المونديال، يذكرون أنني قلت مرة إن حفيفاً غريباً أشعر به آت إلى المونديال ليجعل منه لحظة أسطورية، وقلت وأنا أقرأ نوايا المنتخب الألماني في إرهاصاته الأولى إن لا أحد غيره يستطيع أن يفك الشيفرة المعقدة وينتزع الكأس العالمية للمرة الأولى من بلاد لاتينية، وقلت متحدثاً عن الدور نصف النهائي الذي جمع البرازيل بألمانيا، إن البطل سيولد من رحم هذه المباراة، وقلت بعد الكرنفال الألماني الذي مسخ السامبا البرازيلية، إن المانشافت مؤهل فوق العادة، لأن يكون البطل النموذجي والمثالي لهذا المونديال، وأبداً لم أكن في كل هذا الذي حدسته منحازاً لنزعة عاطفية بقدر ما كنت مستحضراً لمنطق المقارنة والمقاربة والذي يقول إن كفة المنتخب الألماني هي الأرجح، فهذا الفريق له القدرة ليس فقط على توجيه دفة اللعب وإحكام السيطرة على الإيقاع وتمثل الشكل الجماعي المفضي للنجاح الاستراتيجي، ولكن له الاستعداد القبلي لأن يعطينا الكرة الرومانسية التي بكينا زمناً طويلاً موتها السريري، الكرة الرومانسية التي تنتصر للفعالية الجماعية. ولأننا رأينا بالعين المجردة أن منتخب الأرجنتين ما وصل إلى المباراة النهائية إلا لأنه تقنع دفاعياً بشكل رائع وغير مسبوق برغم أنه يملك في جبهة الهجوم لاعباً استثنائياً هو ليونيل ميسي، فقد توقعنا أن يأتي اللقاء النهائي على شاكلة المباريات الشطرنجية، صراعاً على أشده بين منظومتين متباعدتين في الجوهر التكتيكي وحتى في المبنى الاستراتيجي، وبينما تأكد لنا أن أكتاف ميسي لا تقوى أبداً على حمل أحلام الأرجنتينيين بالقبض على النجمة الثالثة، كما كان الحال في مونديال 1978 مع ماريو كامبيس وفي مونديال 1986 مع دييغو مارادونا، وأن رئة هي التي تجلب إكسير الحياة «أنخل دي ماريا» تعطلت عن العمل، كان ماثلاً للعيان أن المنتخب الألماني يمثل قوة دفع جماعية رهيبة، قد تكون قطع بالذات لها أهمية مطلقة في دوران الآلة مثل نويير وفيليب لام وشفتشتايجر وبدرجة أقل مولر وكروس، إلا أن مصدر القوة هو في هذا التناغم الكبير الموجود بين كل أضلاع الفريق إلى الحد الذي يجعله الأكثر حضوراً وبروزاً على مستوى كل الأرقام والإحصائيات التي تعتمد اليوم في المفاضلة بين المنتخبات. عندما نطالع كل الأرقام التفصيلية نجد أن المنتخب الألماني يتسيد كثيراً منها، فلماذا لا يكون هو البطل الأجمل والأمثل للمونديال.. لماذا لا يكون منتخباً دالاً على أن الكرة الرومانسية صنع ألماني. drissi44@yahoo.fr
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©