السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لقيمات حليمة علي ومأكولاتنا الشعبية أطباق لكل الجنسيات

لقيمات حليمة علي ومأكولاتنا الشعبية أطباق لكل الجنسيات
17 فبراير 2009 00:40
تشكّل بعض الحرف على الرغم من البساطة التي قد تتصف بها خبرة كبيرة لمزاولها تمكنه بعد سنوات من ممارستها أن يقدم خلاصة تجربة تروي حكاية عشرات السنين التي أمضاها في حرفته مع أدواتها وتفاصيل أدائها خاصة إذا كانت كمهنة الوالدة حليمة علي التي أمضت 35 عاماً في مجال تحضير المأكولات والحلويات الشعبية في أقسام الضيافة التابعة للمؤسسات التراثية والنسائية في الدولة· تساهم في نشر عادات وتقاليد جميلة تكرس قيم الكرم وحسن الضيافة وطيب الاستقبال، عبر تقديمها الحلوى التي تعدها لآلاف زوار تلك المؤسسات التي عملت بها· وتتخذ الوالدة حليمة علي من ركن قصي في مركز الاحتفالات، مكاناً لها، تتربع فوق فراش صوفي قبالة منقل غاز يتصاعد لهيب النار منه، تصب على المقلاة الساخنة أقراص العجين، ترسمها بالملعقة فوق سطح المقلاة على هيئة رغيف صغير أو كبير الحجم بينما يلتف حولها بعض زوار القرية من المواطنين والمقيمين على أرض الدولة والسياح الذين يزورون أبوظبي للاطلاع على معالمها التاريخية ونهضتها الحاضرة وموروثها الشعبي· من خلف غطاء الوجه، تلمع ابتسامتها ترحب بالحضور، مؤكدة للأطفال الذين يتدافعون ليحصلوا على مقدار آخر من الضيافة ''اللقيمات وخبز الجباب'' بأنها ستقدم لهم المزيد، فور انتهائها من تقديم صحون الحلوى للسياح الأجانب·· فيبتسمون ويطلقون ضحكات خجولة، وبعضهم يفسح المجال ليتقدم السائح نحوها، وما إن يمد يده إلى جيبه يلتقط بعض الدراهم؛ ثمناً لصحن حلوى اللقيمات، حتى تنتفض الوالدة حليمة مذعورة ومستهجنة تقاضي المال مقابل الضيافة والكرم الإماراتي· وحين يفهم مغزى رفضها، يهز رأسه تعجباً؛ وإعجاباً· وتواصل الوالدة حليمة طوال أيام المهرجانات أو الملتقيات التراثية، أو السباقات والبطولات الرياضية الشعبية، تقديم شتى أصناف الحلويات والمعجنات المحلية، خاصة ''خبز الرقاق، واللقيمات، والجباب'' التي ما إن يتذوق الضيف بعضاً منها، حتى يعود أدراجه إليها ثانية، يطلب المزيد من تلك الحلوى الشهية·· ولا يمنع أن تفتح حديثاً عاجلاً مع ضيفة أو سائحة ما إلى حين إعدادها المزيد من الحلوى، لتفاجئ السائحة بأنها تجيد التحدث باللغة الإنجليزية، وترحب بها وتخبرها عن تفاصيل متعلقة بمقادير وإعداد الطبق الذي تقدمه لها· أيام زمان ترسم علامات الزمن خطوطاً على وجه ويدي الوالدة حليمة، الجدة التي تبلغ نحو 60 عاماً من عمرها، ولديها عشرة أحفاد من أربعة أبناء، وقد عاشت الماضي بحلوه ومره، وعاصرت قيام الاتحاد ونهضة الدولة الشاملة، ولم تكن تتوقع أن تمارس حرفة إعداد المأكولات الشعبية، تقول: '' قبل نحو30 عاماً، أي قبل انضمامي إلى قسم الضيافة في جمعيات نسائية· لم أكن أتوقع أن أعمل في هذا المجال، حيث كنت أميل بداية إلى مهنة أشغال ''السدو''، بل عملت فيها لمدة عام كامل، لكن سرعان ما انضممت إلى فرق قسم ''الضيافة'' الذي احتاج وجودي آنذاك، نتيجة لاستحداثه تلبية لواجب حسن ضيافة زوار الدولة وضيوفها، حيث يغطي عدة فئات أهمها (الدخون والبخور والقهوة العربية، الفوالة والتمور والفاكهة، المأكولات والحلويات الشعبية) واستمر عملي في هذا المجال المتصل بالكرم والسنع الحميدة حتى يومنا هذا، في عديد من المؤسسات التراثية وفي مقدمتها ''نادي تراث الإمارات''· تعلم وتعليم خلال شهور عملها الأولى كمتطوعة في فئة طهي ''المأكولات الشعبية والحلويات''، تعلمت الوالدة حليمة كيفية إعداد مجموعة من الوجبات والأطباق، منها ما هو دسم يعتمد على اللحوم والخضراوات، ومنها مأكولات خفيفة كالحلويات، أتقنتها بعد شهور قليلة من وجودها ضمن كادر فئة ''المأكولات'' كما اكتسبت مهارات كثيرة في فنون هذه المأكولات، تشير إليها وتقول: ''طورت بعض من الحلوى الشعبية، وأضفت العسل والقشطة إلى ''الجباب'' ولم نكن نميل كثيراً إلى العسل، لأن دبس التمر كان أشهى بالنسبة لنا· كما ابتكرت من المعجنات أشكالا تراثية بسيطة أقدمها للضيوف والسياح·· ورويداً رويداً اُسندت إلي مهمة تعليم الفتيات وصغار السيدات ما تعلمته أنا من فنون إعداد وتقديم المأكولات الشعبية، وبالفعل وضعت كل معلوماتي وخبرتي في خدمة القسم، خاصة أن عماد عملنا يعتمد على الكرم وحسن الضيافة واستقبال ضيوف الدولة بشكل لائق يعرفهم بتراث بلدنا وعاداتنا وتقاليد أجدادنا الحميدة· وكنت أعلمهن عبر دورات سنوية، فكنا كل عام نقيم دورتين تعليميتين في فنون الطبخ بكل أنواعه، خاصة المحلي الخاص بالإمارات''· ثبات والتزام انطلاقاً من كون إعداد وطهي وتقديم ''المأكولات والحلويات الشعبية'' مهنة تتصل بالتذوق وجودة الإعداد والتحضير، مارستها الوالدة طيلة سنوات بحب والتزام كبيرين، بحيث لم تنقطع عن العمل طيلة تلك السنوات إلا لشهرين ونصف الشهر، إثر فقدها لزوجها الذي توفاه الله بعد مرض استمر لسنتين·· لكن الظروف التي تلت الوفاة جعلتها تستمر في الحياة بثبات، وتمضي قدماً في تربية أبنائها بمفردها، حيث انصرفت بنفسها إلى تدريبهم وتعليمهم، والتزمت بكل ما يخصهم خطوة بخطوة، تقول: ''أشكر الله أنني أنتمي لهذا الوطن الذي يحمينا ويصون كرامتنا ولا يحيجنا إلى شيء أبداً· لقد أنهى أبنائي تعليمهم الدراسي وتوظفوا وتزوجوا دون أن ينقص علينا شيء· نعم صحيح افتقدنا وجود الأب بيننا كثيراً وتألمنا، لكننا كنا بألف خير من الله، وبفضل من حكومتنا الرشيدة وشيوخنا الكرام· فليست غريبة على من يكرم ضيوف بلده وزوارها، أن يكرم أبناء وبنات بلده''· الماضي والمستقبل تشعر الوالدة حليمة عندما تسترجع الماضي، وتتذكر بعض التفاصيل، بأنها لا تزال تعيش في زمن الأجداد، حيث الطفولة الدافئة، تقول في ذلك: ''تراودني دائماً ذكرى اجتماعي بقريناتي الصغيرات قبالة البيت نمارس الألعاب الشعبية، بينما آباؤنا في مواسم الغوص، وأمهاتنا يخطن الثياب ويصنعن مشغولات سعف النخل ويسهرن على تربيتنا وأخواننا، دون تأفف من شظف العيش وقسوة الحياة آنذاك''· تضيف: ''وكما كان للمرأة دورها في مجتمعها المحلي الصغير، وكانت تقوم بمهمات متعددة تؤكد تضحياتها وصبرها، كذلك أرى فتيات اليوم اللواتي يساهمن في بناء مستقبل مشرق لهن ولمجتمعهن، حيث استفدن من كل الدعم والرعاية وفرص العلم والعمل التي أتاحتها لهم الدولة كي يحققوا مستقبلاً رائعاً، دون أن ينسين ماضي الجدات والأجداد وما عانوه في حياتهم آنذاك''· أبناؤنا أكبادنا أصبحت الوالدة حليمة منذ سنوات عديدة، جدة لعشرة أحفاد·· يغير ذكرهم نبرة صوتها فتتراقص سعادة وهي تتحدث عن لهوهم وشقاوتهم، تقول: ''أقضي معظم أوقاتي حين لا يكون لدي التزام في فعالية أو نشاط، وللأسف ليس لدي بنات كي أعلمهن فنون طهي وإعداد مأكولات، بل لدي أربعة صبيان جميعهم تزوجوا وأنجبوا، ومعظمهم يعملون في مؤسسات الدولة، وقد علمتهم حب الوطن والإخلاص له، وأن لا يهدروا تعبي في تربيتهم، لكنني -والحمد لله- راضية جداً عليهم وعلى سلوكياتهم وأخلاقياتهم التي أعتز بها''· وتضيف: ''أما بناتي اللواتي أعلمهن وأدربهن على طهي المأكولات الشعبية، ففي كل مهرجان أو معرض أو مناسبة تختص بالتراث أكون السباقة للمشاركة في الفعاليات، لأساندهن وأعزز نشاطهن وعزائمهن، وذلك كي تتعرف بنات اليوم -وشبابها- على حرف الماضي التي لم تندثر، بل لا تزال هناك الكثير من الجدات والأجداد يمارسن هذه المهن والحرف البسيطة عن حب وتقدير للتراث· ومهمة تشجيع الأبناء على التعرف على تلك المهن وممارستها كهواية ومن باب العلم بالشيء، هو واجب علينا نحو الأبناء''· تقدير الجهود تسترسل الوالدة حليمة في حديثها، وتعتدل في جلستها فوق فراشها الصوفي، بينما تشع من خلال غطاء وجهها ابتسامة عريضة ممزوجة بالفخر، وتقول: ''الحمد لله حصلت خلال فترة عملي لسنوات في فروع الجمعية، على عدة شهادات تقدير لمشاركاتي فى العديد من المهرجانات التراثية والمناسبات الوطنية والرسمية، وأفخر بتلك الشهادات، خاصة أن معظمها تلقيته إثر مشاركاتي في إعداد المأكولات الشعبية لضيوف الدولة خلال الاحتفالات بالأعياد الوطنية، كما شاركت في مؤتمرات وملتقيات خاصة بالاتحاد النسائي، ومهرجانات في الدولة وبعض دول الخليج، حيث تقوم العاملات في الجمعية بكافة أقسام وفئات الموروث الشعبي، بالتعريف بحرفتها أو عملها التراثي سواء كان، الحياكة أو الخوص أو نقوش الحناء أو المأكولات والحلويات الشعبية''· يعتبر ''خبز الرقاق'' من أشهر أنواع المعجنات -الخبز- يتألف من عجينة رخوة، تقطع على شكل كرة دائرية، وترقق يدوياً إلى أن يكبر محيط قطرها، ثم تبسط على ''الطابي'' وتوضع على النار، حتى تجف وتتحول إلى خبز، ثم تقش الخبزة بواسطة ''المحماس'' وهو عبارة عن يد مصنوعة من المعدن تحرك بها حبوب البن أو ترفع المعجنات عن النار· في حين يؤكل خبز الرقاق بعد أن يوضع على العسل أو دبس التمر أو السمن والسكر، كما يؤكل أيضاً على شكل ثريد· وتشير الوالدة حليمة علي، إلى مقادير وطريقة إعداد خبز الرقاق، وتقول: ''نحتاج إلى كوبين طحين، فنجان سكر، ثلاثة أكواب ماء، بيضة واحدة، ملعقة صغيرة خميرة، ملعقتان كبيرتان حليب بودرة، رشة من الملح والهيل والزعفران·· تخلط جميع المقادير مع بعضها، باستثناء البيضة، وتترك العجينة السائلة تتخمر لمدة 10 دقائق، بعد ذلك تضاف البيضة ويمزج الخليط مجدداً، ثم تدهن المقلاة بالزيت وتترك لتسخن، ثم يصب مقدار ملعقة كبيرة من العجين فوقها، يترك القرص حتى يجف السطح العلوي ثم يقلب على الوجه الثاني· بعدها يرفع عن النار، ويصبح جاهزاً للتقديم مع العسل أو الدبس· أو يؤكل مع الثريد والمشوي من الذبائح''· بدورها تعدّ ''اللقيمات'' أي كرات المعجنات التي تسمى في بعض البلاد العربية ''لقمة القاضي'' أو ''فواشات'' إحدى أشهى المعجنات المحلية، ويعد شهر رمضان المبارك موسمها اليومي غير المنقطع· كما تتوفر دائماً في مراكز ضيافة أندية وقرى التراث· وتشير الوالدة حليمة إلى مقادير وطريقة إعداد ''اللقيمات'' وتقول: ''نحتاج إلى كوبين دقيق بر، كوب دقيق ذرة، كوب ماء، خميرة خاصه بالخبز، بيضتين، رشة صغيرة ملح وهيل مطحون وزعفران، علبة روب، ملعقتين ماء ورد، نصف فنجان سمن·· وخلال التحضير ينخل الدقيق ويوضع في إناء عميق ويوضع معه دقيق الذرة، ثم نضيف البيض وباقي المقادير (ماء وروب وخميرة مذابة وزعفران وسمن وهيل وملح وماء ورد) ويعجن جيدا وتترك تختمر لساعتين· بعد ذلك نغلي الزيت في مقلاة واسعة كي تقلب اللقيمات تلقائياً حين نقطعها قطع صغيرة دائرية ''كرات'' ونلقيها في الزيت المغلي، ونستخرجها منه حين يشقر لونها، ونضعها على ورق يمتص الزيت، أو في مصفاة· وتؤكل اللقيمات مع العسل أو دبس التمر أو الشيرة بالزعفران''· كما يعتبر ''الجباب'' أحد أنواع المعجنات الشهيرة، وهو عبارة عن رغيف صغير جداً بحجم باطن الكف· يؤكل منفرداً أو توضع داخله قطعة جبن أو تمر أو قشطة أو حبات زيتون· وتشير الوالدة حليمة إلى مقادير وطريقة إعداد ''الجباب''، وتقول: ''نحتاج إلى كوبين طحين، أربع ملاعق حليب بودرة، كوبين ماء، ملعقة خمير الخاصة بالخبز، رشة ملح وشمّر، بيضه واحدة، سكر حسب الرغبة·· وخلال التحضير نحضر إناء للعجن نضع فيه كوبين الدقيق مع الخميرة المذابة بالماء والسكر والملح، ويضاف إلى المزيج حليب البودرة والشمر· وبعد العجن نغطيه بفوطة قطنية بيضاء، وتترك العجينة تختمر لثلاث أو أربع ساعات· وحين خبز ''الجباب'' نحضر مقلاة واسعة، يخبز عليها مباشرة فوق النار· حين يصب مقدار ملعقة كبيرة في المقلاة الساخنة على شكل دائرة· وخلال ثوان تتسع وتتشكل على هيئة رغيف صغير، يقلب على وجهه الآخر، ثم بعد الانتهاء من خبز الكمية، يوضع ''الجباب'' داخل وعاء فخاري أو زجاجي، ويدهن على كل قطعة منه، سمن وسكر، أو عسل وزبدة، أو يؤكل مع البيض المقلي خلال وجبة الفطور''·
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©