الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قيادة المرأة السعودية للسيارة·· ملف سري للغاية!

قيادة المرأة السعودية للسيارة·· ملف سري للغاية!
17 فبراير 2009 00:38
يظل موضوع قيادة المرأة للسيارة قضية مميزة في العالم، فالبلد الوحيد في العالم الذي لا تقود فيه المرأة السيارة، ولا تمنح فيه رخصة قيادة نظامية هو السعودية· ومع ذلك فالمرأة تمارس قيادة السيارة فعليا في القرى والمناطق النائية، فيما لا يتجاوز بعض المهمات الأسرية اليومية المحدودة، التي لا تنخرط في زحام المدينة، وتتفاوت آراء المواطنين من موظفين وأكاديميين وغيرهم، فالآراء التي ترى منع قيادة السيارة من وجهة نظر فقهية تعتمد على فتاوى سد الذريعة، وعلى أن ما أدى إلى المحرّم فهو محرم، وتنطلق من باب تحريم الوسائل وليس من باب تحريم الذوات، وقد شاع مؤخراً في الأوساط العربية والعالمية أن رؤية منع المرأة من قيادة السيارة في المملكة تنطلق من منظور ديني محافظ بحت·· في هذا المحور نناقش بعض الآراء التي تعارض قيادة المرأة في المملكة العربية السعودية من وجهات نظر بيئية واجتماعية ونظامية بحتة·· يعارض إبراهيم القرشي ـ موظف مدني ـ قيادة المرأة للسيارة في السعودية بشدة، معللاً ذلك بأنه ''سوف يتسبب في زحامات وأزمات سير، فالطرق في المدن الرئيسية والتي تحتاج المرأة فيها للقيادة فعلاً هي مزدحمة أصلاً وتعاني من اختناقات مرعبة، ولكي تقود المرأة السيارة فإن ذلك سوف يكلف ميزانية الدولة لإصلاح الطرق أموالاً هائلة''· ويعلق القرشي على سؤال حول ما إذا كان يدعم قيادة المرأة السعودية للسيارة في القرى قائلاً: '' لست ضد قيادتهن في القرى والمدن، لأن بعض النساء في القرى والأرياف يتمتعن بقيادة السيارة لقضاء حوائجهن اليومية البسيطة، رغم أنهن لا يمتلكن رخص قيادة، لأسباب تتعلق بتنظيم السير والذوق الاجتماعي''·· ويبدي القرشي رأيه في مسألة الضغط من قبل بعض الجهات المناصرة للمرأة على مسألة قيادة المرأة للسيارة قائلاً: ''لو سلمنا لأحد هؤلاء مشروع قيادة المرأة للسيارة، فأتوقع أنه سوف يمنع قيادتها في الوقت الحالي، لأن الوسائل التي تمكنها من قيادة صحية وسليمة غير متوفرة وتكلف ميزانيات لا طاقة للخزانة بها''· متابعاً: ''هؤلاء يبحثون عن حرية المرأة كفكرة، ونحن لسنا ضد الفكرة، وعليهم أن ينتقلوا من مربع مناقشة الفكرة إلى مربع مناقشة الوسائل، نريد مهندسين ومخططين اختصاصيين قادرين على طرح نظريات قيادة المرأة مصحوبة بالطرق الصحية لجعلها قيادة مفيدة للمرأة ولبيتها وأسرتها''· معللاً الضغط على مسألة قيادة المرأة بأنها خوض لمعارك جانبية ربما يكون الدافع إليها ''مجرد الرغبة في الظهور كمعارضين ودعاة للحرية أو البحث عن إشباع شهوة النظر ليس إلا''· واستطرد القرشي: ''فمثلا نحن لا نحتاج إلى معارك لدخول السينما في الوقت الحالي، وحتى لو دخلت السينما فهل يتغير من واقعنا الاجتماعي الصعب شيئاً؟ لماذا لا يتصدى دعاة السماح للسينما مثلاً ويناضلون لتوظيف الشباب، ولماذا لا ينادي المنادون بحق المرأة للحد من العنف المنزلي وضرب الزوجات؟ ولماذا لا ينادي هؤلاء بوضع جزاءات وعقوبات ومنع للطلاق الكيدي أو زواج المسيار؟ ·· ولماذا لا يناضلون من أجل حقوق الأمهات والأرامل وتشكيل لجان لمنع إيذاء بعض ضعاف النفوس لأمهاتهم واستيلائهم على الدخل الضئيل لأسرهم الضيعفة''؟ ويؤكد القرشي: ''أنا أعلم علم اليقين أن كثيراً ممن يدعون لقيادة المرأة لإشباع شهوتهم برؤية المرأة تقود بجوارهم في الشارع فقط، وهذا لا يعني أنني أقول إن قيادة المرأة تقود إلى الانحراف، ولكن أدعو لضوابط، أن تقود المرأة وهي منضبطة ومحتشمة ومحمية العرض، لأن حماية العرض من مقاصد المجتمع المسلم، وهي مما يميزه عن جميع مجتمعات العالم''· متابعاً: ''نعم، أؤكد أن هذه الحملة تحمل في داخلها أهدافاً أخرى وبعض المدافعين عنها يدافعون عنها ويطالبون بأشياء لا تقر المرأة السعودية بالمطالبة بها''· وزاد: ''المرأة تشارك في مناسبات عديدة منها المنتدى الاقتصادي بجدة واجتماعات الغرفة التجارية ولقاءات مجلس الوزراء، ومبدئياً أنا مع المرأة في كل مطالباتها، بشرط أن تكون مطالبات للمرأة، لكن لا أن تقوم حملات زائدة عن الحد تطالب بأكثر مما تطالب به المرأة نفسها، مما يجعلنا نتأكد أن الهدف من هذه الحملات ليس مجرد السماح للمرأة بالقيادة''· ويرى عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود الدكتور محمد الدغيشم، أن البيئة السعودية غير مناسبة لقيادة المرأة للسيارة، ''وأقصد أن الأنظمة والقواعد واللوائح·· ولكي تصدر لأي مشروع فلا بد أن تهيئ له البيئة المناسبة، أعني البيئة بجميع أبعادها: المادية والاجتماعية والمعنوية·· المرأة تحتاج لتدريب، والمجتمع لا بد أن تتم تهيئته لقبول الأمر، لأن هذا الأمر يمسه بشكل مباشر، والتسهيلات لقيادة المرأة لا بد أن تتوافر، لأن عندنا مشاكل في المرور والطرق والزحام، والمرأة بطبيعتها حساسة في قيادتها وتحتاج إلى حماية، وإلى أن تتدرب على كيفية التعامل مع السرعة الجنونية والمسارات المتعددة''· وأضاف: ''تخيل معي: المرأة الآن في مدينة الرياض مثلا تعاني من المضايقات وهي برفقة السائق، فما بالك عندما تقود السيارة''· وشدد على أنه ''لا بد من نظام قوي وصارم وذي عقوبات رادعة لمنع التحرش، وإعاقة الطريق، نظام يتم تطبيقه بكل صرامة على المرأة والرجل في حالة الانحراف الديني والخلقي، نظام يوفر كافة وسائل الحماية الممكنة للمرأة أيضاً، بمعنى أنه لا بد من تغير البيئة لتقود المرأة السيارة''· الطبيبة وفاء محمد تقول: ''شخصياً أنا أحب قيادة السيارة، وأنا أقود السيارة بالفعل عندما أكون في الخارج''، ولكنها تستدرك: ''ولكن حتى لو أتيحت للمرأة قيادة السيارة فلن يكون بمقدوري القيادة داخل المملكة وذلك لأن الازدحام سوف يتضاعف أضعافاً مضاعفة، ولأنني أيضاً سوف أعاني من مضايقات شديدة في القيادة، لأن الأجواء غير مهيأة ولا هي صحية للقيادة''· وتضيف: ''في بعض المناطق من العالم تمنع المرأة من قيادة سيارات الأجرة للمخاطر، وكذلك من قيادة الشاحنات التي تتنقل بين المدن، وقيادة المرأة للسيارة في السعودية حالياً تشبه إطلاق قطة ناعمة بين مجموعة من الكلاب· فمهما كانت الرقابة والعقوبات شديدة، وحتى لو كانت الكلاب مقيدة بالسلاسل ومكممة الأفواه فإن أحداً لن يمنعها من النباح''· وتعليقاً من الطبيبة وفاء عما تحتاجه المرأة لتستطيع القيادة تقول: ''في نظري لكي تقود المرأة السيارة نحتاج لوعي خاص بأن المرأة كائن بشري طبيعي، وكائن فاضل، وكائن مسلم يجب عليه أن يتصف بالفضيلة والقانون، ومع ذلك لن أستطيع أبدا أن أتخيل امرأة تتعطل بها السيارة في منطقة نائية من المدينة في منتصف الليل، لن أتخيل ما سوف تتعرض له·· ليس ذلك من باب عدم ثقة في المجتمع، فمجتمعنا يحتوي على نماذج قليلة يمكن أن توصف بالسيئة، ولكن يكفي أن أقول إن احتمالات الجريمة التي سوف تتعرض لها هذه المرأة لن تقل عن أي احتمال آخر في أي مدينة أخرى من العالم·· وأنا لن أقبل أن أتعرض لهذا الاحتمال، خصوصاً ولدي سائق يجنبني هذه الصعوبة ويريحني منها تماماً''· لم توافق المعلمة وفاء عبد الله في البدء على إجراء نقاش حول قيادة المرأة قائلة: ''أنا ضد مناقشة الموضوع، لأن مجرد السؤال يعيد سؤالاً لدي: وهو: ''هل المرأة إنسان أم لا''؟ ولدى إطلاعها على إفادة رجال ونساء مختلفين من المجتمع باعتراضهم لأسباب تنظيمية واجتماعية وبيئية على قيادة المرأة علقت المعلمة وفاء قائلة: ''الفكرة نفسها تصيبني كامرأة بالقهر، خاصة ونحن في هذا العصر، ولذلك ترددت في التصريح برأيي، من باب الاحتجاج أولاً على أحقية طرح هذا السؤال، الذي هو حق مفروض تلقائياً للمرأة، ومن باب خشية أن يفسر رأيي على غير وجهه''· وحول ما إذا كانت أغلبية النساء السعوديات ضد قيادة المرأة للسيارة تعلق وفاء: ''العبيد ساعة التحرير لم يشعروا بالسعادة، وإنما شعروا بالضياع والخطر، وقالوا كيف سنتدبر أمورنا؟ هذه هي حالة المرأة التي تعرض عليها حريتها·· ثم تتساءل: وكيف أتعامل مع حريتي، وكيف أدير شؤون نفسي؟ وهذه حقيقة تاريخية، وهي تكرر نفسها الآن، عندما توافق المرأة على أن يطرح عليها سؤال حول ما إذا كانت تريد حريتها أم لا، وعندما تجيب أيضاً بأنها لا تريد هذه الحرية، يكون جوابها لمجرد أنها تخاف ولا تعرف كيف تتعامل معها، وكيف تحمي نفسها إذا حصلت عليها''· قيادة المرأة للسيارة والطيارة ما الفرق بين قيادة المرأة للسيارة وقيادتها للطائرة؟ ربما لا تطالب المرأة السعودية بأن تصبح طيارة، وليس ذلك لأن السفر ''بلا محرم'' غير مسموح لها، ولكن لأن قيادتها للطائرة لم تدخل في حيز الصراع الإعلامي بين شتى الاتجاهات المختلفة·هل ننتظر ذات يوم أن نعيش اختلافاً حول حكم ركوب المرأة للخيل في النوادي الخاصة إن وجدت؟ المثير للاهتمام أن تحريم قيادة المرأة للسيارة يعود إلى سبب التحريم، وهو سد الذرائع، ومنع الوسائل المؤدية إلى الحرام، وهذا أصل شرعي معترف به في أصول الفقه: فعند الفقهاء: ما أدى إلى المحرم حتماً فهو محرم حتماً، وما أدى إلى المحرم غالباً فهو محرم على التغليب، وهكذا·· تقدر أمور سد الذرائع بقدرها لا يفكر الذين يمنعون قيادة المرأة للسيارة في المملكة العربية السعودية في تحديد المانع: هل هو تنظيمي أم شرعي؟ أم شرعي وتنظيمي؟ ولا يحددون ما إذا كان تحريم قيادة المرأة للسيارة في جميع أنحاء العالم أم في السعودية وحدها لسبب ظروف تقدر بقدرها ويمكن تغيرها بتغير الزمان؟ السبب في ذلك بنظري أن المرأة أصبحت ساحة تجاذب بين أطراف يتم التراشق بينها لهدف التراشق نفسه، وليس بهدف حماية المرأة، وحتى لو انتهت قضية قيادة المرأة بنهاية سعيدة فسوف يظل الطرفان يبحثان عن وسائل أخرى للصراع، ليس فقط لأن عداءهما غير مبرر، فالمبرر موجود، في الجهة المحافظة المبرر هو الحفاظ على الفضيلة وحماية العرض الذي هو أحد الضرورات الخمس في الإسلام· وفي الجهة المتحررة المبرر هو الحصول على الحقوق الإنسانية التي بنظر هذا التوجه يتساوى فيها الرجل والمرأة، وهي ليست كالولادة والرضاعة والحضانة ولا كالقوامة الزوجية ولا كحق الطلاق الذي يختص به شخص دون شخص بدليل شرعي قطعي· ومن هنا فإن الطرفان سوف يظلان يتصارعان حتى لو أجرينا سباقاً مغلقاً وفي صالات مغلقة لقيادة السيارة، وحتى لو قمنا بإجراء سباق نسائي، نسائي لركوب الخيل· وذلك لأن الفريقين سوف يصطخبان ويتصارعان مرة أخرى حول الفضيلة والرذيلة وسد الذرائع وحول دعوى الحرية والتحرر من عبودية الرجل، وتظل الحلقة مفرغة في المشهد الاجتماعي والفكري اليومي لدينا· ننتظر أن يعقد مؤتمر وطني تحضره جميع أطياف المجتمع من رجال ونساء دولة ودين ومن مؤسسات اجتماعية ليتم الفصل في هذه القضية، حتى نعرف الوجهة القادمة للصراع بين الطرفين، هل سوف تركز على أحقية سفر المرأة لوحدها بعد أن سمح لها بالقيادة؟ أم سوف تتركز على منع المرأة من القيادة في مكة المكرمة والمدينة المنورة فقط؟ هادي خليل الفاضلي
المصدر: الرياض
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©