الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بيتر بروك.. الآتي من أردان الشغف

بيتر بروك.. الآتي من أردان الشغف
19 يناير 2012
بيتر بروك: التمثيل ينكر الزمن يقول المسرحي الإنجليزي بيتر بروك الذي يكرمه مهرجان الفجيرة للمونودراما غداً «الجمعة» عن المسرح: “إننا نذهب إلى المسرح كي نعثر على الحياة، لكن تلك الحياة يجب أن تختلف عن الحياة القائمة خارج المسرح، إذاً على الممثلين أن يتدربوا ويجتهدوا إلى درجة الرغبة بالتضحية بتدريباتهم واجتهاداتهم”. وهو يؤكد أن المسرح يجب أن يكون فجائياً، يقود إلى الحقيقة اعتماداً على المفاجأة والإثارة من خلال المتعة، كما أنه يجعل الماضي والمستقبل جزءاً من الحاضر.‏ وخلال مسيرته الإبداعيه قدم للمسرح أكثر من خمسين عرضاً مسرحياً، من بينها: “العاصفة” و”الملك لير” و”حلقة حول القمر”، و”أوديب” و”مشهد من الجسر” و”هاملت” و”حلم ليلة منتصف الصيف”، و”مأساة كارمن” و”المهابهاراتا” و”بستان الكرز”. سلمان كاصد بالإضافة إلى أعماله المسرحية قام بروك بإخراج مجموعة من الأفلام السينمائية إلى جانب إخراجه عددا من الأوبرات، منها: زواج فيغارو وبوريس غودونوف وفاوست ويوجين أونيغين، كما ألف عدداً من الكتب من أبرزها: الفضاء المسرحي الفارغ والنقطة المتحولة والباب المفتوح “باعتباره سيرة ذاتية لحياته استعرض فيها تفاصيل مهمة وضرورية في نجاح أي عمل مسرحي وتحديد مستواه الفني والإبداعي”، من خلال كل ذلك يظل من الضروري أن يقرأ بروك قراءة خاصة لسبب مهم وهو انه جاء إلى المسرح كي يخلخل جموده وسكونه الذي ظل جامدا لسنوات طويلة، إلا أن المهم هنا أن نشير إلى أن بروك لم يأت من أروقة الأكاديميات والمؤسسات العلمية المحترفة، بل جاء من أردأن الشغف بالمسرح الذي سيطر على كيانه لحد هذه اللحظة التي يبلغ فيها السادسة والثمانين من العمر. رغبة غريزية وبهذا الصدد يقول بيتر بروك: “إنني حين أبدأ إخراج عمل ما لا تكون لدي أية أفكار ثقافية كنت أتبع فقط رغبة غريزية في صنع صور ذات تأثير.. رغبتي الوحيدة هي استحضار عالم مواز لكنه أكثر إغواء.. وحين كنت في الثانية والعشرين أصبحت مخرجا ثابتا في دار الأوبرا الملكية” وأضاف: “إنني دخلتها بهدف واحد يتلخص في إعطاء تلك المؤسسة قديمة الطراز سلسلة من الصدمات تهزها وتلقي بها إلى عالم اليوم”. وهذا ما حصل فعلاً.. ولكن كيف؟ كان الميلاد المسرحي الحقيقي لـبروك حين رشح لإخراج مسرحية “الإنسان والسوبر مان” للكاتب البريطاني جورج برناردشو مقابل 25 جنيها إسترلينيا.. وبعد تجارب في إخراج عروض من كلاسيكيات المسرح يلخص بروك رؤيته، فيقول في كتابه “المكان الخالي”: “المسرح هو مرآة تعكس الحياة ولكن هذه الحياة لا يمكن ان تعود إلى الحياة من جديد، دون نظام عامل يعتمد على ملاحظة قيم معينة واستنتاج أحكام تقويمية”. ويقول أيضا “إن التمثيل ينكر الزمن، يمحو الفرق بين الماضي والحاضر... التمثيل هو الاستحضار وهذا مبتغاه”. ويحدد بروك منهجه الإخراجي فيقول “ليس هناك شيء أكثر رداءة بالنسبة للمخرج، أو الممثل، أو المصمم، أو الموسيقي من أن يبدأ عمله بما يسمى مفهوما، إذاً ينبغي عليك أن تجد ما هو أكثر واقعية مع المضمون”. المسرح التلفيقي هذه بعض آراء هذا الرجل الذي اكتشف المسرح التلفيقي وكسر الجدار الوهمي في المسرح واستعاد مفهوم الحس الداخلي الى العمل الابداعي، وطرق ميثيولوجيات الهنود في المهابهارتا وأفريقيا التي أترت به كثيرا، حيث قال ردا على سؤال وجهته إليه مارغريت كوريدن الكاتبة في مجلة المسرح الأميركي وهو: “ما الذي جعلك تهتم بأفريقيا إلي هذا الحد؟ فقال “القارة الأفريقية من دون القارات هي الأقل معرفة، ولن أنسى الأثر الذي تركته في نفسي عند زيارتها للمرة الأولى، ووجدت ثمة شيئاً في الطريقة الأفريقية للحياة، إذا لا يوجد فن عمارة لدى الأفارقة، ذهبت لزيارة ملك في قصره وكان مجرد كوخ من الطين، الباب منخفض جداً وعليك أن تزحف لتمر من خلاله، كان ذلك علامة الدخول الوحيدة لشخص مهم، لاحظت ذلك ليس في طريقة صنعهم لمبانيهم بل طريقة تعبر بها حضارتهم عن نفسها”. ويضيف: “يلاقي الأفارقة من قديم الزمان التقدير والاحترام لقدراتهم الجسمانية، وفرقهم الراقصة، ولتميز المغنين الأفارقة وإيقاعاتهم، هناك حضارة قديمة عظيمة، مبنية بدقة، على أشياء محددة غير مرئية، ليس من الناحية المادية فحسب، بل العلاقة مع الأسرة الممتدة من الخال والعم ورجل الدين فصاعدا، هناك فروق بسيطة في الفهم والاحترام، غير عادية، لكنها علاقات دقيقة بالطبيعة ككل، الضوء والظلام، والأرض ولأن هذه الأشياء غير مرئية لم تحترم”. المسرح الحديث ولكن من هو بيتر بروك؟ إنه المخرج الإنجليزي الذي ولد في لندن عام 1925 لأبوين روسيين هاجرا إلى فرنسا واستقرا في انجلترا، والذي اصبح واحدا من أبرز المخرجين المسرحيين في العالم، حيث أخرج أعمالا مسرحية وسينمائية منها: الملك لير، و فاوست، وماراصاد، والمهابهارتا، وهاملت، وكارمن، ومؤتمر الطير للشاعر الفارسي فريد الدين العطار وغيرها. غيَّر صورة العرض المسرحي وشكل المسرح الحديث، وألغى الحاجز الوهمي الذي يفصل بين الممثل والجمهور. ويصر على أن إخراجه المسرحي يعتمد اتباع رغبة غريزية في صنع صور ذات تأثير”. وطاف بكامل فرقته المسرحية في عام 1972 عددا من المدن الأفريقية الصغيرة وقد أخرج في تلك الرحلة مسرحيتي “آي كي” و”مؤتمر الطير”، كما استلهم من رحلاته الأخيرة إلى أفريفيا مسرحية “تيرنو بوكار” للكاتب المالي الراحل جورجي آمادو، والتي تمت معالجتها مسرحيا بواسطة “ماري- هليني استيتى” وهي سيرة ذاتية لتيرنو بوكار (1875-1939) معلم وحكيم صوفي. يتعامل بروك مع النصوص تعاملا حرا، لا يلتزم بقدسيتها، أي أنه يمتلك فهما ووعيا منتقدا في تحليله للنصوص المسرحية الكلاسيكية والحديثة، حيث يقول في كتابه الفضاء الخالي” هناك حقيقتك، وهناك حقيقتي، وهناك الحقيقة نفسها”. خيوط الزمن صدرت سيرة بروك بالقاهرة بعنوان “خيوط الزمن.. سيرة شخصية” وترجمها الناقد المصري فاروق عبد القادر الذي وصف بروك بالمبدع الكبير، وأنه “أهم مسرحي غربي ما يزال يعيش ويعمل”. وأشار عبد القادر في مقدمة الكتاب إلى أن لترجمة سيرة بروك (86 عاما) سحرا خاصا، حيث تلقي ضوءا كاشفا لا يستطيع أن يقدمه سوى بروك على مجمل أعماله وعلى الشروط التي عمل فيها وأبدع”. ويضيف “لم يتلق بروك قبل أن يعمل في المسرح تدريبا ولم يتخرج في أكاديمية بل كان يسير خلف مشاعره وحماسه”. عاش بروك البطالة إبان الحرب العالمية الثانية في لندن، وحيث يقول “قدمت في مسرح صغير في كنسنجتون به حفنة من المقاعد وتكلفة الإنتاج فيه لا تذكر، وقدرت السيدة المسؤولة عنه تصميمي على الإخراج فتجاوزت عن نقص تجربتي... وبدل أن تقول.. لا. قالت.. ولم لا؟..” وحققت تجربته الأولى نجاحا محدودا وكانت المسرحية التي اختارها هي “الآلة الجهنمية” للكاتب الفرنسي جان كوكتو، “لأن كل شيء يأتي من فرنسا له ألقه الثقافي الخاص”. الطبيعة المهذبة ويقول بروك عن طبيعة اشتغاله المسرحي “لم أستطع أن أطيق الطبيعة المهذبة والشاحبة تقريبا لمعظم المسرحيات الانجليزية رغم أنني كنت مستعدا لتناول أي شيء من أجل تجربة العمل، وإذا لم أستطع أن أجد قدرا من الإثارة في النص فإن مشاركتي في المسرح سوف تكون بلا معنى”. وكان الميلاد الحقيقي له حين رشح لإخراج مسرحية “الإنسان والسوبر مان” للكاتب البريطاني جورج برناردشو، وحين كان في الثانية والعشرين أصبح مخرجا ثابتا في دار الأوبرا الملكية. وقال عن هذه الفترة إنه دخلها بهدف واحد يتلخص في إعطاء تلك المؤسسة قديمة الطراز سلسلة من الصدمات تهزها وتلقي بها إلى عالم اليوم. وتأتي مفاهيم بيتر بروك في الإحساس الداخلي حين يتفجر هذا الإحساس الداخلي تجاه نص ما وبتفاعل عميق مع بيئة هذا النص، وهنا يقول بروك عن زيارته للهند عندما عقد العزم على إخراج المهابهارتا: “لقد مس قلوبنا هذا الحب الذي يكنه الهنود للمهابهارتا وملأنا هذا الاحترام والخشية معا تجاه المهمة التي أخذناها على عواتقنا، رجعنا من الهند وقد عرفنا أن عملنا هو أن نوحي لا أن نقلد”. هذا هو بيتر بروك الذي استلهم من كل الحضارات مادته الابداعية فانشغلت شعوب العالم بها، لأنها وجدت مادتها لديه بشكل آخر، ولهذا كان اهتمام بروك بثقافة الشرق الغنية، هذا بالإضافة إلى رحلاته الكثيرة إلى أفريفيا وإيران والهند وغيرها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©