الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دروس فضيحة «كوبه ستيل»

20 أكتوبر 2017 21:50
إنها فضيحة جديدة كبرى تهزّ القطاع التجاري في اليابان. وهذه المرة، يتعلق الأمر بمجموعة «كوبه ستيل» Kobe Steel التي يعود تأسيسها لعام 1905، وهي المنتجة الأكثر شهرة على المستوى العالمي للفولاذ والعديد من الصناعات المرتبطة به. وقد اعترفت مؤخراً بأنها قدمت معلومات كاذبة تتعلق بنوعية منتجاتها. وستتأثر بهذه الفضيحة قطاعات صناعية كبرى لا حصر لها، تتنوع بين قطاع بناء «قطارات الرصاصة» السريعة، وحتى قطاع السيارات وصناعة الطيران في دول صناعية كبرى، من بينها الولايات المتحدة. ومن المشكوك فيه أن تترك هذه الفضيحة أثراً سلبياً كبيراً على سمعة اليابان وحرصها على النوعية الرفيعة لقطاعاتها التصنيعية. وقبل كل شيء، لابد من التذكير بأن كل الشركات الصناعية الكبرى تعاني من هذا النوع من «السقطات المفاجئة» بين الحين والآخر. إلا أن فضيحة «كوبيه ستيل» أظهرت أيضاً أن الشركات اليابانية تحتاج إلى نظام أفضل للحوكمة الإدارية. ومع توارد الأخبار الأخيرة عن فضائح طالت شركة «تويوتا» وما تسرّب من بيانات كاذبة نشرتها شركة «تاكاتا» حول خصائص الوسائد الهوائية التي تصنعها لحماية ركاب السيارات من نتائج الاصطدام وتستخدمها تويوتا، فقد اتضح من كل ذلك أن الشركات اليابانية في حاجة إلى بذل كثير من الجهود للسيطرة على المشاكل التي تصادفها قبل أن تستفحل بدلاً من تقديم الاعتذارات إلى زبائنها بعد أن فوات الأوان. إلا أن ضرورة منع وقوع الفضائح والكوارث الصناعية لا تمثل أيضاً السبب الوحيد الذي يخلق الحاجة لدى اليابان لتطوير نظام الحوكمة التجارية، بل إنها تحتاج أيضاً لرفع مستوى الإنتاجية. فمع شيخوخة المجتمع وتقدم متوسط أعمار اليابانيين بسبب نقص الولادات وتطور الرعاية الصحية، فإن متوسط أعمار السكان يرتفع باستمرار وبما يؤدي إلى شيخوخة الأيدي العاملة على الرغم من إقحام النساء في سوق العمل على أوسع نطاق. ولهذه الأسباب فإن الرهان الأكبر لليابان يجب أن يتركز الآن على دفع الشركات لتحديث أساليبها وتقنياتها الإنتاجية. وأفضل من يمكنه أن يساعد على إنجاز هذه المهمة هم المستثمرون والمديرون التنفيذيون المستقلون. وهذه هي خلاصة ما جاء في بعض البحوث الجديدة التي قادها الاقتصاديون الثلاثة «ناوشي إكيدا» و«كوتارو إيناو» و«شو واتانبي» في معهد طوكيو التكنولوجي. وقد عمد هؤلاء الاقتصاديون لإجراء دراسات على ما أطلقوا عليه مصطلح «فرضية الحياة الهادئة» quiet-life hypothesis التي تفيد بأن غياب ضغط حملة الأسهم على الشركات، سيدفع المديرين التنفيذيين إلى تجنّب اتخاذ القرارات المهمة وتشجيعهم على حبس أنفسهم ضمن الحظيرة التي تضم أقسام إمبراطورياتهم الإدارية، ليدفعوا بذلك شركاتهم إلى حالة الجمود والكساد. وهذه الفرضية فكرة قديمة تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي، وكان أول من طرحها هو الباحث الاقتصادي البريطاني «جون هيكس» الذي توفي عام 1986. وتنشغل معظم الشركات اليابانية الآن بتنفيذ طريقة «الشراء المتقاطع للأسهم»، وبما يعني أن الشركات أصبحت تستحوذ على أسهم بعضها بعضاً. ويمكن لهذه الطريقة أن تسمح لها بعقد صفقات غير رسمية متبادلة ومفيدة أو كأن كل واحدة من هذه الشركات تقول للأخرى: «لا تدفعيني بقوة حتى لا أدفعك بقوة». كما أن الشركات اليابانية لا تضم أيضاً إلا القليل من المديرين المستقلين في مجالسها الإدارية، وغالباً ما يكون المديرون التنفيذيون تحت المراقبة الدقيقة. وخلال العامين الماضيين، تحولت السياسة اليابانية في هذا الشأن من دولة لا تضم الغالبية العظمى من شركاتها مديراً تنفيذياً مستقلاً واحداً حتى أصبحت الآن كل 4 من أصل 5 شركات تضم اثنين أو ثلاثة منهم. ويعتبر هذا تطوراً مثيراً للدهشة وشهادة على قوة النظام الإداري البيروقراطي في التأثير على الشركات الكبرى عندما يتطلب الأمر ذلك. ويحاول صنّاع القرار السياسي في اليابان الآن اللجوء إلى الخيارات الصحيحة لإنعاش الشركات اليابانية من جديد وزيادة إنتاجيتها. ويبدو الآن أن الزيادة في العوائد التي تحققت خلال الفترة القصيرة الماضية، وزيادة عدد وصلاحيات المديرين التنفيذيين المستقلين، تُعد كلها من المؤشرات التي تدل على نجاح هذه السياسة. ودعونا نأمل الآن أن تكون فضيحة «كوبه ستيل» هي آخر المؤشرات السلبية للنظام القديم. * أستاذ الاقتصاد المالي المساعد في جامعة «ستوني بروك» سابقاً ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©