الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«مهرجان المسرح العربي».. 6 أيام من الجدل

«مهرجان المسرح العربي».. 6 أيام من الجدل
19 يناير 2012
بعد ستة أيام استثنائية من الحوار والجدل والمنافسة والبحث عاشها المسرحيون في أجواء خلاّقة امتازت بهذا التجمع العربي النوعي للمسرحيين والمثقفين العرب، وعدد من الشخصيات الدولية البارزة ذات الصلة بفن المسرح والإبداع، أسدلت الستارة الوردية على فعاليات “مهرجان المسرح العربي” في دورته الرابعة – الدورة الأنيقة، وودعت العاصمة الأردنية عمّان ومعها عن بعد عاصمة الإبداع الشارقة فرسان المسرح العربي من كتّاب ونقاد وممثلين وممثلات وخبراء ومفكرين على شتى رؤاهم ومدارسهم الفنية. ومع انتهاء المهرجان يثور في الخاطر سؤال: لماذا تنجح مهرجانات مسرحية وتؤكد حضورها وتواصلها، فيما تفشل مهرجانات أخرى وتذهب جهود القائمين عليها أدراج الرياح؟ “مهرجان المسرح العربي” في عمّان سجل نجاحاً استثنائياً. فهل سجّل هذا الحدث الثقافي الكبير نجاحه بنوع وحجم عروضه المسرحية والحضور اللافت لصفوة المسرحيين والمثقفين والنقاد في الوطن العربي، أم لقوة الجانب الفكري والتنظيري والحراك الذي أحدثه في مسألة حوار التجارب، وهي أخطر ما في المهرجانات والملتقيات والمؤتمرات ذات الصلة بالكلمة والإبداع، وأخيرا هل نجح المهرجان بفضل الدعم والاهتمام الرسمي والمؤسسي من خلال العمل المشترك ما بين الهيئة العربية للمسرح في الشارقة ونقابة الفنانين الأردنيين في عمّان؟ تقاليد مسرحية في الواقع، أن المهرجان حقق حضوره وألقه واستدامته من خلال كل ما ذكرناه، مضافا إليه، صبغة (التقاليد المهرجانية) التي أرساها منظمو الحدث بتوجيهات رجل السياسة والثقافة المسكون بالمسرح الجاد الملتزم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة صاحب الأيادي البيضاء على الإبداع المسرحي. وربما يكون من أهم تلك التقاليد التي رسخها المهرجان ما تمثل في بناء حوار التجارب، فما أفسدته السياسة، أصلحه هذا التجمع العربي الدافئ، ولقاء الأجيال المسرحية في لقاء حرّ مفتوح على فضاء حرية التعبير من خلال اختيار فكر العروض المسرحية ومن خلال النقاش العربي وتبادل الخبرات والتجارب والاتجاهات المسرحية صوب بناء هوية للشكل المسرحي العربي بعيدا عن المهجن والمستورد على مستوى الشكل والمصطلح النقدي. ثاني هذه التقاليد ترسيخه لمفهوم الإبداع الطليعي الجديد من خلال فتح الآفاق أمام المخرجين والكتاب الشباب لتقديم رؤاهم وأعمالهم بعيدا عن عبادة الأسماء الكبيرة والتشبث بها ومن ثم تشجيع النص المسرحي الجيد وهو أساس العملية المسرحية، وهو ما حقق للمهرجان في كل دورة أسماء عربية جديدة من الكتاب والكاتبات والمخرجين والمخرجات الذين سيكونون حائط الصد مستقبلا أمام ترهل التجارب الكبيرة والمستهلكة، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر حضور المخرجة السودانية الشابة هدى مأمون معدة ومخرجة نص (احتراق) عن مونودراما للكاتب السوري فرحان خليل بعنوان (صوت امرأة). قد أرسى مهرجان المسرح العربي قضيتان على غاية الأهمية الأولى وتتعلق بدعم إبداع المرأة في المسرح أو تحقيق مفهوم جديد لمسرح المرأة، والثانية تتمثل في دعم مسيرة النقد الموضوعي الجاد وتقديم نخبة ممتازة من النقاد الشرعيين المحترفين وهو ما يعزز عادة قيمة الجانب الفكري الذي هو محط إشكالية دائمة في كل مهرجاناتنا، فالمهرجانات ليست مجرد عروض مسرحية ومنافسات وجوائز ثم نفض الاحتفال ويذهب كل منا إلى حال سبيله، أضف إلى ذلك كله هي تلك الشفافية التي تظلل آلية عمل اللجان المهرجانية والكشف عن طريقة عملها وأعضائها فلا مجال لإشاعة أجواء (الكواليس المهرجانية) بما يبعث عادة على مزيد من التساؤل ما ينعكس على ضعف الأداء ووهج الحالة المسرحية. من القضايا اللافتة في تقاليد المهرجان هو نجاحه في تأسيس جمهور المهرجانات الثابت، ولعل ذلك ما أكده حفل افتتاح المهرجان وحضور العائلة بكافة أفرادها إلى عرض الافتتاح عشيات حلم، ومن ثم بقية العروض المسرحية الأخرى. دلائل العافية لقد تجاوز مهرجان المسرح العربي محيطه إلى (الدولية) بكل المواصفات والشروط، كما أنه كان منذ انطلاقته الأولى حقيقيا في تنفيذ توصياته التي لا تخزّن في أدراج سوداء كما تعودنا في مهرجانات أخرى، فكل ما طرح من توصيات ينفذ تباعا على شكل ورشات عمل، ومهرجانات متنقلة في أرجاء الوطن العربي ضمن إستراتيجية تقوم على الوضوح وتأكيد الهوية المسرحية العربية دون تقاعس أو كلل يسبب ضياع الجهود وظهور (الشللية) وهي الضربة القاضية والمسمار النافذ في نعش أي مهرجان يريد السقوط والفشل. كما أن هذا الحدث بمجمل عناصره حقق للمسرحيين العرب فرصة الانفتاح على تجارب المسرح العالمي من خلال الحضور للنخب من المخرجين ومديري المهرجانات في الخارج ما يؤكد على أهمية الحوار مع الآخر وفهمه بعيدا عن التعصب، وهذا في الواقع يعكس أعلى درجات حوار التجارب والانفتاح بعيدا عن التقوقع والانغلاق خوفا من الآخر، على اعتبار أن الإبداع لا وطن له وأن المسرح هو فن الإنسان للإنسان من خلال اختبار الأفكار الطليعية بقصد مواكبة التيارات المسرحية العالمية. وفضلاً عن تنشيط فكرة حوار التجارب، وإشاعة نوع خاص من النقد المسرحي، يمكن القول إن مهرجان المسرح العربي كان فرصة لاكتشاف وجهات نظر جديدة في المسرح، من خلال رؤية المبدعين الشباب الذين كان لهم حضورهم وألقهم على مستوى الإخراج، حيث روح جديدة من التعبير بتقنيات معاصرة، إلى جانب الاهتمام بشجيع الجمهور على الانخراط في الحالة المسرحية، والارتباط بفكر المسرح الجاد الملتزم. وشهد المهرجان فضلاً عن العروض المسرحية، أحداثاً مهمة منها توقيع اتفاقية الشراكة الثقافية في مجال الإبداع المسرحي بين الهيئة العربية للمسرح والهيئة الدولية للمسرح، وبروز ظاهرة على غاية الأهمية، تتمثل في تعميق النظرة لمسألة البحث العلمي الجاد في المسرح من خلال الندوة الفكرية (المسرح والديموقراطية – أفق المستقبل) التي انعقدت بمشاركة إماراتية مميزة، من خلال ورقتي عمل قدمهما الدكتور حبيب غلوم والفنان مرعي الحليان. نجح مهرجان المسرح العربي في عمّان الممتدة فكرياً والمتقاطعة ابداعياً ومؤسساتياً مع الشارقة، ولكننا نريد أكثر من النجاح، لأن مشاريع المسرح لا تنتهي، ولأن الهيئة العربية للمسرح أطلقت الكثير من المبادرات الجديدة، ممثلة في دورات قادمة وورش عمل خاصة، وملتقيات ومهرجانات خاصة بمسرح المرأة تتطلب وعياً جديداً برسالة المسرح وتأكيد دوره على المستوى الدولي. وعكس المهرجان خلال أيامه الستة الجميلة جانباً بسيطاً من خريطة المسرح العربي التي ما زالت مظللة بدوائر العتمة، والمهرجان بهذا الزخم والتطلعات المستقبلية المستشرفة قادر على إنارة هذه الخريطة. وإذا كانت من كلمة في هذا السياق، فلا بد أن تكون لعروس المدن العربية عمان التي كانت في قمة زهوها واستعداداتها وكرمها المعهود لاستضافة هذا الحدث الثقافي الكبير، ولمثقفيها ومفكريها ومؤسساتها المعنية، خاصة نقابة الفنانين الأردنيين ووزارة الثقافة، وما قدمتاه من جهد خاص لهذه الاحتفالية التي وضعت خطوطها العريضة في عاصمة الثقافة العربية (الشارقة) بتوجيهات من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة ورئيس الهيئة العربية للمسرح، وتحت مظلة الهيئة. وما بين العاصمتين الثقافيتين ولدت، واكتملت الدورة الرابعة من المهرجان مشرقة متعافية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©