الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السياسات العبثية... زلزال هايتي

17 يناير 2011 23:17
هنا نكشف عما هو خاطئ في هايتي الآن. فبعد مضي عام على ذلك الزلزال الذي ضرب العاصمة والبلدات المجاورة لها، مخلفاً وراءه ما يقدر بـ300 ألف قتيل، لا تزال حكومة هايتي تهدر طاقتها المحدودة في السياسات غير المثمرة بدلاً من أن تكرس جهودها على خطط إعادة البناء. فبسبب استجابتهم لضغوط المجتمع الدولي الذي يريد معرفة الحكومة المقبلة التي ستتولى إدارة الأموال المخصصة لإعادة الإعمار، التي تواصل تدفقها على خزانة هايتي، وجد الساسة الهايتيون أنفسهم غارقين حتى النخاع في صراع محموم بينهم حول من يتولى زمام قيادة هذه الدولة الحطام الغارقة في مشاكلها وأزماتها إلى بر النجاة والمستقبل المزدهر. وقد كانت انتخابات 28 نوفمبر المنصرم فشلاً لم يكن سوى مؤشر إضافي للعقبات التي تواجهها هايتي وهي تتجه نحو التحول الديمقراطي. فقد نجح الرئيس "رينيه بريفال" في إقصاء حزب "لافلاس" الأكثر شعبية من العملية الانتخابية. والمؤسف أن هذا التلاعب السياسي والخداع القانوني اللذين أحاطا بإقصاء الحزب المذكور من الانتخابات، قد حظيا باحتمال المجتمع الدولي، بل بمباركته لمثل هذه الممارسات. بيد أن شرعية الانتخابات ورئاسة "بريفال" نفسها قد ضحي بهما بتزييف الانتخابات هذه. والآن فقد تمحورت المعارك السياسية حول أي اثنين من المرشحين الرئاسيين الذين خاضوا انتخابات نوفمبر سيسمح لهما بخوض الجولة الثانية الفاصلة التي يتوقع إجراؤها خلال شهر فبراير المقبل. والمثير للانتباه أن المجتمع الدولي لم يفعل شيئاً إزاء هذا التلاعب السياسي الذي حدث في انتخابات نوفمبر سوى مراقبة العملية وعد الأصوات وإعادة عدها ثم الموافقة على نتائج التصويت النهائية. وبعد مضي أسابيع على التوترات السياسية، قدمت "منظمة الدول الأميركية" –وهي المنظمة التي تحملت أكثر من غيرها مسؤولية مراقبة العملية الانتخابية هذه- تقريراًً خلال الشهر الحالي، أعلنت فيه توصيتها بشأن المرشحين اللذين يحق لهما خوض الجولة الانتخابية الثانية الفاصلة في الشهر المقبل. أما هذان المرشحان فهما "ميريلاندي مانيجات"، المعلمة وزوجة رئيس سابق تولى إدارة هايتي لشهور قصيرة عمتها الفوضى العارمة في عام 1988، و"مايكل مارتلي"، وهو مغنٍ موسيقى بوب غريب الأطوار، انضم إلى قائمة المرشحين الرئاسيين في الدقائق الأخيرة لفترة الترشيح. كما حوى تقرير منظمة الدول الأميركية المذكور، اسم "جودي سيلستين" –المرشحة من حزب بريفال- في الترتيب الثالث من قائمة المرشحين، ما يعني أنه لن تحق لها المشاركة في الجولة الانتخابية الثانية. وفي الحقيقة فقد كان "ماترلي" هو من احتل المرتبة الثالثة في فرز الأصوات الذي أجري في وقت مبكر من شهر ديسمبر المنصرم. وعقب الإعلان عن تلك النتيجة، نظم مؤيدوه حملة تخريبية استمرت لأربعة أيام، أحرقوا وخربوا خلالها عدداً من المباني الحكومية العامة، إضافة لارتكابهم لجرائم مشابهة اتسمت جميعها بالعنف. وفيما لو قبلت حكومة هايتي التقرير الذي أعدته "منظمة الدول الأميركية"- علماً بأن هناك الكثير من الضغوط الممارسة على هايتي لقبول التقرير- فإن ذلك يعني أن "ماترلي" سيكون الرئيس المقبل لهايتي. ووفقاً للكثير من المصادر الموثوقة –بمن فيها الرئيس نفسه- فقد تعرض بريفال لتهديد مباشر بالنفي الفوري إلى خارج هايتي، فيما لو لم يقبل تفسير المجتمع الدولي لنتائج انتخابات نوفمبر الماضي. هذا ويجب القول إن شخصية "سويت ميكي" –وهو الاسم الفني لمغنى البوب والمرشح الرئاسي ماترلي- شخصية معقدة وغريبة الأطوار. فقد ظهر ذات مرة في أحد عروضه الفنية الموسيقية وهو يرتدي حفاضات أطفال، بينما ظهر في مرة أخرى مرتدياً الملابس الداخلية للنساء. ومع ذلك يبدو "سويت ميكي" الذي ارتدى زياً سياسياً فجأة، قد ودع تلك الأيام، وها هو يسلط جهود حملته الانتخابية الآن على تحسين الكفاءة الحكومية، ومسائل الشفافية وتوفير الخدمات للمواطنين، علماً بأن هذه هي الجوانب والقضايا التي قصرت فيها جميعاً حكومة بريفال الحالية. والحقيقة أنه لا أحد يستطيع إنكار أن "بريفال" كان رئيساً عظيماً من عدة نواحٍ. بيد أنه لم يستثمر من الوقت والجهد ما يكفي لتحسين أداء الاقتصاد الوطني، أو في بناء مؤسسات عادلة وديمقراطية حقاً، أو في تحسين وتحديث القطاعين التعليمي والزراعي في بلاده. وربما ظل بريفال –بنهجه السياسي التقليدي المحافظ، القائم على مبدأ عدم تدخل الجهاز الحكومي في إدارة الاقتصاد- القيادي الأنسب لهايتي والأكثر قدرة على المحافظة على استقرارها السياسي طوال السنوات الخمس الأخيرة التي مرت من ولايته الرئاسية، إلى أن ضرب الزلزال هايتي، فلم يعد ممكناً السيطرة على الأمور، من الناحيتين العاطفية والعملية معاً. وطوال العام الماضي الذي مر على مأساة الزلزال، أو لنقل حتى لحظة الإعلان عن نتائج الانتخابات في نهاية ديسمبر المنصرم، ظل الهايتيون على درجة محيرة من الصبر وتحمل الظروف الصعبة التي يعيشون فيها. وبما أنهم اعتادوا دائماً على تخلي قادتهم السياسيين عنهم، وتركهم لمواجهة مصائرهم بأنفسهم، فقد بذل المواطنون كل ما بوسعهم في محاولة تبني خطط فردية تخصهم لإعادة بناء حياتهم وإعمارها من بين ركام الزلزال. وكانت الخطوة الأولى التي خطاها المواطنون في هذا الاتجاه، إزالة الحطام من داخل بيوتهم وما جاورها، والإلقاء به في الشوارع العامة والطرقات، كي تتولى الحكومة والبلديات مسؤولية إزالته منها. وفي العاصمة بور أو برينس وما جاورها، هناك ما يزيد على المليون مواطن من الذين شردهم الزلزال يقيمون في مخيمات بائسة معرضة للفيضانات والأمراض الوبائية وبمناسبة مرور عام على مأساة الزلزال، فإن صعوبة المهام التي تنتظر الحكومة الجديدة تبدو واضحة ومعقدة جداً، غير أن عظمة شخصية الشعب الهايتي تبدو واضحة هي الأخرى، وربما تكون هذه الشخصية ما يجب أن تعول عليه عملية الإعمار وإعادة البناء. إيمي ويلنتز أستاذة ببرنامج الصحافة الأدبية بجامعة كاليفورنيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة " إم. سي.تي. إنترناشيونال"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©