الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

التوغل في الروح الإنسانية

التوغل في الروح الإنسانية
14 يوليو 2014 00:52
محمد حمدان بن جرش* لا يمكن فصل الإبداع عن الروحانيات، فجوهر الإبداع هو تجلي الروحانيات بشكل من الأشكال، والكاتب أو المبدع عموماً يتوغل في أعماق الحياة ليصل إلى الجوهر الذي هو روح الأشياء، والمبدعون الكبار هم من يستطيعون التوغل في الروح الإنسانية، والكشف عن مكنوناتها المتعددة، والتعبير عنها. فالمبدع هو بطبيعته كائن روحاني، فالقيمة الأساسية للإبداع لا تقدر بأي مقابل مادي، ومن هنا تكمن أهمية الإبداع، وأهمية الأعمال الإبداعية التي تشكل جسراً للتواصل بين الأجيال المختلفة، أي بين أرواح مختلفة، أي أنها قادرة على الامتداد في روح الأزمنة. والحالة الروحانية أياً تكن فهي حالة مهمة للمبدع أو المثقف، لأنها تزيد لديه من طاقة التركيز، وتعمق في داخله الطاقة الإيجابية، وتخلصه من الطاقة السلبية التي تبثها الحياة الاستهلاكية من حولنا في كل لحظة من لحظات حياتنا، وفي كل مكان نقصده. فالروحانيات لدى الشعوب العربية والإسلامية تشكل إضافة مهمة للشخصية الإنسانية بشكل عام، وللفنان العربي والمسلم بشكل خاص، فلدينا تراث كبير من الإبداع القائم على الروحانيات، وهو تراث أصبح متداولاً اليوم ومعروفاً على نطاق عالمي، كما أننا نمتلك فنوناً قائمة على استلهام الروحانيات، ومنها الفنون الإسلامية مثل الخط العربي، والمنمنمات، والعمارة. أما بالنسبة لخصوصية شهر رمضان، فإنه من الطبيعي أن يمتلك هذا الشهر خصوصية لدي، وهو إن كان شهراً للصيام، والتقرب إلى الله، فهذا لا يعني أبداً أنه شهر الصيام عن الإبداع، والابتعاد عنه، بل شهر العطاء. إن لشهر رمضان روحانيات خاصة، وهنا تكمن أهمية تهيئة النفس والعقل لاستقبال هذا الضيف الكريم، مثل تنظيم الوقت بشكل جيد لإعطاء مساحة للإنتاج الأدبي والثقافي، إذ يصعب على الكاتب المثقف أن يفارق الكتابة مهما حصل، وهو سيجد في هذا الشهر الفضيل فرصة لممارسة طقوس الإبداع، ومواصلة إنتاجه الإبداعي. أنا اعتبر شهر رمضان من أفضل الأوقات لتفجير الطاقات الإبداعية، حيث يسود الهدوء والتأمل والعطاء وتغيير الروتين الذي نعيشه على مدار بقية شهور العام، وهو يمنحني راحة وطمأنينة، ويحفز لدي الرغبة في الكتابة والقراءة، كما أن قراءة كتاب الله وتمعن معاني كلماته، والعبر من سرد القصص القرآنية، هي دافع قوي لتأمل الحياة الإنسانية، ولا شك أنها تحرك الخيال، وتساعد على الكتابة، خاصة مع حالة الصفاء الذهني الكبيرة التي يولدها شهر رمضان. على الرغم من كون هذا الشهر الفضيل قد أصبح من جهة أخرى شهراً للمنافسة بين القنوات الفضائية، وبث كم كبير من الأعمال الدرامية التي ينتقل بينها المشاهد، وتبقيه جالساً أمام الشاشة لساعات طويلة، إلا أنني شخصياً أميل إلى التوازن، ومحاولة إعطاء الأمور حقها، ولا يمكنني الابتعاد عن مشاريعي في القراءة، أو تفكيري في كتابة مقال ما، بل إن هذا الشهر يوجهنا بما يمتلكه من روحانيات إلى الكتابة بنكهة مختلفة، وربما تناول مواضيع لا تخطر في أوقات أخرى على البال، خاصة المواضيع المتعلقة بالذات الإنسانية، أو تلك المتعلقة بطبيعة العلاقات بين الناس، وكل ما يهم تطوير الثقافة نفسها، وتعزيز روح الإبداع لدى الفرد والمجتمع، فشهر رمضان هو شهر القيم، لذلك فهو زادٌ كبير للروح والعقل من أجل الكتابة. * مدير عام المدينة الجامعية بالشارقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©