الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اغتيال طبيب!!

اغتيال طبيب!!
27 يونيو 2013 19:09
عاد الحارس إلى الفيلا التي يعمل بها محملاً بالاحتياجات المطلوبة من المواد الغذائية والأطعمة المختلفة والمنظفات والمشروبات من مياه وعصائر وغيرها طبقاً للمعتاد، كما يفعل كل يوم، لكن على غير العادة وجد معظم الأبواب مفتوحة وأشياء كثيرة مبعثرة وأخرى محطمة، كما لو كانت ناتجة عن مشاجرة عنيفة، وما كان لهذا أن يحدث في هذا المكان الهادئ الذي لا يأتيه إلا صنف معين من الناس، خاصة أنهم من الرجال فأسرع الخطى إلى الداخل ليجد الدكتور الكبير المشهور مقتولاً وغارقاً في دمائه على الأرض، فسقطت الأشياء التي يحملها من بين يديه من هول المشهد الذي لم ير مثله في حياته من قبل الدماء قد تجلطت بما يشير إلى أن الجريمة وقعت منذ ساعات وعينا الرجل جاحظتان ويداه مبسوطتان ومنكفئ على وجهه. كاد الحارس هو الآخر يقع مغشياً عليه بجانب الجثة وتملكه الخوف ولا يعرف ماذا يفعل ولا كيف يتصرف المفاجأة ألجمته وعقدت لسانه وشلّت حركته حتى أنه لم يستطع أن يصرخ عندما حاول أن يتكلم أو يستنجد كأنه في كابوس وألقى نظرة سريعة حوله على المكان، ولم يكن أمامه اختيار إلا أن يستجمع قواه ويخرج هاتفه المحمول ويتصل بالشرطة ليبلغ عن وقوع جريمة قتل في فيلا الطبيب العالمي المشهور الدكتور «إبراهيم»، وخلال دقائق وصلت قوة من البوليس ووجدت المكان هكذا والأشياء مبعثرة والجثة في ذلك الموضع وسط الصالة في الطابق الأرضي والإجراء الطبيعي الأول هو رفع البصمات من المكان لمعرفة الأشخاص الذين ترددوا عليه وتواجدوا في المكان في اللحظات الأخيرة والسابقة والمعاصرة لوقوع الحادث. وبدأ جمع الأدلة وأولها معرفة الضحية القتيل والمفاجأة أنه من علماء الطب ومن القلائل في العالم المتخصصين في أمراض القلب، وحقق شهرة عالمية واسعة، ومهارة غير مسبوقة، وتخطى الرابعة والستين من عمره، وبطبيعة عمله كثير السفر والترحال، فما يحل حتى يستعد للرحيل والسفر إلى بلد آخر، ولا يستقر في بيته هذا إلا قليلاً ولم يكمل في أي مرة أسبوعاً، ولم يتزوج رغم هذا كله ولا أحد يعرف السبب ولا مبرر إلا انشغاله بالعلم والمعرفة والهرولة والبحث وراء كل جديد في تخصصه وأطلقوا عليه لقب «راهب العلم» وأنه تزوج الدراسة فالتفت عن الزواج أو نسيه غير متعمد فلم يكن له زوجة ولا ولد. رجل بهذه الأهمية وهذه الدرجة من العلم يقتل بهذه الطريقة البشعة لابد من الاهتمام به وسرعة الكشف عن مرتكب الجريمة البشعة وما هي مصلحة القاتل، والجواب هنا كان واضحاً وسريعاً من خلال معاينة المكان واختفاء بعض الأشياء الثمينة من تحف وحقيبة بها بعض الأموال وأجهزة خفيفة وثمينة مثل الموبايلات، وأجهزة الكمبيوتر المحمولة وغيرها وهذا ببساطة يعني أن الهدف من وراء الجريمة هو السرقة، ومن المؤكد أنه كانت هناك مقاومة من المجني عليه للقاتل لكنه تغلب عليه، وإذا كان من المؤكد أن القاتل كان يريد السرقة، لكن هذا لا يؤخذ من قبيل المسلمات في عالم الجريمة لأن بعض المجرمين يفتعلون ذلك لتضليل أجهزة البحث وتشتيت جهودها كي لا تصل إليهم، بينما يكون هدف القاتل غير ذلك لهذا كان رجال البحث الجنائي يضعون نصب أعينهم كل الاحتمالات إلى أن ترجح كفة أحدها بالدليل القاطع. الكشف عن الجرائم في المناطق الشعبية والمتوسطة أسهل وأيسر بكثير من المناطق الراقية والهادئة، ففي المناطق الشعبية يكون هناك الكثير من شهود العيان، وكذلك من يقدم المعلومات التي يمكن من خلال تتبعها حل لغز أي جريمة مهما كانت غامضة ومعقدة، بل يتقدم الكثيرون طواعية للمساعدة وتقديم ما لديهم من معلومات ومن ناحية أخرى يدعي بعضهم البطولة والشجاعة ويعترف من تلقاء نفسه قبل أن يقبض عليه، لكن هنا كان الوضع مختلفاً تماماً، فالمنطقة هادئة ليلاً ونهاراً لا يدخلها إلا أصحاب الفيلات القليلون والسكون هو سيد الموقف والعلاقات مقطوعة بطبيعة الحال، ولا أحد يرغب في التعرف على جيرانه وكل واحد أو أسرة تغلق أبوابها على نفسها ولا مكان لعلاقات الجيرة وكل عائلة تكتفي بنفسها وربما يرى أصحاب هذه الطبقات التي يقال إنها «راقية» إنهم ليسوا بحاجة إلى غيرهم واستغنت كل أسرة بنفسها وهذا ما جعل السير في إجراءات الكشف عن القاتل فيه بعض المصاعب. هذه هي المنطقة وهذا هو الرجل القتيل فماذا عن علاقاته وأصدقائه؟ الجواب جاء على لسان هذا الحارس الذي يعمل معه منذ أكثر من عشر سنوات ويقيم وحده في هذه الفيلا يحرسها ويهتم بالزراعات التي حولها، ويقوم بتنظيفها بين الحين والآخر، لكن عندما يكون الطبيب حاضراً يهتم أكثر بالنظافة وتزداد مهامه في شراء الأغذية والمشروبات والأطعمة التي تكون في الغالب خفيفة للإفطار والعشاء، لكن الوجبات الأساسية يتم إحضارها من المطاعم إذ لا يوجد من يقوم بعمليات الطهو، خاصة أن الرجل لا يقيم بصفة منتظمة وعندما يحضر إلى هنا يقضي ليالي معدودة ثم يغيب لأسابيع أو لأشهر، لكن عندما يأتي يزوره أشخاص يبدو أنهم على شاكلته من المهتمين بالعلم والطب والدراسة. وقد أكدت المعلومات أنهم جميعاً كانوا من كبار الأطباء والعلماء وعلية القوم وحديثهم دائماً لا يخرج عن ذلك والحارس رغم أنه يكون قريباً منهم، لكنه لا يفهم شيئا مما يتحدثون فيه ويبدو عليهم جميعاً الوقار والرقي في التعامل مع بعضهم أو معه وبعضهم يغدق عليه ويرق لحاله، لذلك فهو يخدمهم بكل أريحية، خاصة وأن مطالبهم ليست كثيرة فلا تزيد على تقديم الماء والعصائر حتى إذا طلبوا منه شيئاً يكون الطلب بصوت خفيض وبأدب جم وكأنهم يرجونه ليفعل ذلك، وهكذا كان الطبيب يتعامل معه، لذا فإنه لم يكف عن البكاء والنحيب منذ اكتشف الجريمة ومما زاد أحزانه أن الطبيب القتيل كان قد أخبره وأخبر أصدقاءه أنه هذه المرة عاد بشكل نهائي ليقيم في بلده بعد أن تقدم به العمر وسيتوقف عن هذه الأسفار ويستقر ويستريح بعد هذه الرحلة الطويلة من العناء والتنقل وإن كانت ممتعة رغم الجهد والتعب، بل وأبلغ الطبيب حارسه بأن يأتي بزوجته وأبنائه ليقيموا معه بشكل دائم. بعد هذه المعلومات ازداد الوضع تعقيداً والجريمة غموضاً وإن كان رجال الشرطة رغم هذا كله لم يستبعدوا أن يكون لهذا الحارس نفسه دور في الجريمة أو أن يكون هو وراءها فلا يمنع أن يلعب به الشيطان فيرتكب حماقة لا يحسب عواقبها لأي سبب ولم لا يكون أحد من هؤلاء الكبار هو الجاني ففي هذه الظروف لا أحد يخرج من دائرة الشكوك وإن كان فوق مستوى الشبهات إلى أن يتم القبض على القاتل. الفحص الطبي أشار إلى أن الطبيب قتل بضربه بشيء مثل الحجر على رأسه ومصاب بجروح قطعية بآلة حادة قد تكون سكيناً أو مطواة، كما أشار تقرير الأدلة الجنائية إلى وجود بصمتين غريبتين لشخصين مختلفين ولابد من البحث عن صاحبيهما لأنه أصبح من المؤكد أنهما هما اللذان ارتكبا الجريمة، لكن من يكونان هذان الشخصان؟ وهل يتم البحث عنهما عشوائياً وسط ملايين البشر؟ بالطبع في البداية يتم البحث بين الذين ترددوا على الفيلا في الآونة الخيرة منهم العاملان اللذان كانت تتم الاستعانة بهما لمعاونة الحارس في تنظيف الفيلا عندما يحضر الطبيب ويكون هناك عدد من الضيوف، ولكن بشكل غير منتظم وهما يعرفان كل أرجاء المكان، حيث لا محاذير على تحركاتهما خاصة مع عدم وجود نساء في المكان. المشبوهان هما «نور» الذي يبلغ من العمر سبعة وعشرين عاماً و«بيومي» وعمره عشرون سنة وهما صديقان وزميلان في العمل الحر ويقيمان في منطقة واحدة وعندما تم التحري عنهما تبين اختفاؤهما بشكل مريب بما يشير مبدئياً إلى أن ذلك هروباً من السقوط في يد الشرطة، لكن تم تتبع تحركاتهما والقبض عليهما ولم يصدق أحد أنهما وراء الجريمة وأنهما اغتالا الرجل الذي جاءهما بالهدايا من الخارج والملابس والأموال لأنه يعلم ظروفهما الصعبة، بل ووعدهما بأنه عندما يستقر سيوفر لهما عملاً يدر عليهما دخلاً كبيراً ومع اعترافاتهما أصيب الجميع بالذهول. اعترف الاثنان بأن الشيطان لعب برأسيهما وجاءهما من باب الفقر الذي يعيشان فيه وهما متزوجان يعول كل منهما عدداً كبيراً من الأفراد، بينما الطبيب المشهور ينعم في الثراء ولا يعول أحداً وتساءلا ماذا يفعل بكل هذه الأموال؟ ولماذا هو غني ونحن فقراء؟ يجب أن نأخذ نصيبنا من هذه الأموال بأي وسيلة، وكانت النتيجة اتفاقهما على التسلل ليلاً بعد أن يخرج الضيوف ويخرج الحارس لشراء الاحتياجات اليومية وهما يعرفان أن الرجل لا يحب السهر وضيوفه يغادرون عند الثامنة أو التاسعة مساء، وفي العاشرة يخلد إلى النوم لأنه اعتاد الاستيقاظ مبكراً وممارسة الرياضة قبل طلوع الشمس قالا إنهما لم يعتزما قتله، لكن بعد أن دخلا الفيلا فوجئا به أمامهما فقد شعر بهما وحاول مقاومتهما، لكنهما تغلبا عليه وقتلاه ولاذا بالفرار معتقدين أنهما أفلتا من العقاب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©