الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«صحافة زعران»

25 سبتمبر 2010 21:15
ورد التعبير الذي يربط بين «الزعران» والصحافة في دراسة لمؤسسة «جيمستون» الأوروبية لرصد واقع ومشكلات الإعلام اللبناني، والتي تضمنت في جزء منها تعليقات وأوصاف كثيرة أطلقت على الإعلام اللبناني وعلى لسان لبنانيين، نعيد ذكر بعضا منها: «الإعلام الحر غير موجود، دائماً هناك من يدفع، لا صحافة، لا معايير صحافية، بل أحاديث زعران، وهناك العديد من الصحافيين السيئين، لا يتكلمون بموضوعية». الحديث عن الدراسة حدث قبل انفجار الأزمة الأخيرة- في فترة هدوء نسبي. لكن وعلى الرغم من شهرته الواسعة في دنيا المعارك الضروسة التي يمارسها أثناء الأزمات الداخلية ورايات الكرامة والعزة التي يرفعها في المناسبات والمجاملات الخارجية، لم يحرك الإعلام اللبناني ولا القائمون عليه ساكناً لمحاولة الدفاع عن «كرامة» هذا الإعلام ولو من باب حفظ ماء الوجه مقابل خادميه ومستخدميه ومموليه والمحركين له. حتى «نقابتا» الصحافة والمحررين لم يصدر عن أي منهما مجرد رد فعل، ولو على سبيل المجاملة. على الرغم من إتقانهما الشديد للخطاب والدور البروتوكولي الذي طالما كان على حساب دورهما المهني والنقابي.. صمت الجميع على هذه التوصيفات المشينة وكأنهم يسلِّمون بهذا الواقع علماً أن كثيرين لم يروا أي جديد فيها لمعرفتهم بحقيقة تركيبة الإعلام اللبناني. وليس من دافع واحد للكتابة اليوم عن الزعران والصحافة، بعد نحو ستة أسابيع من نشر الدراسة إياها، لولا بروز الحديث عن دور الإعلام في تأجيج الفتنة في بلدين عربيين، الكويت ولبنان. لقد جرى تحميل الإعلام المسؤولية الكبرى في تأجيج هاتين الفتنتين وكأنّ الإعلام سلطة مستقلة وهو ما ينافي الواقع كليا، لأن وسائل الإعلام في البلدين (الأكثر ديمقراطية وحرية صحافة في العالم العربي) تتبع بصورة أو أخرى قوى ومصالح ضيقة، سياسية واقتصادية وعشائرية وعائلية وشخصية، لها مشاريعها الخاصة التي تجعلها باستمرار تنفق الأموال الطائلة على مؤسسات إعلامية خاسرة كلياً، في وقت يندر فيه وجود مؤسسات إعلامية رقابية صالحة تعبر عن النخب الواعية أو الراشدة أو عن شرائح الطبقة الوسطى أو الأغلبية الصامتة من الناس المتضررة من الفتن. إنه واقع منظومة سياسية- اقتصادية – اجتماعية ليس الإعلام فيها سوى الأداة المعلنة لنزاعات المصالح هذه. وعدم الاعتراف بذلك سوف يؤدي دائما إلى استنتاجات خاطئة كليا، فيما خص دورا لإعلام وفيما خص المسؤولين الحقيقيين عن الفتن، وفيما خص- بالتالي- محاولة إيجاد الحلول التي تمنع مثل هذه الفتن. فالإعلام هنا وهناك أضعف بكثير من أن يتحلى «بشرف» امتلاك مثل هذه المقدرة، خاصة عندما يكون هشا مرتجلا، كاشفاً بسذاجة بالغة عن محركيه وعن غاياتهم وعورات «ديمقراطية» الشتم وجنون الغرائز التي يشعلها تصريح واحد هنا أو «فتوى» رجعية منعزلة هناك، وليجر معه، في غمضة عين، شعبا بأكمله إلى حالة من الاستنفار المتبادل والقلق على الحاضر والمستقبل والمصير. في مثل هذه الديمقراطيات يكفي صراخ مجموعة «زعران» لزرع البلبلة والفتن ويتوتر البلد، أيا كان فيه عدد العقلاء ومستوى وعيهم وتوقهم لحياة آمنة ومستقبل زاهر، لكن مثل هؤلاء ليسوا سوى «الصبيان» الذين يحاولون إرضاء أصحاب المصالح الشخصية والفئوية ممن يتمتعون بقابلية مَرَضية لحرق البلد لحفظ الأدوار والمناصب وتعزيز المصالح مستعينين بصحافة «الزعران» الذين يبدون تفصيلاً ثانوياً في خريطة زعران السياسية والمصالح الفئوية والأنانية الكبرى. د. الياس البراج barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©