الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«تاريخ الحب» يفسر العلاقة الجدلية بين الحب وتحولات أوروبا السياسية والاجتماعية

«تاريخ الحب» يفسر العلاقة الجدلية بين الحب وتحولات أوروبا السياسية والاجتماعية
25 سبتمبر 2010 21:08
الحب تلك الكلمة الساحرة والعاطفة المعبرة التي يتشارك فيها البشر جميعاً، كبيرهم وصغيرهم، غنيهم وفقيرهم، أنثاهم وذكرهم، والتي شغلت أخيلة الشعراء وجعلتهم يذهبون بعيداً في سمائه وصرفت أقلام المفكرين والكتّاب للبحث في هذه الظاهرة الإنسانية الفريدة التي كثيراً ما أطاحت بالعروش وحركت الجيوش خلال مسيرة الحياة البشرية الممتدة عبر قرون عديدة. يتتبع كتاب "تاريخ الحب" لمؤلفه الباحث الفرنسي سيناك مونكو، تاريخ الحب منذ العصور القديمة إلى القرن الثامن عشر، ويعمد إلى تتبع تاريخ الحب في أوروبا استناداً إلى تاريخها السياسي والحضاري، بغرض تفسير العلاقة الجدلية بين الحب وما عرفته أوروبا من تحولات سياسية ودينية واجتماعية وأدبية. وعبر التاريخ الذي يقصه المؤلف يصوّر المرأة باعتبارها رمزاً للحب والأخلاق في التاريخ، ومحركه الأساسي ويقوم أيضاً بممارسة عملية تحليل نفسي واجتماعي وسياسي وسلوكي للعلاقة المتبادلة والمتشابكة بين النساء والحب. رمز الحب لعل أمتع التحليلات التي وردت في الكتاب بهذا الخصوص هي تلك التحاليل السياسية والتي جاءت من وجهة نظر أخلاقية، للثورة الفرنسية، حيث لعبت المرأة فيها أدواراً خطيرة، وكان الوضع الأخلاقي دافعها الأساسي لهذه المشاركة. وتكمن قيمة الكتاب في أهمية الفترة التاريخية التي يشملها بحيث إنه يعرض أمامنا تاريخ أوروبا العام من العهد الغالي إلى القرن الثامن عشر، وبفضل الكتاب يمكن الإلمام بوضعية المرأة الأوروبية ما يغري بإنجاز دراسة مقارنة بين وضع المرأة الأوروبية مما يعزي بإنجاز دراسة مقارنة بين وضع المرأة الأوروبية، وهذه الدراسة إذا ما قدّر لها أن ترى النور ستقوّم الكثير من اللغط الذي قيل بشأن وضعية المرأة في الإسلام ديناً وحضارة وتاريخاً. ويحتوي الكتاب على أربعة أقسام رئيسية أوردها المؤلف على التوالي وهي: 1- الحب لدى الغاليين والمسيحيين. 2- الحب في ظل غزو البرابرة. 3- الحب في ظل الشعراء الجوالين. 4- الحب منذ عصر النهضة. الحب لدى الغال يتحدث مونكو عن الحب في بلاد الغال قائلاً إن "التاريخ قسّم منذ أقدم العصور العالم قسمين: الشرق حيث المرأة مستعبدة ومجرد أداة للذة الحسية، أما في الغرب فقد كانت المرأة فخورة بنفسها، مستقلة، ممتشقة راية قوتها وكرامتها". وكانت بلاد الإغريق تنتمي من جهة أصلها إلى الشرق، ولكن لما كانت على تخوم الغرب فقد لعبت دور الرابط بين العالمين، ولذلك بدأت المرأة تدرك معنى الحرية ومبادئها، أما روما فكانت تنتمي للغرب، وقد بدت فيها المرأة حرة وفخورة بنفسها في الواقع المعيشي وإن كانت مقهورة بحكم القانون. وفي باقي بلاد الغرب أي بلاد الغال وإسبانيا وجرمانيا واسكندنافيا، فقد تمكنت المرأة من حل معضلة الاستقلالية في الواقع وفي القانون، فقد أسست سلطتها ومساواتها مع الرجل في المجتمع على عفوية مشاعرها وعلى حريتها في اختيار زوجها. ويلفت الكاتب إلى أن النساء الرومانيات رغم أنهن قد غنمن مكانة كبيرة في المجتمع السياسي المدني بفضل استقلالهن العاطفي ووجاهة اختياراتهن، فإن الغاليات والجرمانيات قد تفوقن عليهن منذ قرون عدة بما كسبنه من سلطة وتأثير. ويوضح مونكو أن سلطة المرأة أو بالأحرى سلطة الحب لدى الأسلاف في فرنسا مثلت سلطة أصيلة، فيقول إن حرية الحب في تلك الربوع لم تعرف الطفولة، ومن البديهي ألاّ تعرف شيخوخة، لقد ظهرت مكتملة القوة منذ القرون الأولى وظلت على ما هي عليه من الحيوية إلى القرون الأخيرة، لقد عوض الحب القوي الصافي القومية الغالية الآلفة دون أن يفقد شيئاً من حسنه. نشأة مرسيليا نشأة مدينة مرسيليا أخاذة وشاعرية كما لو كانت فصلاً من الأوديسا، إن تاريخها يبدأ بقصة حب غاية في النبل والصدق بحيث يمكننا اعتبارها بمثابة قران بين الروح الإغريقي والروح الغالي. وتفصيل ذلك أنه سنة ستمائة قبل ميلاد المسيح ألقى قارب فوسياني مراسيه قرب إقليم بوش دوي رون على أرض السيقوبريج فاستقبل الملك نان ملك البلاد أولئك الغرباء بكل لطافة الضيافة القديمة، فأقيمت حفلة كبيرة في قصره جمع فيها على مائدة الأكل عدداً كبيراً من الراغبين في خطبة ابنته التي كان عليها أن تختار بنفسها عريساً من بينهم، حث الملك نان الفوسيين على الجلوس إلى مائدة العائلة فسارعوا بالقبول، لم تحضر الشابة المسماة جيبتيس أو بيتا الحفل، فقد كانت العادات تحتم عليها ألا تظهر إلا في آخر المأدبة مشهرة بيدها كأس الزواج لتهديه للرجل الذي اختارته زوجاً لها. ولما استحال وجود امرأة بلا فضول وبلا حب اطلاع، علينا أن نفترض أن بيتا قد اختلست النظر إلى المأدبة حتى تقرر في النهاية اختيار الرجل الأجدر بحبها والأكثر وسامة من بين المدعوين ومن ثم الأجدر بأن يكون زوجها، إن الطريقة التي انتهى بها الحفل تؤكد هذه الفرضية فعندما بانت "بيتا" لم تهد الكأس التي كانت تشهرها إلى شاب سيكوبريجي من أبناء جلدتها وإنما أهدته إلى زعيم الغرباء، إلى أوكسان الفوساياني الذي كان في زيارة لتلك البلاد لأول مرة في حياته، ولم يلبث أن أثار ذلك الاختيار غير المنتظر أقاويل غليظة تهامس بها المرشحون السابقون، ولكن الشابة الغالية تمسكت بحقها الذي تحميه الآلهة، رغم أن القوانين تعاقب عليه. احترم الأب قرار ابنته فما كان من المرشحين الخاسرين إلا أن امتثلوا له، وهكذا تزوجت بيتا أوكسان فسماها ارستوكسان ومعناها في الإغريقية "أكثر الضيفات رشاقة"، ثم استقر بصورة نهائية في أفضل ولايات والده، وهكذا أسست مدينة ماسالي نزولاً عند رغبة شابة كانت متعجلة نوعاً ما في اتخاذ قرارها. غزو البرابرة من الغال ينتقل المؤلف إلى دراسة الحب في ظل غزو البرابرة متعجباً من أنه حين بدأت الأخبار ترد عن فظاعات البرابرة خلال القرن الخامس وما ذكره المؤرخون عن أخبار ممالكهم وشعوبهم وكذا حضارتهم ومعالمهم، كان متوقعاً أن تسحق المرأة ذات الأيدي الناعمة والقوام الرشيق والجسم النحيف تحت حوافر الخيل بعد أن تكون قد تعرضت للاغتصاب. غير أن شيئاً من ذلك لم يحدث، فمن أغرب ما حدث في التاريخ أن سقط سلطان روما وظل سلطان النساء قائماً، فقد خلع القوط والإفرنج والوندال والهونز (أجداد الأتراك)، خلعوا الأباطرة الرومان ودمروا المقاطعات وقتلوا في أحايين كثيرة الكهنة وخربوا الكنائس ولم يصدهم ويلطف من عنفهم سوى المرأة. ذلك أنهم لم يصغوا سوى لصوت واحد هو صوتها.. لقد صورتهم الأخبار حيوانات متوحشة ولكن عند المعاينة تبين أنهم يقدرون المرأة جيداً عندما يعجبون بها، ويبدون خضوعاً كبيراً عندما يتوجب عليهم طاعتها، وبسهولة يتركون وثنيتهم ويعتنقون المسيحية طمعاً في حبها ورغبة في تزوجها. ويوضح الكاتب أن هذا التناقض بين الرعب الذي يسببه البرابرة خبراً وبين الرقة التي يتمتعون بها نسبياً، يمكن إرجاعه إلى أنه رغم تعدد أسماء غزاة الامبراطورية الرومانية فإنهم ينحدرون كلهم عدا الهونز من العرق الجرماني الذي يتسم بتشدد قوانينه الخاصة بصفاء الأخلاق. الرذيلة والفضيلة من هنا فإنهم لم يجلبوا البربرية إلى العالم الروماني بل الأنوار، ولم يجلبوا الرذيلة بل الفضيلة. فلم تكن المرأة في نظرهم مجرد أداة تسلية ولكن كائناً علوياً يحظى بعناية الآلهة وبتقدير الناس العميق، وكانت العلاقات بين الجنسين لديهم عفيفة وصادقة على خلاف ما هو الأمر لدى الرومان الذين كانوا يحتقرون البرابرة أيما احتقار بسبب صدقهم في الحب وتشددهم في الزواج. حتى أن رجال الدين في ذلك الوقت أظهروا للعلن هذه المفارقة، حيث كانوا يدعون رومان القرن الخامس إلى الاعتبار بأخلاق القوط والوندال تماماً مثلما كان تاسيتوس دعا رومان زمانه إلى الاعتبار بأخلاق أسلافهم الجرمانيين. ويبين المؤلف كيف كان القوط الغربيون يضعون الأخلاق تحت طائلة القوانين المتسقة تماماً مع تعاليم المسيحية، لقد كان ذلك الشعب العملي بامتياز على درجة من النباهة بحيث إنه لا يعطي الأطباء أجورهم إلا إذا شفى مرضاهم، وإذا ما عجزوا عن ذلك يعزرون، وقد بلغ به الحذر أن حرّم عليهم فصد النساء في غياب أزواجهن أو جيرانهن الثقات، لقد كان يرى أنه من السهل التعود في حالات مماثلة على ارتكاب موبقات بحق الأشخاص الذين ينهارون بفعل النزيف. هوس حقيقي يتحدث المؤلف كون عن التناغم الذي حدث بين الحب الروماني والحب الجرماني موضحاً أن الجرمانيين تأثروا بالحضارة القديمة، ومع أنهم هزموا جيوش الامبراطورية فقد وجدوا أنفسهم في إسار أخلاقها رغم احتقارهم في البداية للإفراط في الترف والإباحية التي وجدوها لدى الغال والرومان. وهذان الوضعان الاجتماعيان المتقابلان سيلتقي حداهما قبل الأوان وسيكونان سبباً لبروز ظاهرة أخلاقية جديرة بالملاحظة، حيث أن حدة طبع رجال الشمال ذوي البنية الجسدية القوية، وكذا اهتياج حواسهم قد اصطدما ببعض الموانع القانونية والأخلاقية في جرمانيا، ومن ذلك أن تابع الملك الإفرنجي يحب، مثل القرصان الاسكندنافي خطف النساء، ولكن الدافع إلى ذلك هوس حقيقي وليس عملاً خسيساً، حب صادق وليس نزوة ماجنة. وليس الأمر بالنسبة إلى الزعماء الاسكندنافيين القدامى مجرد التعرف على المرأة والإعجاب بها ومن ثم غوايتها في لحظة مجون، بل إن للشهوة والخطف بعض القواعد كما سيكون للظرف قواعده في عصر الفروسية. ويذكر المؤلف أن الإفرنج كانوا يتبعون هذه القواعد عندما أرسوا على ضفاف نهر السان، وعندما نقلوا عن الغاليين الرومانيين فنون الإباحية، عندها أرخوا العنان لكل نزواتهم الماجنة فكلما رأوا امرأة جميلة طمعوا فيها، ثم انهم لا يبذلون أي جهد لخطفها بصريح القوة. لقد تعلموا من الشعوب المنحطة أن غواية المرأة أنفع من خوض المعارك لخطفها، لقد نأوا بأهوائهم عن المخاطر التي كانت تضفي عليها شيئاً من الجلال.. ولم يحتفظوا منها سوى بمبدأ الاغتصاب المشين.. لقد أضحى الإفرنجي رجلاً غالياً - رومانياً قلباً وقالباً، لقد بدأ يعتاد مجون الحريم، ويأتي الأفعال الشائنة التي كان الأساقفة يحرمونها.. وهنا برزت بوضوح ظاهرة محاكاة الغاليين لأخلاق المغلوبين. الشعراء الجوالون في موضع آخر من الكتاب يدلف المؤلف إلى رصد الحب في ظل الشعراء الجوالين والذي بدأ يأخذ صورته التاريخية بدءاً من القرن الحادي عشر حيث كان هذا الرجل التافه الحقير الذي يكدي طعامه بنغمات كمنجته، هذا الأفاق من القرن الحادي عشر سيحيي المجتمع البرابري، فسلطان الموسيقى والشعر، ذاك الذي لا يمكن لأي أحد الفكاك منه، سيمكنه من أن ينشد أمام الجميع ما لا يجرؤ أحد على قوله، ومن أن يذيع أشواق المرأة إلى الحرية في زمن كانت تعيش فيه سجينة، ومن أن يذيع حقوق الحب وحريته في وقت كان فيه الأب يمتلك ابنته دون أن يبالي برغباتها وأمانيها، ومن أن يشـــيد، في حضرة ربات القصور، ببطولات الفــرسان، ومن أن يبدي شفقته، في حضرة الفرسان، لدموع ربات القصـــور وهمومهن، وهكذا سيتشكل، منذ ذلك الوقت، تيار قوامه الجاذبيـــة من جهة والتعاطف من الجهة المقابلة بين المضطهدات اللواتي يتألمن والرجال الشهوم الذين يرومون خلاصهن. أدوات سحرية في زمن لم يخترع فيه البريد بعد، والكتب فيه نادرة والجرائد معدومة، أصبح الشعراء الجوالون في الجنوب، التروبادور، وفي الشمال، التروفار، أدوات سحرية للتواصل بين الناس رغم أن دورهم في الأصل لم يكن يتعدى تسلية أهل التبطل والفراغ، لقد خبر الشاعر الجوال، بفضل مغامراته، الوجود وفهم آلام المرأة السجينة، فنـــظم حكاية شعرية في الغرض كلها صنعة وزخرفة بديعة ثم انطلق بعد ذلك يجوب الدنيا منشداً شكايته في مآدب الفرسان، وفي حانات الشرط وعلى أبواب الكنائس وموائد الأديرة، البعض كان يستمع إلى حكايته فضولاً، والبعض الآخر بلا مبالاة، منهم من يستحسن يقظة الزوج، ولكن أغلبهم ينكرونها عليه، ولا يستسيغونها، ولكن الأهم أنه يوجد دوماً بين القوم رجل شهم ونبيل يبدي سخطه على أسر المرأة، وفي الوقت الذي ينشغل فيه الآخرون بالتجادل في الأمر يكون هو قد فكّر وعزم على الفعل، فيتسلل خلسة ويركب حصانه ويتقلّد سلاحه، وبمفرده، يحاول تخليص تلك المضطهدة، فمن أين له هذا الإقدام؟ إنه ينبع من عاطفتين صنوين في القوة: الحب في المقام الأول ثم المحبة المسيحية ثانياً، إن هذا الرجل الذي استجاب لدافعي الطبيعة والإيمان سيشغل كل العصر الوسيط، لقد كان لدينا الشاعر الجوال التروبــادور، رجل الشـــعر والأخبار، ولدينا الآن الفارس، رجل الفعل، بطل المكارم الحقيقية. نبذة عن المؤلف: هو كاتب وباحث فرنسي ولد سنة 1814، وتوفي سنة 1871، إنتاجه غزير ومتنوع إذ كتب الرواية التاريخية والبحث التاريخي والجغرافي والفلسفي، وقد كانت تحكمه، في جل كتاباته نزعة أخلاقية. أهم مؤلفاته: 1- المومس والشهيد (1837). 2- عذراء الغابة (1838). 3- الكنيسة الرومانية والحرية (1848). 4- حكايات شعبية فسكونية (1861). 5- المسيحيون أو سقوط روما (ديوان شعر) 1865(. 6- تاريخ الحب في العصور القديمة لدى العبرانيين وشعوب الشرق والإغريق والرومان (1862).
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©