الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

الأحزاب المصرية محاصرة من الخارج ومتآكله من الداخل

11 يونيو 2006

القاهرة - محمد عزالعرب:
حاصل جمع الأحزاب السياسية المصرية صفر كبير، ويرجع ذلك في رأي أحزاب المعارضة الى تحجيم وتقزيم حركتها في الشارع وفرض القيود والاملاءات عليها·· بينما يرى المحللون ان الاحزاب نفسها ولدت ميته لأنها فوقية ولم تخرج من رحم المجتمع وانشغلت بانشقاقتها وصراعها على المقاعد عن ممارسة اللعبة السياسية بقواعدها واصولها المعروفة·
وفي ندوة 'الخيارات الصعبة للمعارضة المصرية بعد العودة للمربع الأول' التي نظمها مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان قال بهي الدين حسن -مدير المركز- ان ما يجري الاعداد له في أروقة النظام المصري هو تعديل الدستور ليسمح بتمرير نصوص قانون مكافحة الارهاب ليكون نسخة منقحة من قانون الطوارىء، بحيث يكون شعار المرحلة المقبلة انقلابا دستوريا على حساب الحريات والتمهيد لشن موجة قمع تشريعي جديدة بينما تبدو الجماهير التي راهنت المعارضة على تحريكها خلال العامين الماضيين مكتفية بمراقبة المشهد عن بُعد·
وقال ان الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني تشكو من الافتقار للقاعدة السياسية القوية وضعفها الكبير الى جانب حداثة عمر الجماعات السياسية الاخرى المطالبة بالتغيير رغم خبرة مكوناتها الطويلة في العمل السياسي واحتكار الحزب الوطني الحاكم لكل امكانيات الدولة على مدار عدة عقود في خدمة مصالحه وتحقيق سيطرته على مقاليد الامور·
غياب الشارع
وقال ان هناك غيابا لدى الشارع المصري عن العمل السياسي بسبب العمل بقانون الطوارىء طوال ربع القرن الاخير وانتشار التعذيب في اقسام الشرطة واماكن الاحتجاز وتزوير الانتخابات في بعض الدوائر·
وأكد أن أحزاب المعارضة المصرية تعمل في ظروف غير طبيعية كالحصار الامني لانشطتها والحصار الاقتصادي لمواردها، لكنها تتحمل جزءا وليس كل المسؤولية عن وضع العمل السياسي في مصر·
ويرى ان الهجوم على الاحزاب السياسية يصب في خانة دعم نظام حكم الحزب الواحد، وهو النظام القائم في مصر حاليا ولكنه في اطار تعددي، مشيرا الى امكانية وجود تنسيق كبير بين الاحزاب السياسية والحركات والتجمعات المطالبة بالاصلاح والتغيير بشرط ألا يتخذ كل منهما من الاخر عدوا له·
وقال د· عبدالحميد الغزالي - استاذ الاقتصاد الاسلامي بجامعة القاهرة- ان مصر تعيش أزمة حقيقية حيث يحكمها نظام سياسي لا يريد مواكبة روح العصر، ويرغب في امتلاك 'الشجر قبل البشر' فالقاضي يُضرب بالاحذية والصحفيات تنتهك اعراضهن ونقابات مهنية موضوعة تحت الحراسة والاخوان المسلمون يتعرضون للاعتقال والتعذيب، ومصر لا تعيش عصر الديمقراطية والتعددية الحزبية ويحكمها نظام فردي لا حزبي، وهو الذي يملك ويحكم المجتمع والاقتصاد والثقافة والسياسة·
واوضح ان النظام السياسي المصري يهدف الى احداث تحولات سياسية وتغييرات دستورية تعتبر ردة عما ترغبه القوى السياسية المصرية، مذكرا بما حدث مع تعديل المادة 76 من الدستور والتي تعتبر عوارا دستوريا بعد تفريغها من مضمونها فما يفعله النظام ليس اصلاحا وإنما ترسيخ لبقاء الوضع القائم حيث ساد الفساد والاستبداد والفقر والبطالة·
وأكد ان الاصلاح السياسي هو الخطوة الاولى في طريق الاصلاح الشامل، بحيث يتزامن معه الاصلاح الدستوري الذي يسمح للمستقلين بالترشيح لانتخابات رئاسة الجمهورية وتعديل المادة 77 من الدستور الخاصة بصلاحيات واختصاصات رئيس الجمهورية وليس معقولا ان يحدث تداول السلطة في مصر بالموت ولا يعقل انه لا يوجد شخص صالح لتولي منصب نائب الرئيس رغم وجود 72 مليون نسمة·
وأضاف : ان النظام القائم لم يحل مشكلات مصر على مدى ربع قرن ورغم ذلك يطرح مرشح الحزب الحاكم برامج لحلها خلال ست سنوات، وهو ما يتناقض مع استشراء الفساد في شرايين المؤسسات قبل الافراد والاستبداد بالسلطة في مختلف المواقع الحكومية·
وطالب بحرية تشكيل الأحزاب السياسية ورفع الحراسة عن النقابات المهنية وتنشيط الجمعيات الاهلية وتعديل لوائح الاتحادات الطلابية وصياغة دستور جديد ليصبح نظام الحكم رئاسيا برلمانيا·
وأكد د· اسامة الغزالي حرب -رئيس تحرير مجلة 'السياسة الدولية'- ان عجلة الاصلاح السياسي في مصر دارت ولا يمكن منعها من الدوران والهم الاساسي للقوى السياسية ينحصر في تسريع الوتيرة، وما شهدته مصر خلال العامين الماضيين لا يمكن اختزاله في خروج مظاهرات وحدوث احتجاجات ؟لأن النظام السياسي المصري وصل الى نهايته ولم يعد قادرا على الاستمرار بالطريقة القديمة وعجز عن الوفاء بمتطلباته ووظائفه الاساسية حيث ازدادت نسبة البطالة واستشرى الفساد وتدهورت نوعية التعليم في الجامعات وتدهور الخدمة الصحية والاسكانية، كما ان الازمة الاقتصادية تتفاقم بحيث عجز النظام عن جذب الاستثمارات الاجنبية والخروج من عنق هذه الازمة يحتاج الى ضخ مليارات من الدولارات في شرايين الاقتصاد المصري·
الجمهورية الثانية
وقال: ان مصر تشهد عملية تحول من النظام السياسي الذي أرست قواعده ثورة يوليو 1952 الى نظام آخر لم تتبلور ملامحه بعد، وهو ما يعرف 'بالجمهورية الثانية' لأن هناك تدهور في الاداء الحكومي وسخط على المستوى الشعبي، مشيرا الى ان المظاهرات ليست الاجراء الفعال للتعبير عن التذمر من السياسات الحكومية وانما ظهرت مؤشرات اخرى مثل الاحجام عن المشاركة التصويتية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة وهبة السلطة القضائية للاشراف الكامل على الانتخابات واحتجاجات الفئات المهنية المختلفة من مهندسين ومحامين وصحفيين·
ودعا الى نقل العمل السياسي في مصر من مستوى النخبة الى مستوى الجماهير وجذب فئات الشعب المختلفة لحلبة السياسة لتحقيق تحول ديمقراطي حقيقي في البلاد، مشيرا الى ان عدم الاعتراف الرسمي بالحركات والقوى السياسية ذات التواجد والثقل الشعبي الحقيقي سوف يظل أحد مظاهر تشوه الحياة السياسية في مصر·
وقال حرب: هناك ثلاث مطالب اساسية يجب على كل الساعين للتغيير الحقيقي في مصر الالتزام بها أولها اعادة تنظيم القوى السياسية لنفسها لأن الاحزاب السياسية نشأت في عقد السبعينيات بقرار منفرد من رئيس الجمهورية ولم تكن مؤسسات طبيعية، مشيرا الى ان الحزب السياسي بالنسبة للنظام يشبه السمكة في المياه، فالحزب لا يزدهر أو ينمو بشكل فعال الا اذا كان المناخ السائد ديمقراطيا·
واضاف ان الاحزاب لم تكن وحدها التى ولدت في بيئة غير ديمقراطية وانما تبعها الدستور والصحافة والاعلام، والصحافة الحزبية لا يمكن اعتبارها صحافة لأن جوهر الصحافة ان تكون مستقلة ومحايدة، مشيرا الى ان مصر لم تشهد احزاب سياسية في الفترة الحالية وانما هناك 'اشباه' احزاب مثل 'الوفد والتجمع الناصري'، أما 'الوطني' فلا يمكن اعتباره 'حزبا' لأنه يعني الدولة والبيروقراطية والأمن·
واكد ضرورة تواري التمايزات السياسية والاتفاق على القواسم المشتركة بين القوى السياسية المختلفة سواء كانت ليبرالية أو اسلامية أو قومية أو يسارية، لانجاز تحول ديمقراطي في مصر خلال اربع سنوات· وقال ان الدور الخارجي سواء من الولايات المتحدة أو أوروبا لا يحدث تحولا جوهريا وانما هو دعم معنوي، فهم يبحثون عن مصالحهم، والقوى السياسية الوطنية تؤمن بأن الداخل هو اساس التحول الديمقراطي السريع·
وأوضح د· حسن نافعة -رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة- أن تراكم الازمات الناجمة عن السياسات الخاطئة جعل المواطنين في مصر يشعرون بحدة الأزمة لكن هناك بعدا آخر متعلقا بـ'تآكل' شرعية النظام السياسي، بحيث اصبحت النخب السياسية تضع يدها على 'الجرح' الذي يسبب أوجاع المجتمع المصري على مدى ربع قرن·
وقال ان افتقار النظام السياسي المصري للشرعية لا يتعلق بمرحلة الرئيس مبارك فحسب بل يشمل نظام يوليو الذي لم يتغير منه الا طبيعة الشخص، الذي يملك كل الصلاحيات والاختصاصات، مشيرا الى ان الرئيس عبدالناصر قدم مشروعا تحريريا مناهضا للاستعمار في حين امتلك الرئيس السادات مشروعا للتسوية والتقرب من الغرب، لكن الرئيس مبارك لم يبلور مشروعا سواء للداخل أو الخارج، بحيث اصبحت طريقة حل الأزمات اليومية تؤدي الى تعقيد الأمور والوصول الى حد الانفجار·
وأشار د· نافعة الى ان تجربة التعددية السياسية التي شهدتها مصر في عقد السبعينيات لم تكن تطورا طبيعيا بل كانت نتاجا صناعيا ولعبت دورا طفيليا أكثر منه تنشيطيا للحياة السياسية في مصر، والمطلوب في هذه المرحلة ليس تغيير السياسات بل تغيير طبيعة النظام من الفردية الى الديمقراطية·
وطالب نافعة بدراسة قواعد اللعبة من جانب القوى السياسية المختلفة قبل النزول الى ارض الملعب، وان المطلوب من كل 'الفرقاء'السياسيين الاتفاق على كيفية ادارة المجتمع من خلال دستور جديد لشكل النظام السياسي 'برلماني- رئاسي- خليط' واحداث توازن بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية·
وذكر ان المجتمع المصري دخل مرحلة الاستقطاب بين الحزب الوطني وجماعة الاخوان المسلمين، حيث حاول النظام الحاكم ابراز 'فزاعة' الآخوان لترهيب القوى الغربية، فينحاز الخارج الى النظام ويخفف الضغوط التي يمارسها عليه·
وأكد ان الحل الأمثل للخروج من المأزق الحالي يكمن في قيام حكومة وحدة وطنية لفترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات تعد البلاد لتحول ديمقراطي بالطرق السلمية على نحو يتيح الفرصة لكل اللاعبين للاستعداد للدوري السياسي والمشاركة فيه في ظل قواعد متفق عليها·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©