الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

بالصور.. سباقات تقليدية للخيل تخلد تراثاً قديماً رغم الفوضى في ليبيا

19 أكتوبر 2017 15:06
يتحضر فارس شاب بلباس الجرد التقليدي الليبي مستظلاً بأشجار الصنوبر والكينا للانطلاق في سباق شعبي للخيل يشكل متنفساً للسكان الغارقين في فوضى الحياة اليومية في ليبيا. وسط الجموع الحاشدة من المتفرجين، الحماسة في أوجها. ويركض أطفال في كل الاتجاهات فيما يحاول الكبار إبعادهم من الميدان قبل انطلاق هذه السباقات العربية التقليدية. هذا العرض الشعبي لسباق الخيل ينسي الليبيين لساعات قليلة واقعهم الصعب المشوب بالعنف وانعدام الأمن وحالات النقص في المواد الأساسية في هذا البلد الذي تهيمن الميليشيات على أنحاء واسعة منه ويتعرض لهجمات متكررة من مقاتلي تنظيم داعش وتتنازع سلطتان متعارضتان السلطة فيه. وتشهد مدينة الزاوية الساحلية المطلة على البحر المتوسط على بعد 45 كيلومتراً إلى الغرب من العاصمة الليبية طرابلس سباقات أسبوعية للخيل خلال عطلة يوم الجمعة. ويقدم الفرسان فيها عروضاً آسرة على ظهور خيول مزدانة بأبهى الأثواب والزخارف الزاهية بينها السروج التقليدية الليبية التي تجمع الجلد والمخمل والنسيج وتشكل "درة" الحرف اليدوية الليبية مع إضافة التطريز واللوحات الفضية عليها. يرفع الخيالة المصطفون بدقة على خط الانطلاق لباس الجرد قليلاً على الرأس قبل الانطلاق فور سماع قائد المجموعة يهتف مرددا نشيدا تقليديا كان يسبق في أزمنة غابرة المعارك. وفي منتصف السباق، يقف المتسابقون متكئين على الركاب المتصلة بالسروج. الهدف يكمن في التقدم على الآخرين لكن مع الإبقاء على وتيرة واحدة في السباق والوصول في الوقت عينه على خط واحد. ويبدي علي الهادي عمارة المتحدر من الزاوية وهو أحد هؤلاء الفرسان لوكالة فرانس برس، فخره إزاء الحفاظ على هذا التقليد المتوارث منذ قرون عدة سواء من خلال ارتداء الأزياء التقليدية أو تجهيز الخيول بالسروج الليبية المميزة. ويقول هذا الفارس البالغ من العمر 46 عاما إن سباقات الخيل "تجري في دمنا"، مشيرا إلى أنها رياضة لا تزال تجذب كثيرين من مختلف الأعمار. يمارس يوسف مبارك العبودي العضو في لجنة التحكيم للمهرجان الشعبي في الزاوية بدورته السابعة، رياضة الفروسية منذ الصغر. ويروي لوكالة فرانس برس أن عدداً كبيرًا من الفرسان لا يتوانون مثله عن اجتياز مسافات طويلة للمشاركة في سباقات الخيل. ويجابه هؤلاء المولعون بهذه الرياضة الخطر والأمن المتفلت ويجتازون على مسؤوليتهم الخاصة مئات الكيلومترات مع خيولهم. ويشجع الاتحاد الليبي للفروسية رغم ضعف إمكاناته على الأنشطة الرياضية والأحداث ذات الطابع التراثي في سائر مدن البلاد. وسمحت شعبية هذه السباقات بالإبقاء على هذه المهارات الليبية المتوارثة عبر الأجيال في صنع السروج، وهو إنجاز في بلد أتت أعمال العنف المستشرية فيه على أنشطة كثيرة. ويوضح إبراهيم سويدان (38 عاماً) وهو أحد الحرفيين الليبيين العاملين في هذه الصنعة لوكالة فرانس برس أن "هذه السروج استخدمها الأجداد الذين حاربوا الغزاة الإيطاليين" قبل أن تستخدم لاحقا لتزيين الخيول في الأعياد والاحتفالات الشعبية والأفراح. ويلفت شقيقه مصطفى سويدان إلى أن هذا النشاط "ورثناه عن آبائنا وأجدادنا". ويشير إبراهيم الذي تعلم هذه الحرفة منذ الطفولة إلى أن "عائلتنا تصنع السروج منذ أكثر من قرن". وقد سجل سعر السرج ارتفاعا بواقع أكثر من ثلاث مرات حاليا. ويوضح يوسف ابو ستة وهو صاحب متجر لعدة الفروسية في ضاحية العاصمة طرابلس أن الأسعار ارتفعت على غرار سائر القطاعات بسبب الأزمة التي تشهدها ليبيا. أزمة بأوجه عدة مالية واقتصادية وسياسية. ففي هذا البلد الغني بالنفط الذي يستورد كل حاجاته تقريبا، على الحرفيين اللجوء إلى السوق الموازية حيث أسعار الصرف مرتفعة للغاية للحصول على العملات النقدية التي تتيح لهم استيراد المواد الأولية اللازمة لتصنيع السروج. ويوضح أحد مربي الخيول في منطقة طرابلس لوكالة فرانس برس أن سعر السروج يراوح بين ثلاثة آلاف دينار ليبي وعشرة آلاف (2200 دولار و7300) بعدما كان بحده الأقصى يصل إلى أربعة آلاف دينار (2900 دولار) قبل بضع سنوات. وبما أن سعر السرج يعتمد أيضا على نسبة المال المستخدم للتزيين، يلجأ الحرفيون بدرجة متزايدة إلى النحاس والألمنيوم لمحاولة الحد من التكاليف المترتبة عليهم. لكن الارتفاع في الأسعار لم ينعكس تراجعا في الطلب على هذه السروج. فالمولعون بسباقات الخيل التقليدية في ليبيا على استعداد لتكريس كل ما تيسر لديهم من وقت وجهد وإمكانات في خدمة شغفهم، وهو ما يصب في مصلحة آلاف المتفرجين الذين يتجمهرون أسبوعيا لمتابعة هذه العروض التقليدية للخيول التي تنقلهم إلى عالم حالم بعيد عن واقعهم المرير.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©