الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كوبا ... تغيير اقتصادي نحو الرأسمالية

24 سبتمبر 2010 22:40
ويليام بوث المكسيك تخوض كوبا اليوم تجربة جديدة وجريئة في نفس الوقت متمثلة في تسريح 500 ألف موظف حكومي وتركهم يتدبرون أمورهم في الأعمال الحرة، وهي تجرية يتابعها الخبراء بترقب بالغ لمعرفة ما إذا كانت الحكومة الشيوعية في كوبا بخطوتها الأخيرة الرامية إلى تخفيف الأعباء عن الدولة قادرة فعلاً عن إنقاذ الاقتصاد المتداعي دون التضحية بنموذج "الاشتراكية أو الموت" الذي تعتمده البلاد. وتعتبر التسريحات الأخيرة التي طالت 10 في المئة من مجموع الموظفين الحكوميين في كوبا البالغ عددهم خمسة ملايين موظف أهم التغييرات الاقتصادية التي تشهدها البلاد منذ اعتلاء الرئيس راؤول كاسترو السلطة خلفاً لأخيه القائد الأبدي في كوبا، فيديل كاسترو، في صيف العام 2006. وعن هذه الخطوة الراديكالية بالنسبة لبلد يعد آخر قلاع الشيوعية في العالم يقول "وين سميث"، الرئيس السابق لشعبة المصالح الأميركية في كوبا والباحث في مركز الدراسات الدولية "إنها خطوة جوهرية نحو المستقبل، لا سيما وأنها تأتي في ظرف تنعدم فيها الخيارات أمام الحكومة وليس أمامها سوى القيام بشيء لإنقاذ الاقتصاد من حالته الصعبة التي وصل إليها"، فمنذ توليه السلطة والأخ الأصغر لكاسترو البالغ من العمر 79 سنة يشكو من عجز الدولة الكوبية عن الاستمرار في التوظيف، أو الاحتفاظ بشريحة الموظفين الكبيرة قائلا في إحدى المناسبات "علينا محو الفكرة التي تقول إن كوبا هي البلد الوحيد في العالم الذي يستطيع فيه المرء العيش دون عمل"، فالعمال الكوبيون نادراً ما يداومون في مقار عملهم، وحتى إن جاؤوا إلى العمل تبقى إنتاجيتهم ضعيفة للغاية، وهو ما يتضح في المكاتب الحكومية بالعاصمة هافانا حيث تطول ساعات الراحة لفترات طويلة تصل إلى أيام، أما المطاعم الحكومية فلا تكاد تفتح أبوابها لساعات قليلة حتى ينفد الطعام وتبقى الطوابير في انتظار دورها. والسبب لا يرجع إلى كسل متأصل لدى الكوبيين بل بالعكس كما يقول الاقتصاديون يعود ذلك إلى تدني الرواتب التي لا يتجاوز متوسطها عشرين دولاراً في الشهر وهو ما لا يكفي لسد الاحتياجات الأساسية للمواطنين، وذلك رغم ما توفره الدولة من سكن وتعليم وصحة، فكما يعلق الكوبيون "الحكومة تتظاهر بأنها تدفع لنا ونحن نتظاهر بأننا نعمل"؛ ويُُذكر أن الجزيرة الكوبية تعاني من ضائقة اقتصادية خانقة تراجع فيها الناتج الداخلي الإجمالي حسب التقديرات الرسمية من 12 في المئة إلى 1 في المئة بعد انخفاض أسعار معدن النيكل في الأسواق العالمية وتراجع السياحة والاستثمارات الأجنبية، بل وصل الإحباط لدى المسؤولين لدرجة دفعتهم إلى تجميد الحسابات البنكية للأجانب مطلع العام الجاري، ويعتقد اقتصاديون مستقلون أنه بدون النفط المدعم القادم من فنزويلا لانهار الاقتصاد الكوبي، ومن غير المعروف ما إذا كان الاقتصاد الكوبي قادراً على فسح المجال لنشوء قطاع خاص قوي يساعد الاقتصاد المحلي على الخروج من محنته، فحسب عرض قدمته الحكومة الكوبية ونشرته وكالة "أسوشياتد بريس" تسعى الدولة إلى التخلص من العمال والموظفين الأقل إنتاجية، والأقل انضباطاً، ثم يتبعهم الذين لا يقومون بعمل ضروري. وفي هذا السياق يقول "فيليب بيترز"، الأكاديمي بجامعة "ليكسنجتون" الأميركية ومستشار المجموعة الكوبية في الكونجرس الأميركي "إنها خطوة مهمة واختراق حقيقي لأنها المرة الأولى التي تعترف فيها الحكومة الكوبية بأن قطاع الأعمال الصغيرة يمكن أي يلعب دوراً استراتيجياً في الاقتصاد الكوبي"، ومع أنه حوالي 823 ألف كوبي يعملون في القطاع الخاص في إطار التعاونيات المرخصة حكومياً، إلا أنه مع ذلك توظف الحكومة 85 في المئة من مجمل القوى العاملة في البلاد. لكن ما هو مصير مئات الآلاف من الموظفين الحكوميين الذين استغنت عنهم الدولة؟ تجيب الوثيقة التي عرضت المقترح أنه سيكون عليهم تدبر أمورهم بأنفسهم، بحيث لم توضع أية خطط لضخ أموال في السوق من خلال توفير قروض صغيرة لإطلاق الأعمال والشركات، أو توفير امتيازات لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية، كما أن الدولة لم تعرض أياً من مؤسساتها العامة للبيع، أو الإيجار. ومن الأفكار المطروحة في إطار المقاولات التشاركية تربية الأرانب وفتح المقاهي وجمع القمامة وزراعة الحدائق وباقي الحرف مثل النجارة وسياقة التاكسي وغيرها من الأعمال الصغيرة التي يمكن أن تعوض الموظفين الذين فقدوا عملهم، ويخشى العديد من المراقبين أن الكوبيين لم يتعودوا على العمل الخاص وبأنه تنقصهم الخبرة والتجربة لإطلاق أعمالهم الخاصة. ورغم المجازفة التي ينطوي عليه التحرك الكوبي والتساؤلات حول قدرة الحكومة على توليد دينامية اقتصادية مستدامة تدفع الاقتصاد إلى تحقيق بعض النمو حسب "رافائيل رومو"، رئيس جمعية دراسة الاقتصاد الكوبي، فإنه يرى أيضاً بأن مجرد مناقشة الخطوة في المنتديات العامة يمثل تطوراً مهماً في حد ذاته لا سيما في بلد ظل منغلقاً على نفسه لمدة طويلة. وقد سمحت كوبا في الآونة الأخيرة لمجموعة من المهن بالعمل خارج نطاق السيطرة الحكومية مثل الحلاقة ما دفع مجموعة من الحلاقين إلى اكتراء قاعات خاصة بهم والاستفادة من الأرباح دون الحاجة إلى اقتسامها مع الحكومة، كما أنه صار بإمكان سائقي التاكسي العمل لمصلحتهم دون تدخل من الدولة، وفي نفس السياق سُمح للمزارعين استغلال أراضي الدولة غير المزروعة وإن كانوا يعانون في تأمين البذور والأسمدة والمعدات الزراعية. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©