الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تجار يلبسون ثوب الأطباء للمتاجرة بالأعشاب في الجزائر

تجار يلبسون ثوب الأطباء للمتاجرة بالأعشاب في الجزائر
24 سبتمبر 2010 22:27
يتزايد إقبال الجزائريين على الاستطباب بالأعشاب الطبية، إذ تنتشر في المدن محال لبيع الأعشاب الطبية، كما تنتشر عربات لبيع نفس “السلعة” في جل الأسواق الشعبية خصوصاً وأن أصحابها أصبحوا على دراية بأن معظم الجزائريين سئموا زيارة الأطباء وما يُكلفهم ذلك من مصاريف كبيرة تثقلها الأدوية التي تمتلئ بها الوصفات الطبية دون نتائج كبيرة، فقدموا لهم الأعشاب كبديل “طبي” يحمل الخلاص لهم بتكاليف أقل. طب بديل يتجه جزائريون للتداوي بالأعشاب كطب بديل، واستغل كل من هبَّ ودبّ من “التجار” هذه الوضعية فتحولوا إلى “أطباء أعشاب”، وهذا ما يجري فعلا في الكثير من الأسواق حيث تدثرَ تجارٌ ومشعوذون جهلة بغطاء “أطباء” وراحوا يتاجرون بأعشاب مختلفة ويقدِّمونها على أنها “البديل الأنجع للأمراض المستعصية التي عجز الأطــباءُ عن علاجها”، علماً أن هؤلاء يملكون سجلا تجارياً ويدفعون الضرائب للدولة عن نشاطهم، ويشتغلون على طريقة الباعة المتجولين حيث ينتقلون من مدينة إلى أخرى، ولا يكتفون بعرض “سلعتهم” في الأسواق ككل التجار، بل يقومون بالترويج لها باستعمال مكبرات الصوت، ما يجعل الكثير من المرضى والفضوليين يتحلَّقون حولهم. ومن خلال زيارة عددٍ من الأسواق الشعبية كسوقي “الرغاية” و”بودواو” 30 و35 كم على التوالي شرق الجزائر، تبين لنا أن هناك عشابين أميين لا دراية لهم بطبيعة الأمـراض ولا بخواص الأعشاب ولا كيفية حفظها وتجفيفها ومدة صلاحيتها ولا بكيفية الاستطباب بأوراقها وبذورها ومنقوعها وزيتها وغيرها من أسس هذا الميدان. ولكنهم بارعون في تنميق الكلام ويمتلكون قوة في الخطابة والإقناع ويعرفون ما يعانيه المرضى مع الأمراض المستعصية والمزمنة ورحلاتهم المطوّلة والمتعِبة مع الأطباء والفحوص والأشعة والأدوية الحديثة، فيقومون بتزيين أعشابهم للمرضى الذين يتحلَّقون حولهم لسماع وعودهم المعسولة بالشفاء. ويسـتشهد بعضُــهم بأحاديث منتقاة بعناية للتأثير في ســامعيهم وإقناعهم بأن ما يقدمونه هو نفسه “الطب النبوي”، كما يضــعون أمام “سلعتهم” كتب أعشــاب من التراث لإقناع المترددين ومخادعة السُّذج، والغريب أن بعض العشــابين يدَّعي أن نباتاته قادرة على علاج بعض الأمراض المزمنة كالسـكري والربو والضغط الدموي بشكل نهائي وحاسم، وهو أمرٌ غير صحيح حيث يتحتم على المصابين بها تناولُ الأدوية مدى الحياة. مشعوذون وكوارث يقول الدكتور رشيد حميدي، طبيب بمستشفى عام بالجزائر، إن الكثير من حالات التسمم والمضاعفات الصحية حدثت في السنوات الأخيرة، حيث استقبلت المستشفيات مرضى في حالات متفاوتة الخطورة بعد تناولهم أعشابا “طبية” اقتنوها من الأسواق الشعبية من عشابين جهلة دأبوا على الانتقال من سوق إلى آخر في مختلف أنحاء الجزائر فلا يُعثر لهم على أثر إذا طُلبوا للتحقيق. كما تسبب عشَّابٌ أمِّيٌ بأحد أرياف ولاية باتنة (367 كم شرق الجزائر) في بتر ساق مريض بعد أن منحه خليطاً من أعشاب غريبة لـ”يداوي” به جرحاً أصاب إحدى رجليه، فتعفن الجرح واضطر الأطباء إلى بتر الرِّجل. وتداولت الصحف المحلية العديد من أخبار العشابين الجهلة الذين تسببوا بكوارث صحية عديدة لضحاياهم وأوقفهم الأمن وأحالهم إلى العدالة. تخصُّص يجب أن يُترك لأهله وأدى تكرار هذه المآسي إلى بداية العزوف عن عشابي الأسواق المجهولين مقارنة بالسنوات الماضية والإقبال أكثر على المحال المعروفة باعتبارها أقل خطراً، إلا أن المشكلة أن الجزائر لا تزال تفتقر إلى معهد متخصص في التداوي بالأعشاب في كلياتها الطبية، وحتى الطلبة الصيادلة لا يتلقون سوى تكوين “سريع” عن الأعشاب الطبية لبيعها في صيدلياتهم بعد التخرج إذا رغبوا بذلك. وفي ظل الإقبال الكبير الذي تشهده سوق الأعشاب الطبية في الجزائر، بات ضرورياً تدخل السلطات لتنظيمها بدءاً بنشر وتدريس أصولها في المعاهد والكليات وإعداد دراسات وأبحاث عنها وتوفير مخابر ومصانع لمعالجة الأعشــاب وتصنيعها، وعدم ترك كل من هبَّ ودب يعمل في هذا المجال بشكل تطغى فيه التجارة والرغـبة في الربح السريع على حساب صحة المواطنين، إذ أن بيع الأعشاب في الأسواق من طرف من يريد ذلك وبدون أن يكون المعني قد قام بدراسات وبحوث في الميدان، يُعدُّ بحــق ظاهرة غريبة ينبغي أن يتم وضــع حدٍّ لها من خلال تصفية الميدان من الطفيليين والتجار وتركه لأهله الحقيقيين.
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©