الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

تنظيف الاقتصاد هاجس يؤرق السوق العالمية للنفط

9 يونيو 2006

أمل المهيري:
يعتبر التلوث نوعاً من أنواع الإخلال بالتوازن الطبيعي للأنظمة البيئية والغلاف الجوي· ولم يعد الاهتمام بالتلوث في السنوات الماضية محصوراً في الاهتمام المحلي للدول لأن آثاره غالباً ما تكون إقليمية أو عالمية· وقد أثارت هذه المشكلات البيئية جدلاً واسعاً حول سبل الحد من التلوث الناتج عن استهلاك الطاقة· وأصبح شعار 'تنظيف الأنشطة الاقتصادية الحالية' من الشعارات المهمة التي تهيمن على الخطابات الاقتصادية والبيئية الدولية· ويعني هذا التوجه تعزيز البحث والتطوير في مجال التقنيات النظيفة للحد من التلوث البيئي، وإيجاد البدائل غير الضارة بالغلاف الجوي والأنظمة البيئية، إضافة إلى تعزيز سبل الكفاءة في الإنتاج عبر الاستخدام الأمثل لمدخلات الإنتاج وتحقيق أقصى مردود بأقل موارد طبيعية ممكنة؛ أي تكثيف إنتاجية الوحدة من مدخل الإنتاج·
ولمواجهة أخطار التلوث البيئي وتغير المناخ نظراً لارتفاع حرارة الأرض، وبسبب الضغوطات المتصاعدة للمنظمات غير الحكومية النشيطة في الميدان البيئي، احتلت قضية البيئة مكانة متميزة ومتنامية في الخطابات السياسية والتخصصية في العالم خلال العقد الأخير من القرن العشرين· ولذلك أصبحت قضية الحد من إنتاج الغازات الدفيئة (خاصة ثاني أكسيد الكربون وأكسيد النيتروجين وأكسيد الكبريت) من أبرز أهداف المهتمين بالشأن البيئي في العالم·
ومن الدراسات المهمة التي تتناول هذه القضية تلك التي صدرت حديثاً عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، سلسلة دراسات استراتيجية، بعنوان: 'استشراف أولي لآثار تطبيق بروتوكول كيوتو، بشأن تغير المناخ على تطور السوق العالمية للنفط'، للكاتب محمد عبد الباسط الشمنقي ومحمد حاجي·
وللحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، عمدت الدول المتقدمة إلى اقتراح مفاوضات متعددة الأطراف تكون موازية للمفاوضات التجارية في إطار منظمة التجارة العالمية، بهدف تدعيم التعاون الدولي للحفاظ على الغلاف الجوي ومقاومة ظاهرة الاحتباس الحراري، وقد أثبتت العديد من الدراسات العلمية مدى التأثير السلبي الذي يؤدي إليه استخدام الطاقات الأحفورية مثل النفط والفحم الحجري على نوعية الهواء خاصة والغلاف الجوي عامة، وهو ما يؤثر بالتالي في تغير المناخ عبر ارتفاع درجة حرارة الأرض وانتشار الكوارث الطبيعية وبخاصة الجفاف والفيضانات· كما أظهرت الدراسات العلمية الأخرى مدى تعدد سلبيات انعدام التوازن البيئي ومخاطره عبر تأثيره المباشر في جودة المنتجات الزراعية والصحة العامة للسكان·
اجتماع كيوتو
ولمقاومة هذه الظاهرة انعقدت أول قمة للأرض عام 1992 بالبرازيل في مدينة ريو التي مثلت بداية لسلسلة من الاجتماعات والقرارات المتعددة الأطراف، والتي هدفت إلى الحد من انبعاث الغازات الدفيئة، وبخاصة ثاني أكسيد الكربون الذي يستـــــــحوذ وحده على قرابة 50% من الانبعاثات الإجمالية للغازات الدفيئة في العالم· وقد مثل الاجتماع المنعقد بمدينة كيوتو باليابان في ديسمبر 1997 بحضور ممثلي 160 دولة، الحجر الأساس لوضع استراتيجية للحد من إنتاج الغازات الدفيئة عبر التزام معظم الدول المتقدمة بالحد من إنتاجها لهذه الغازات بما أنها تنتج القسم الأكبر منها· ويعتبر بروتوكول كيوتو الذي تم التوصل إليه في هذا الاجتماع أول التزام عالمي واضح بالحد من انبعاث الغازات الدفيئة والحفاظ على الغلاف الجوي للأرض· وينتظر أن يؤثر تطبيق هذا البروتوكول بشكل واضح في سوق النفط في العقود القادمة، وبالتالي في إيرادات الدول الخليجية التي تعتمد اعتماداً شبه كلي على النفط في اقتصاداتها·
وقد التزمت الدول التي وقعت على بروتوكول كيوتو ومختلف الاتفاقيات الملحقة به، بإدخال هيكلية جديدة على استخدام المحروقات لديها وبخاصة الوقود الأحفوري على الرغم من أن العديد من الدول الصناعية، وبخاصة الأوروبية منها، قد شرعت في تطبيق ضرائب جديدة للحد من استهلاك النفط (مثل ضريبة الكربون على الواردات النفطية الأوروبية) قبل اعتماد هذا البروتوكول، وهو ما أدى إلى دعم القدرة التنافسية لمصادر الطاقة البديلة الأقل إنتاجاً للغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري· وتمثل هذه الضرائب تكلفة الفرصة البديلة، أو العائد المحرومة منه الدول المنتجة التي ستشهد بالضرورة انخفاضاً في عائداتها من تصدير النفط·
وانطلاقاً من أهمية قطاع النفط في اقتصادات معظم الدول الخليجية، ونظراً لتعدد التحديات التي سيواجهها هذا القطاع خلال السنوات المقبلة، فإن هذه الدراسة تعتبر محاولة أولية لقياس آثار هذه التحولات على مستوى الطلب العالمي للمواد النفطية، وبالتالي على مستوى تطور الأسعار العالمية للنفط وإيرادات الدول الخليجية من صادراته·
تحرك متوازن
وقد اعتمدت الدراسة على نموذج عالمي متحرك للتوازن العام، واشتملت على ثلاثة أجزاء أساسية: يستعرض الجزء الأول منها بالتحليل أبرز الاتفاقيات الدولية الخاصة بمقاومة ظاهرة الاحتباس الحراري التي من المتوقع أن تؤثر في سوق النفط العالمية ويشرح مدى التقدم الحاصل في تطبيقها، ويحدد الجزء الثاني أبرز مكونات النموذج العالمي للتوازن العام المستخدم في هذه الدراسة مع تحديد كيفية استخدامه في المحاكاة، ويتناول الجزء الثالث والأخير قياس آثار تطبيق تعهدات بروتوكول كيوتو للحد من الغازات الدفيئة - عبر فرض ضريبة الكربون - على تطور استخدام النفط مقارنة بمصادر الطاقة الأخرى·
يعتبر القطاع النفطي من القطاعات الحيوية للعديد من الدول العربية مع تباين واضح في نسبة مساهمته سواء في الناتج المحلي أو الصادرات الكلية من بلد إلى آخر· ففي حين يعتبر النفط قطاعاً رئيسياً بالنسبة إلى دول الخليج العربي، حيث تتراوح مساهمته في الناتج المحلي الخام بين 30% و60%، يعتبر ثانوياً بالنسبة إلى دول عربية أخرى كتونس ومصر· ورغم الموارد المالية الطائلة التي وفرها القطاع النفطي للعديد من الدول العربية، فإن معظمها (دول الخليج العربي، والجزائر، وليبيا) لم تتمكن من استثمارها بالطريقة المثلى في تنويع مصادر إنتاجها وبالتالي الحد من ارتباطها بالنفط مع كل السلبيات التي قد تتولد عن ذلك، خصوصاً عندما تنخفض أسعار النفط· لذلك فإنه من غير المستبعد أن يواصل القطاع النفطي لعب دور استراتيجي ولاسيما في اقتصادات دول الخليج العربي·
الطاقة البديلة
وتبين نتائج الدراسة أن بروتوكول كيوتو يهدف في ظاهره إلى الحد من إنتاج الغازات الدفيئة، ولكنه في الحقيقة يهدف إلى الحد من اعتماد الدول المستوردة للنفط على بعض دول إنتاجه وذلك عبر تشجيع الاستثمار في مصادر بديلة للطاقة أقل تلويثاً للبيئة وأكثر جدوى اقتصادياً للدول الصناعية المستوردة للطاقة الأحفورية والمنتجة للتقنيات النظيفة الباهظة الثمن·
ويعتبر تصاعد المطالب بتطبيق بروتوكول كيوتو حينما ترتفع أسعار النفط في الأسواق العالمية، فيما تتلاشى هذه المطالب كلما انخفضت أسعاره أبرز دليل على البعد الاقتصادي للبروتوكول في معظم أبعاده، خلافاً لما يتصوره البعض من أن الهدف بيئي بالدرجة الأولى على الرغم من توافر النصاب القانوني الذي مكن من الشروع في التطبيق الفعلي للبروتوكول منذ 16 فبراير ·2005
وقد كانت الانعكاسات السلبية لبروتوكول كيوتو متوقعة منذ الشروع في وضع اللمسات الأولى له، وبخاصة تلك التي ستشمل الدول المنتجة والمصدرة للطاقات الأحفورية التي تهيمن على اقتصادات العديد من دول العالم·
ضريبة الكربون
وانطلاقا من نتائج هذه الدراسة يمكن تأكيد أن ضريبة الكربون سوف تفضي إلى تدعيم التوجه نحو استخدام الطاقات الأقل إنتاجاً للكربون· ومن شأن هذا التحول التدريجي نحو الغاز الطبيعي، كأحد أبرز مصادر الطاقة، أن يؤثر في الطلب العالمي على النفط كما كان متوقعاً في المحاكاة العادية للاقتصاد العالمي·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©