الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اتفاقية «نافتا»: الإصلاح لا الإلغاء

18 أكتوبر 2017 22:12
دعوني أبدأ بالقول إنني أعتقد أن اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية المعروفة اختصاراً بـ«نافتا»، يتعين علينا العمل معاً من أجل تحسينها وليس السعي للقضاء عليها من الأساس. ولطالما كنت من المدافعين بقوة عن ضرورة التوافق على قواعد معدلة لتطوير وتثوير أساليب التجارة الدولية. وطرق الشراكة تحتاج إلى قواعد أفضل فحسب، و«أفضل» تعني إعادة التوازن بين حقوق الشركاء المنخرطين في المبادلات التجارية. ولكن التقارير الصحفية بشأن عملية إعادة التفاوض التي تدور جولتها الرابعة حالياً بالغت أحياناً في التأثيرات الجمركية المحتملة، وهي أيضاً لا تخبرنا بالكثير لا عن التعديلات التي تستحق الإضافة على اتفاق استمر لعقدين، ولا عن التكلفة الاقتصادية والسياسية لبقاء الوضع الراهن. وأود هنا الإشارة إلى عدة أمور: أولًا، إذا فشلت عملية إعادة التفاوض وانسحبت الولايات المتحدة من اتفاقية «نافتا»، فسترتفع الرسوم الجمركية، ودعوني أوضح تماماً ودون مواربة أنه يتعين تجنب هذا من أجل تحقيق مصالح الولايات المتحدة وشركائها على حد سواء. وسلاسة عمل تكتل التجارة في شمال أميركا ستكون أيسر باتفاق تجارة فعال وليس أي اتفاق غير مدروس بعناية. وطبعاً لم أشهد تغطية صحفية كبيرة لهذا الأمر. وإذا تم تفكيك «نافتا»، ستتحدد الرسوم وفقاً لقواعد «الدول الأكثر تفضيلاً» في منظمة التجارة العالمية. ولكن دعونا ننظر عن قرب في بعض هذه الرسوم. فإذا نظرنا مثلاً إلى صادراتنا الزراعية إلى المكسيك سنجد أن الذرة وفول الصويا هما أكثر سلعتين زراعيتين تصديراً إليها. ويرى لوري والاش، الذي كتبت بالمشاركة معه في هذه القضايا، أنه بموجب معدلات الرسوم الجمركية لـ«الدول الأكثر تفضيلاً»، الفعلية أو «المطبقة» في منظمة التجارة العالمية، نجد أن ما يزيد على 90% من الذرة و70% من فول الصويا سيظل يجري تصديرها دون رسوم جمركية. ونجد أن لحوم الخنزير المجمدة ستفرض عليها رسوم تبلغ 20% ولحوم الخنزير المدخنة تفرض عليها رسوم تبلغ 10%. وإذا كان المرء يعتقد أن هذا أمر اعتباطي إلى حد كبير، ومعقد دون داع، فأنا أتفق معه في الرأي، وأرى أن هذا سبب آخر للإصلاح وليس للقضاء على «نافتا». وإذا فحصنا مستويات الرسوم الجمركية المفروضة بموجب قواعد «الدول الأكثر تفضيلاً» على التدفق التجاري الحالي بين الموقعين الثلاثة على الاتفاقية، نجد أن متوسط الرسوم بغير «نافتا» يبلغ 2.7% للولايات المتحدة و4.6% للمكسيك و2.4% لكندا. والمتوسط أكبر في الصادرات الزراعية وأقل في الصادرات غير الزراعية، والصادرات غير الزراعية هي التي تمثل الجانب الأكبر من التدفق التجاري. وأنا أؤكد لكم أن التدفق التجاري ليس بلا رسوم، وهذا ليس هو النتيجة المرغوبة وإن لم تكن أيضاً، ومعدلات الرسوم تلك أصغر بكثير مما وجده أي منكم في تقارير صحفية. وهناك أيضاً المدافعون عن بقاء الوضع الراهن دون حتى قليل من إدراك التغير الكبير في وجهات نظر الأميركيين تجاه الجوانب السلبية للتجارة العالمية. وانتخاب ترامب واحتمال صدور استجابات شعبوية ضد العولمة، كل هذا لم يفلح في أن يجعلهم أكثر وعياً، بحيث يصبحون مستعدين لإدراك ضرورة إعادة التفاوض نيابة عن العمال والمنتجين في كل دول الاتفاق. وقد كتب والاش يقول إن تحسين «نافتا» يتضمن أيضاً «تراجعاً كبيراً» لآلية تسوية النزاعات بين المستثمرين. وتستطيع الشركات المفردة أن تتحايل على المحاكم المحلية وتتحدى الحكومات من خلال الذهاب إلى محاكم مؤلفة من ثلاثة من محامي الشركات للمطالبة بتعويض من دافعي الضرائب في البلد المضيف جراء وقوع انتهاكات مزعومة لحماية المستثمرين. وتحسين «نافتا» يتضمن فرض قواعد أشد صرامة بشأن المصدر حتى لا تحصل الدول خارج الاتفاق على معاملة خاصة، وتطبيقاً أفضل لمعايير العمل، وإعادة نظر إلزامية كل خمس سنوات لفحص مدى التقدم في هذه التحسينات. وأنا أدرك حال عدم اليقين الذي قد تتسبب فيه فترة إعادة النظر، ولكنني أيضاً أعتقد أن الأمر يستحق هذا لأنه يضيف ما كان مفقوداً بشدة في الاتفاقات التجارية التي تمت صياغتها في العقود الماضية، وهو الشفافية والمحاسبة الديمقراطية العتيقة والجيدة. وكان هذا أقل أهمية حين لم تكن الجوانب السلبية للعولمة بمثل وضوحها الحالي، وقبل أن يصبح الضغط الذي لا يكل الناتج عن العجز المتواصل في الميزان التجاري مؤلماً بشدة في التجمعات السكانية التي قامت على التصنيع. وكان السياسيون من الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، يستطيعون تجاهل هذه الضغوط دون أن تتضرر شعبيتهم بشكل كبير. ولكن لم يعد بوسعهم الآن فعل ذلك. وتختبر إعادة التفاوض في «نافتا» مدى اعتراف نظامنا بالواقع الفعلي. والفشل في تجديد الاتفاق يشكل مخاطرة بالطبع، ولكن بقاء الوضع الراهن يشكل مخاطرة أيضاً. وبالنسبة لمن لا يقرون بمخاطر بقاء الحال الراهن عليهم أن ينظروا حولهم. وأنا أسألهم: أيروقكم ما ترونه في السياسة الأميركية اليوم؟ أعتقد أنه لا يروقهم مثلي. وأحد أسباب هذا هو أن النخبة لا ترغب في بحث نظام تجارة أكثر تقدمية. * المستشار الاقتصادي السابق لنائب الرئيس جو بايدن وباحث بارز في مركز أولويات السياسة والميزانية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©