الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

الاتحاد ملحمة بطولية قادها زايد

الاتحاد ملحمة بطولية قادها زايد
2 ديسمبر 2016 01:03
حسين رشيد (أبوظبي) اليوم ونحن نحتفل باليوم الوطني الـ 45 لقيام دولة الإمارات العربية المتحدة، نتذكر تلك الملحمة البطولية التي قادها آباؤنا المؤسسون بقيادة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ،طيب الله ثراه، حيث بحكمته ورؤية الثاقبة تحققت آمال وأحلام أبناء المنطقة. كان حلمهم دولة واحدة وكيانا واحدا ومصيرا مشتركا، وشعبا يجتمع تحت راية واحدة، وقيادة واعية مستنيرة، كانوا يدركون أن هناك تحديات جمة تحول دون تحقيق حلمهم. كان لابد من قائد يواجه هذه التحديات بكل شجاعة ومروة وتضحية، قائداً لا يعرف اليأس ولا يخاف الفشل. إنه الشيخ زايد ،طيب الله ثراه، هو ترجمة حقيقية لمعاني الإصرار والتضحية والشجاعة، كلمات من حروف محدودة، لكن معانيها عظيمة وثقيلة ثقل الجبال، لا بوزن حروف هذه الكلمات، وهي تحمل شحنات من العطاء والثبات على المبدأ والشجاعة، والإحساس بواجب المرء تجاه المبادئ التي يؤمن بها ويحملها في قلبه ووجدانه، والفكرة التي آمن بها واعتقدها. فما أجملها وأروعها من كلمات، وما أجمل ما تحملها من معان وتفيض به من دلالات، وقد جاءت الآية القرآنية الكريمة في قوله تعالى: (( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً )) آية تغرس في قلوب الرجال المؤمنين معاني التضحية والبذل وتحمل الشدائد والمحن في سبيل عقيدتهم وفكرهم ونصرة ذلك والذود عنه. فراغ سياسي وعسكري في المنطقة ملحمة بطولية بدأت أولى فصولها بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، ومع نهايتها برزت قوتين في العالم، الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، وشعر الإنجليز بتزعزع قوتهم وسيطرتهم، وفقدان نفوذهم في المنطقة كدولة عظمى، خاصة وإن بريطانيا قد تكبدت بخسائر مادية وبشرية جسيمة خلال خمس سنوات من الحرب أضعفتها كقوة عظمى ذات نفوذ سياسية وعسكرية، كما ساهم ظهور قوى التحرر في قارتي آسيا وأفريقيا وكذلك الثورات التي اندلعت في دول عدة في تلك القارتين ساهمت في إصرار دول المنطقة على المضي قدما نحو التحرر والاستقلال من المستعمرين والمحتلين. في ظل هذه الظروف قررت بريطانيا الانسحاب من المنطقة برمتها، حيث انسحبت من عدن في عام 1967 واستقلت عدن، واستمر انسحاب القوات الإنجليزية من المنطقة الخليج العربي، وفي عام 1971م انسحبت القوات البريطانية من الإمارات المتصالحة تماما، مما أدى إلى حدوث فراغ عسكري وسياسي كبير تعيشه المنطقة. كان سكان الإمارات المتصالحة آنذاك قد بدؤوا اجتماعاتهم قبل خروج الإنجليز، فقد كانوا يجتمعون فيما سمي آنذاك بـ«مجلس حكام الإمارات المتصالحة» في ديرة بدبي. زايد.. الأمانة الإنسانية وهنا تبلورت فكرة الاتحاد والاستقلال عند الشيخ زايد رحمه الله والذي كان آنذاك حاكما لإمارة أبوظبي، ذلك القائد الذي جاء من الصحراء حاملا على عاتقة مهمة إنسانية عظيمة، كان يعلم بفطرته وبعد نظره وحكمته أن هذه المهمة العظيمة والصعبة في نفس الوقت لو نجحت وأُنجزت فإنها ستكون فاتحة خير على المنطقة وسكانها، وظهرت عبقريته السياسية جليا حين خطا أولى الخطوات نحو الاتحاد، متجها لحاكم إمارة دبي آنذاك الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم ، رحمه الله ، ليجتمع الاثنان بعد مشاورات سابقة بينهما يوم الأحد الموافق الثامن عشر من فبراير من عام 1968م في منطقة حدودية تقع بين أبوظبي ودبي تسمى «عرقوب السديرة» جنوب منطقة السميح، وكان هذا الاجتماع هو الأول في مهمة زايد وراشد نحو الاتحاد، وخلال المشاورات التي دارت بين الحاكمين أدرك الرجلان خطورة الموقف والوضع في المنطقة، كما أدركا إلى حاجة المنطقة الملحة إلى اتحاد يضم إمارات المنطقة، وهي تسع إمارات هي: أبوظبي ودبي والشارقة وعجمان والفجيرة وأم القيوين ورأس الخيمة ، إضافة إلى قطر والبحرين. كما اتفق الحاكمان على حل مشاكل الحدود التي كانت قائمة بين أبوظبي ودبي معلنين في الوقت ذاته الاتحاد بين الإمارتين، داعين بقية حكام الإمارات إلى الانضمام لهذا الاتحاد الوليد، وفي يوم الأحد الموافق الخامس والعشرين من فبراير من عام 1968 أي بعد أسبوع من اجتماع حاكمي أبوظبي ودبي، عقد حكام الإمارات التسع اجتماعا تاريخيا هو الأول في إمارة دبي للتشاور وبحث مسألة الاتحاد التساعي وقيام دولة الإمارات، وتوالت الاجتماعات بين الحكام حتى أبرم الاتفاق والذي نص على ما يلي: - إنشاء اتحاد للإمارات العربية المتحدة. - تشكيل مجلس أعلى يضم الإمارات التسع. - تشكيل هيئة تنفيذية تعرف باسم «مجلس الاتحاد». - وضع ميثاق دائم للاتحاد يختص برسم السياسة العليا للشؤون الخارجية والدفاعية والاقتصادية والثقافية. - تأسيس محكمة عليا. واجتمع المجلس الأعلى للاتحاد في أبوظبي في شهر مايو من العام نفسه، وتم مناقشة عدة بنود والتي ركزت على آلية الإعلان عن قيام هذه الدولة الوليدة، كما نوقش خلالها النواحي القانونية التي تتعلق بتنفيذ بنود الاتفاق، كانتخاب رئيس للاتحاد والمقر الدائم للمجلس الأعلى وإعداد الدستور العام للدولة. وفي السادس من يوليو في العام نفسه تم عقد اجتماع تاريخي في إمارة أبوظبي أنتخب فيه الشيخ زايد كأول رئيس للمجلس الأعلى للاتحاد وراشد نائبا للرئيس، ويكون خليفة بن حمد«ولي عهد قطر آنذاك» رئيسا للوزراء، وصرح زايد يومها قائلا: «لقد أدركنا منذ البداية أن الاتحاد هو السبيل لقوتنا وتقدمنا، وهو الوسيلة لإسعاد أبناء المنطقة وتوفير الحياة الكريمة للجميع، وكذلك للأجيال القادمة بمشيئة الله، كما أدركنا أن ذلك لا يمكن أن يتم إلا في ظل قيام دولة اتحادية وطيدة الأركان ثابته الدعائم، تعي الماضي بكل عبره وتعيش الحاضر بكل ثقة وآمال وطموح، وتتخذ من الإسلام منهجا لسياستها الداخلية والخارجية لبناء الدولة وترسيخ دعائمها والوصول إلى الحياة التي ننشدها، ونتطلع إليها إيمانا بقوله تعالى:«واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا» ولقد أكدت السنوات الماضية من عمر الاتحاد قدرته على البناء والعطاء، فأقمنا تجربة اتحادية رائدة في المنطقة، واستطعنا أن نحقق التقدم المأمول في ربوع البلاد، والمساهمة في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة». وتوالت التطورات عندما أعلنت كل من البحرين وقطر عن نيتهما الاستقلال ذاتيا، وحيال ذلك اتخذ الشيخ زايد رحمه الله مبادرة تاريخية مشهورة، حيث أعلن في بيان عام أن إمارة أبوظبي ترغب في الدخول في اتحاد مع أي عدد من إمارات المنطقة، وجاء الاجتماع التاريخي بدبي في الثامن عشر من يوليو من عام 1971م وضم حكام أبوظبي ودبي والشارقة وعجمان وأم القيوين والفجيرة، حيث لم تعلن إمارة رأس الخيمة انضمامها بعد، وأصدر الحكام المجتمعين بياناً تاريخياً تضمن إعلان قيام دولة اتحادية باسم دولة الإمارات العربية المتحدة. وقد تم في هذا اليوم المبارك التوقيع على الدستور المؤقت للإمارات العربية المتحدة، وقد تقرر إرسال وفود لزيارة الدول والإمارات العربية الشقيقة، وكذلك الدول الصديقة، من أجل شرح أهداف هذه الخطوة والحصول على تأييدها ودعمها، كما شكلت لجان لإعداد التشريعات الضرورية للاتحاد وأجهزته، لعرضها علينا في اجتماعنا القادم الذي سيعقد في المستقبل القريب في إمارة أبوظبي، وذلك لاستكمال الإجراءات اللازمة لإعلان دولة الإمارات العربية المتحدة وتشكيل حكومتها وإنشاء أجهزتها لكي تمارس مسؤولياتها في خدمة الشعب وبناء مستقبله الزاهر، والتعاون مع شقيقاتها الدول العربية، ولتتبوأ مكانها اللائق في الأسرة الدولية… ونسأل الله تعالى القدير أن يأخذ بيدنا لما فيه خير شعبنا، ومنطقتنا، وأمتنا العربية إنه سميع مجيب”. واستقبل أبناء الإمارات الست هذا الخبر السار بكل سعادة، واستبشرت الشعوب خيراً بقيام هذا الاتحاد، وقال المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ،طيب الله ثراه،: “إن التوقيع على الدستور المؤقت هو أهم خطوة خطتها الإمارات العربية في سبيل تحقيق الاتحاد، وإن هذا الاتحاد قد أرسي على أسس قوية راسخة، تعتبر من أقوى الأسس التي يجب أن يقوم عليها الاتحاد”. وعلى امتداد الأشهر الخمسة التي تلت التوقيع على الدستور المؤقت، بدأت التحركات السياسية على المستويين العربي والدولي، وكان الشيخ زايد يقود هذه التحركات بنفسه، يسابق الزمن لوضع الخطوات الخاصة بإعلان وثيقة الاستقلال، والحصول على تأييد عربي ودولي لقيام دولة الإمارات العربية المتحدة. قيام دولة الإمارات العربية المتحدة في الثاني من ديسمبر سنة 1971، عقد حكام الإمارات الست اجتماعاً تاريخياً في دبي، وأعلنوا سريان مفعول الدستور المؤقت، وقيام دولة الإمارات العربية المتحدة كدولة مستقلة ذات سيادة وجزء من الوطن العربي الكبير، واتفق الحكام على انتخاب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيساً للدولة لمدة خمس سنوات، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم نائباً للرئيس لنفس المدة، وقد أرسى الدستور المؤقت قواعد الحكم الاتحادي الذي تمارس بموجبه الدولة المهام الموكلة إليها، وترك للإمارات الأعضاء السيادة على أراضيها في جميع الشؤون التي لا يختص بها الاتحاد، وفي سبيل تحقيق ذلك، صدرت المراسيم بتشكيل وزارة اتحادية تنفيذية، ومجلس وطني اتحادي تشريعي… وتم خلال في هذا اليوم التاريخي العظيم التوقيع على وثيقة الاستقلال وقيام الاتحاد، وإعلان بيان الاتحاد الذي جاء فيه ما يلي: «بسم الله الرحمن الرحيم.. بعونه تعالى واستجابة لرغبة شعبنا العربي، فقد قررنا نحن حكام إمارات أبوظبي ودبي والشارقة وعجمان وأم القيوين والفجيرة إقامة دولة اتحادية باسم – الإمارات العربية المتحدة – وإذ نزف هذه البشرى السارة إلى الشعب العربي الكريم، نرجو الله تعالى أن يكون هذا الاتحاد نواة لاتحاد شامل يضم باقي أفراد الأسرة من الإمارات الشقيقة التي لم تمكنها ظروفها الحاضرة من التواقيع على هذا الدستور» وانتخب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيسا للدولة، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم نائبا للرئيس. وبمجرد الإعلان عن قيام هذه الدولة الوليدة، نالت اعترافاً عربياً ودولياً، وانضمت الإمارات العربية المتحدة إلى جامعة الدول العربية بتاريخ 6 ديسمبر عام 1971، وأصبحت الدولة الثانية والثلاثين بعد المائة في منظمة الأمم المتحدة وذلك بتاريخ 9 ديسمبر من العام نفسه. أهداف الاتحاد كان لهذا الاتحاد الجديد بين الإمارات السبع أهداف مشروعة ونبيلة، منها الحفاظ على استقلال الاتحاد وسيادته وأمنه ودفع الأعداء عن جميع تراب الإمارات وحماية حقوق وحريات شعب الإمارات واحترام الشؤون الداخلية لكل إمارة. وحول مسيرة الاتحاد قال صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد:الأعياد القومية تمثل منعطفات غالية يحرص على تسجيلها كل الذين يكتبون تاريخ الشعوب والأوطان، فإن من حقنا أن نذكر بالفخر والتمجيد يوم الثاني من ديسمبر 1971م باعتباره يوما خالدا في تاريخ شعب الإمارات، وعلامة بارزة في مسيرته التاريخية، وتجسيد طموحاته وآماله نحو آفاق الخير والبناء, ولو عاد إنسان الإمارات بالذاكرة إلى صورة وطنه منذ سنوات قليلة خلت، وقارن بينها وبين ما هي عليه اليوم فالمؤكد أنه سيمتلئ إعجابا بالنهضة، فقد تحقق خلال فترة زمنية قصيرة الكثير من الأمنيات، وانطلق الاتحاد ينجز من الأعمال في كل المرافق ما يواكب حضارة القرن العشرين. أما صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي فقد تطرق في كتابه«روح الاتحاد» إلى التحديات التي واجهت قيام الاتحاد، وأن الاتحاد تعثر أكثر من مرة وكان على حافة الهاوية لولا اثنان... هما زايد وراشد، ولولا الإصرار والصمود في مواجهة التحديات القائمة آنذاك لما قام الاتحاد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©