الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ثوار سوريا... انتفاضة لا تنام!

24 يونيو 2012
اوستن تايس - خان شيخون سوريا في يوم من أواخر الشهر الماضي، هاجمت قوات الجيش السوري هذه المدينة. وبعد الظهيرة بوقت قليل كان هناك طفلان قد سقطا قتيلين بنيران الهاونات، كما كان الأطباء والممرضون يكافحون لإنقاذ حياة سيدة مسنة كانت قد أصيبت بطلقات كلاشنكوف في صدرها. وفي نفس الوقت كانت هناك طائرة مروحية تحلّق في سماء المدينة في حين راح قائد الثوار المحليين يحاول الاتصال برفاقه في مدينة "مضايا" القريبة، طلباً للمساعدة والعون. وعندما وصلت التعزيزات ركّز المقاتلون نيرانهم على الطائرة المروحية وانطلقت شاحنة صغيرة على ظهرها مدفع "دوشكا" ثقيل في شوارع المدينة بأقصى سرعة بينما الطائرة تحوم في السماء، راحت مجموعة أخرى من المتمردين تطلق النيران عليها من بنادق "دراجونوف" التي يستخدمها القناصة. وعندما سُئل أحد المقاتلين كيف كان يأمل أن يسقط طائرة مروحية تحلق على ارتفاع 2000 قدم باستخدام بندقية، ابتسم قائلاً: "هذا أمر ممكن بمشيئة الله تعالى". ويواجه آلاف المسلحين الذين يخوضون معارك يومية مع الجيش السوري العديد من الصعوبات والتحديات، منها: نقص أو انعدام التدريب العسكري، قصور التخطيط الاستراتيجي، ونقص الأسلحة- الثقيلة على وجه الخصوص- واقتصار كمياتها المسربة من الخارج في الآونة الأخيرة على البنادق في معظم الأحيان. ورغم تلك التحديات والصعوبات، تخوض قوات الثوار معارك طاحنة مع قوات الأسد، الأكثر عدداً وعدةً والتي تتبع تكتيكات وحشية في القمع غير متأثرةً في ذلك بالخسائر الفادحة التي تقع في صفوفها وصفوف المدنيين والتي وصلت للآلاف منذ أن اندلعت حركة التمرد التي بدأت كانتفاضة سلمية وتهدد بالتحول الآن إلى حرب أهلية. يقول "شهم" الذي يرأس وحدة مقاتلين في مضايا:"لم تكن لنا رغبة في القتال… لقد طلبنا من بشار الحرية، لكنه آثر أن يرد علينا بالرصاص. وعندما يضربك أحد فإنك قد تسكت في المرة الأولى، وربما في الثانية، أما الثالثة..!". انتهى ذلك اليوم بفرار طائرة الهليكوبتر، وادعى المقاتلون الذين اعتبروا أن اليوم كان ناجحاً، أنهم دمّروا دبابة وثلاث ناقلات جند مدرعة وقتلوا وجرحوا 15 جندياً دون أن يصاب أحد منهم، وهي ادعاءات كان من الصعب التحقق من صحتها. عند النظر لـ"شهم" فإنه لا يعطيك الانطباع بأنه مقاتل، بنظارته الطبية ومظهره المثقف الذي يجعله يبدو طالباً. وهو كذلك بالفعل حيث يدرس الهندسة في إحدى جامعات موسكو، ويتحدث إنجليزية جيدة بلكنة روسية، ويستشهد بأبيات من الشعر العربي الفصيح. قال لي "شهم"، عندما سألته عن سبب اختياره الدراسة في روسيا، إنه فعل ذلك هرباً من التجنيد الإجباري في سوريا. يرأس "شهم"، الذي رفض الإفصاح عن اسمه الكامـل خوفـاً مـن أن يؤدي ذلـك للتأثير على حظوظه عندما يتقدم للحصول على تأشيرة دخول لأميركا، مجموعة من المتمردين يبلغ عددها 50 فرداً يعملون ضمن "الجيش السوري" الحر في " مضايا" التي تقع بالكامل تحت سيطرتهم والتي يسيرون فيها حاملين السلاح علناً وينظر إليهم السكان كأبطال. ويقول "شهم" إنه تلقى مبادئ التدريب العسكري على يدي والده الذي خدم في الجيش السوري منذ عدة سنوات. وقبل الحرب كانت عائلته تدير مشروعاً لإنتاج الرخام وكانت حالتها ميسورة وتعيش حياة طيبة في مدينة إدلب الواقعة في أقصى الشمال الغربي لسوريا التي شهدت بعضاً من أعنف المعارك منذ اندلاع الانتفاضة. ويقول "شهم" إن روح الثورة تجري في دماء أسرته، فشقيق جده لوالده شارك في الثورة ضد الاحتلال الفرنسي، كما أن أخواله قتلوا أثناء نضالهم ضد حافظ الأسد والد بشار. وأثناء المعركة التي دارت مع قوات الحكومة في ذلك اليوم، أسر المتمردون رجلاً شكوا أنه من جواسيس النظام، وعندما رأيته كان وجهه منتفخاً وعيناه متورمتين دلالة على عنف الضرب الذي ناله على أيدي آسريه. سألت "شهم" عن معاملة الأسرى من جنود الحكومة، فلم يشأ أن يرد في البداية، لكنه قال بعد إلحاح: "نحن لسنا قتلة، لسنا مثل جنود الأسد". وأضاف: "لكن الأمر مختلف بالنسبة لهذا الرجل، فقد كان واحداً منا، لكنه كان يخوننا سراً وتسبب بخيانته في مصرع عشرة رجال، جميعهم من أصدقائنا".وأنهى "شهم" كلامه بالقول: "في بعض الأحيان عندما تكون في الحرب، تضطر أن تضع مبادئك جانباً، وتضع تعليمك جانباً كذلك". بدا "شهم" وهو يقول ذلك بصوت مرتفع كرجل يحاول إقناع نفسه بما يقوله. وفي وقت متأخر من ذلك المساء، وبعد أن ذهب معظم الرجال للنوم، ظل "شهم" ساهراً بجوار الهاتف. وفي نهاية المطاف تلقى أنباء كان ينتظرها بوصول شحنة جديدة من الأسلحة. لكنه لم يرد أن ينام وينال قسطاً من الراحة إلا بعد إلحاح من أحد رجاله. وكانت آخر كلماته لي في ذلك المساء: "كلما نمت أكثر... حاربت أقل". ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©