الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

يلعقون المر

12 يوليو 2014 00:55
وسائل التسلية والرياضة الذهنية والثقافة كالتكنولوجيا ووسائل الإعلام المرئية فضاء مفتوح بحلوه ومره، لكن ما الذي يجبر صغارنا على أن يلعقوا المر ويتركوا العسل؟ مشاهد مألوفة تراها في كل مكان. بينما هي تعبر الشارع إلى الجهة الأخرى من الطريق حيث مركز التسوق، يسترعي انتباهك صوتها العالي وصراخها في وجه الشغالة العاجزة عن السيطرة على أطفالها الثلاثة المنهمكين في اللعب بأجهزتهم الإلكترونية أثناء قطعهم الطريق، دون أن يعيروا السيارات والمارة المتذمرين أي اهتمام. لم يكن هؤلاء الصغار الذين تتراوح أعمارهم بين الرابعة والتاسعة مشغولين بالشارع ولا بمن فيه، كانوا يتابعون ألعابهم على «الستيشن» و«الآي باد» و«الآي بود» وهم يسيرون دون هدى، بينما ظل أحدهم في مكانه البعيد ولم يصل إليه صراخها الذي كان يزلزل الأرض، ورغم ذلك لم تستطع لا الشغالة ولا هي إيقافه عن لعبة الحرب حتى داخل المركز. وليس بعيداً عن هذا المشهد، تقفز إلى ذاكرتك صورة طفلة صغيرة مغرمة بالقصص والحكايات المحزنة والمخيفة التي تشاهدها على شاشات الفضائيات. كانت تشاهد التلفزيون وبينما كانت الحلقة الجديدة من مسلسلها الكرتوني المدبلج تشرف على الانتهاء، كنت تشاهد عينيها مغرورقتين بالدموع لتبادر إلى سؤالها عن سبب الدموع التي تكاد تطفر من عيني طفلة في الثامنة دونما شيء يكدر الأجواء من حولها، لتقص عليك الحكاية، حكاية مسلسل الرسوم المتحركة الذي ينفطر قلبها على بطلته الصغيرة، التي تعيش وتعمل في ظروف بائسة وتعاني من فراق أمها وظلم الآخرين لها دونما رحمة، ليتقطع قلبها كلما شاهدت حلقة جديدة منه دون أن تعرف كيف تساعدها! وبينما هي تسرد لك هذه المعاناة يتبين لك شيئا فشيئا أن أحداث هذه القصة ليست غريبة عليك وأنها ربما كانت مشابهة لما قرأته في رواية «البؤساء» لـ«هوجو». تسأل نفسك: لكن ما الذي أجبر طفلة صغيرة على تحمل كل هذه المعاناة؟ والقصص والحكايات ذات المحتوى التراجيدي نفسه تكتشف أيضاً أنها «موضة» هذه الأيام المنتشرة بين الفتيات المراهقات، اللاتي يبحثن عن المسلسلات الأجنبية والعربية والخليجية من قناة تلفزيونية إلى أخرى ومن رواية إلى أخرى ومن سينما إلى سينما. تهوى هؤلاء الفتيات المراهقات متابعة أكثر القصص سوداوية وتقطيعاً للقلب، التي تأتي في مقدمتها قصص الحب المستحيل! وقصص الفتيات المظلومات والنساء المغلوبات على أمرهن عندما يقعن في الحب الذي ينتهي بالفراق والدموع. أو قصة البطل والبطلة اللذين يعيشان قصة حب رومانسية وفجأة يصاب أحدهما بمرض خطير، وفي هذه الأثناء تولد قصة حب عنيفة بينه وبين الآخر تنتهي بموته ومعاناة رفيقه. والمعاناة نفسها تلقي بظلالها على القارئ أو المشاهد الصغير الذي يتأثر كثيراً لما يحدث لهؤلاء الذين تظلمهم الحياة على شاشات التلفزيون أو في أفلام السينما أو روايات الدموع والحزن التي تفقد الإنسان صلابته النفسية. منذ نعومة أظافرهم يتعامل صغارنا مع التكنولوجيا ووسائل الاتصال ووسائل الإعلام المرئية بطريقة أصبحت مألوفة في حياتهم اليومية، وصارت تشكل جزء من ثقافة هذه الشريحة التي تسعى إلى ما يشبه التسلية بالهم!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©